دراسة: التغيرات المناخية تهدد آثار العالم بالتلف أو الغرق

دراسة: التغيرات المناخية تهدد آثار العالم بالتلف أو الغرق
- التغيرات المناخية
- البيئة
- الآثار
- المناخ
- مؤتمر المناخ
- شرم الشيخ
- التغيرات المناخية
- البيئة
- الآثار
- المناخ
- مؤتمر المناخ
- شرم الشيخ
يواجه التراث الأثري في مصر والعالم، خطر غير مسبوق، بسبب تغير المناخ الذي يتفاقم بشكل مضطرد، نتيجة استمرار انبعاثات الغازات الدفيئة في الهواء الجوي، وعدم تمكن المجتمع الدولي إلى الآن من كبح جماح عملية تلوث غلاف الأرض.
وأفادت دراسة صادرة عن برنامج السياسات العامة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، بأن طبيعة التراث الأثري ذاتها عاملا مساهما في زيادة حالة الخطر القائمة على الآثار، حيث تتميز الأثار المادية بطبيعتها الهشة أمام المؤثرات الخارجية سواء كانت طبيعية أو من صنع البشر، وهذا ما يضطر دول العالم المختلفة إلى بذل المزيد من الجهود في سبيل المحافظة علي أكبر قدر من تراثها الأثري، الذي أصبح محاطاً بتهديدات متنوعة كارتفاع مستويات البحار والفيضانات والجفاف والحرائق وغيرها.
قضية المناخ تزداد تأزماً
وجاء في الدراسة التي أعدها الباحث ببرنامج السياسات العامة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية مصطفى عبد اللاه: «أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC في أوائل العام الجاري 2022، تقييمها السنوي حول التأثيرات التي أحدثتها تغيرات المناخ على كوكب الأرض، حيث أشار التقييم إلى أن درجة حرارة الأرض ارتفعت على مدار العقدين الماضيين بمقدار درجة واحدة تقريباً، ويُنتظر أن تستكمل درجة الاحترار العالمي ارتفاعها في نهاية هذا القرن لتصل الي حد 2.7 درجة».
وتتوقع التقارير الدولية أن يؤدي تصاعد درجات الحرارة بهذا المنوال إلى ارتفاع مستوي سطح البحر خلال العقود الماضية بمقدار 56 سم، وهو ما سيؤدي إلى غمر آلاف الكيلو مترات من الأرضي الساحلية والجزر حول العالم، ليهدد المئات من المدن الحضرية والقرى الريفية المنتشرة في شتي بقاع الأرض، والتي يقطنها 640 مليون شخص، فضلاً عن إغراق المئات من المواقع الأثرية الموجودة بالقرب من خط الساحل أو بداخل الأراضي ذات المنسوب المنخفض.
وتابع مصطفى عبد اللاه في دراسته الصادرة عن برنامج السياسات العامة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية: «من المتوقع أن تتسبب التغيرات المناخية في زيادة نسبة هطول الأمطار بأكثر من 50 % عن المعدلات المعتادة، وهو ما سيتسبب في فيضانات جارفة ببعض المناطق في أوروبا وآسيا وأفريقيا، لتخلف تلك الفيضانات خسائر مادية ودماراً شاملاً تقدر قيمة إصلاحه بمليارات الدولارات، فضلاً عن دمار التراث الأثري الواقع في نطاق الفيضانات بشكل كلي أو جزئ، ناهيك عن الخسائر البشرية التي لا تقدر بثمن».
جفاف وفيضانات وحرائق غابات
وستعاني مناطق من الفيضان، سحول العالم من اشتداد حالات الجفاف وزيادة فتراتها، حيث يتوقع أن يصل متوسط فترات الجفاف على مستوى العالم إلى أربعة أشهر في العام، فيما يمكن أن يقفز متوسط فترة الجفاف إلى 10 أشهر كل عام، وذلك حال ارتفاع درجة حرارة الأرض بواقع ثلاث درجات مئوية، لتؤدي حالات الجفاف تلك إلى زيادة الفقر والصراعات، وهو ما يعرض المواقع الأثرية إلى خطر الدمار أو النهب، خاصة الواقعة في شمال أفريقيا وإقليم الشرق الأوسط.
ويرتبط بالجفاف ظاهرة حرائق الغابات، والتي تكثر غالباً في نطاق قارات أوروبا وأمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية، فضلاً عن إقليمي جنوب شرق آسيا وأوقيانوسيا، حيث تأتي الحرارة الصيفية على مساحات واسعة من الأشجار والحشائش، والتي سرعان ما تشتعل وتدمر كل ما في طريقها من مظاهر العمران.
نماذج عالمية لتضرر التراث الأثري
وكشفت دراسة المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية تضرر عشرات المواقع الأثرية جراء التغير المناخي، ويعتبر موقع أكروبوليس أثينا المدرج على قائمة اليونيسكو والذي يزوره سنوياً قرابة 5 ملايين سائح، واحدًا من النماذج الهامة لتلك المواقع الأثرية المُضارة، حيث رصد علماء الأثار حالات مُتفرقة لتأكل رخام المباني الأثرية بالموقع، فضلاً عن ظهور مشكلات فنية متعددة على جدران تلك المباني.
وتابع عبد اللاه: «تعزي تلك المشكلات إلى مجموعة من الظواهر المتعلقة بتغير المناخ العالمي ومنها هطول الأمطار الحمضية وتلوث الهواء الجوي، وتقلب الطقس بشكل حاد على مدار فصلي الشتاء والصيف، لتعاني المنطقة من فترات هطول مكثفة للسيول تعقبها فترات طويلة من الجفاف الممزوج بحرائق الغابات في بعض الاحيان، وهو ما يؤثر حالياً على استقرار حالة الأثار بمنطقة الأكروبوليس ويهددها بالدمار الكامل حال اشتداد أحد تلك الظواهر».
خسائر بالمليارات في فينيسيا
وعن أكثر المناطق الاثرية تأثرا قالت دراسة المركز المصري للدراسات الاستراتيجية: «تعد مدينة فينيسيا التاريخية هي الأخرى نموذجا لتأثر التراث الأثري بعوامل التغيرات المناخية، فالمدينة الإيطالية المطلة علي البحر الأدرياتيكي تواجه الآن خطر العواصف البحرية علاوة على تزايد الفيضانات، والتي كان من بينها فيضان عام 2019م، الذي أدى إلى خسارة ما يقارب من مليار دولار جراء وقوع أضرار جسيمة بمباني المدنية، بالإضافة للخسائر المادية التي تكبدها القطاع السياحي بسبب توقف النشاط كما يهدد الغرق مدينة فينيسا بنهاية القرن الحالي، حيث تتوقع بعض المؤسسات العلمية الأوربية أن ترتفع مناسيب مياه البحر داخل المدينة عام 2100 بنسب تتراوح بين 17سم و 120 سم».
وأضافت الدراسة: «شهدت السواحل الشرقية والغربية والجنوبية للولايات المتحدة الامريكية علي مدار السنوات الماضية عشرات الظواهر المتعلقة بتغير المناخ، منها ظاهرة تأكل الشاطئ علي جزيرة هاتيراس الواقعة بولاية نورث كارولاينا، والتي تفاقمت علي مدار العقود الأخيرة، لتؤدي تلك الظاهرة إلى قيام السلطات المحلية في عام 1999 باتخاذ قرار بنقل المنارة التاريخية للجزيرة والتي بنيت عام 1870م، من خط الساحل إلى عمق أرض الجزيرة، في عملية معقدة تكلفت أكثر من 11 مليون جنيه، وذلك لإنقاذ تلك المنارة من خطر الغرق والسقوط».
مخاطر محدقة بالتراث الأثري في مصر
وفيما يخص الآثار المصرية أشارت الدراسة إلى معاناة مصر خلال الثلاثين عاما الماضية من حالة احترار قوية، تسببت في زيادة متوسط درجات الحرارة بمقدار 0.53 درجة مئوية لكل عشرة سنوات، وينتظر أن تواجه البلاد خلال السنوات المقبلة موجات متصاعدة من الحر والعواصف الترابية، ما يضع التراث الأثري المصري في موضع خطر داهم، وتعتبر أثار جنوب مصر في الصعيد والواحات وعلي ساحل البحر الأحمر من أكثر الأثار المعرضة للخطر، حيث ستؤدي موجات الحر إلى زيادة معدلات الجفاف، وهو ما سيؤثر بالسلب علي استدامة هياكل تلك الأثار، وسيؤدي أيضاً إلى سقوط الجماليات الفنية مثل الرسوم والنقوش والبروز من عليها.
الاسكندرية وآثارها وتهديد محتمل
وقال الباحث مصطفى عبد الله: «يتوقع أن تتعرض الأثار القريبة من ساحلي البحر المتوسط والأحمر لخطر الغرق تحت مياه البحر، وذلك بسبب ذوبان الجليد القطبي، وتمتلك مدينة الإسكندرية إثني عشر موقعًا أثريًا أغلبها مهدد بالغرق حال ارتفاع منسوب المياه على مدار العقود المقبلة، وقبل حدوث ذلك يُنتظر أن تؤثر الحموضة العالية لمياه المتوسط على أساسات المباني العتيقة والقطع الأثرية القريبة من شاطئه أو الغارقة بداخله، وهو ما قد يؤدي إلى انهيارات كاملة في بعضها، فيما قد تتعرض أثار أخرى إلى انهيارات جزئية».
إجراءات مطلوبة وحلول
ووضعت الدراسة مجموعة من الحلول بينها الاستعداد اللازم لحفظ وصيانة التراث الأثري المصري، وذلك لتقليص التبعات الخطيرة التي قد تتسبب فيها التغيرات المناخية، بالإضافة إلى تجديد الدراسات الأثرية التي تحدد حالة الأثار ومدي تأثرها بعوامل التغيرات المناخية، ووضع مؤشرات تبين نسب ارتفاع معدلات الضرر الواقعة على كل أثر، وذلك لتنسيق جداول صيانة الأثار تبعاً لحالة الاحتياج.
وطالبت الدراسة بإجراء دراسات بيئية وجغرافية مستديمة لتحديد المناطق التي تشهد تأثراً مباشراً بالتغيرات المناخية، وذلك لوضعها على قائمة اهتمامات أعمال المجلس الأعلى للأثار وفرق الترميم والصيانة التابعة له وتجديد خطط التعامل مع الأثار المختلفة الأحجام والأنواع، أثناء وقوع حالات الطوارئ البيئية مثل السيول والجفاف والفيضانات وغيرها، وذلك لإنقاذ التراث الاثري قبل أن يطوله الضرر الناتج عن تلك الظروف البيئية المفاجئة.
وأخيرا أوصت الدراسة بتدشين سجلًا رقميًا يضم كافة البيانات والتفاصيل المتعلقة بكل أثر، وذلك لتسهيل مهمة فرق الترميم التي ستقوم بصيانة الآثار بعد وقوع الحوادث المناخية المختلفة، او التي ستنفذ عمليات نقل للآثار قبل حدوث أي ظاهرة مناخية متوقعة.