داليا يسري تكتب: حروب الهوية بين «تزييف التحضر» وشيطنة الجذور

كتب: داليا يسرى

داليا يسري تكتب: حروب الهوية بين «تزييف التحضر» وشيطنة الجذور

داليا يسري تكتب: حروب الهوية بين «تزييف التحضر» وشيطنة الجذور

ثمة إحساس بالخطر يتسرب للمرء تدريجياً، كلما أتى الحديث عن ذكر مصطلحات على غرار: حروب الهوية والصراعات الأيديولوجية، وما إلى آخره.

وإذا كان لا بد لنا من الإشارة هنا إلى أن للصراعات العسكرية مخاطر تبلغ أقصى مداها وفقاً لما تخلفه وراءها من قتلى، وجرحى، وآثار تدميرية.

فإنه لا فرار لنا من الاعتراف بأن حروب الهوية هى الشىء الذى يضع الإنسان فى محل يُخيل له فيه أن أشياء مجهولة تسعى وراء ترك ثقوب فى رأسه، حتى يتسرب منها إليه فيما بعد أشياء هو أول من لا يدرى فى الحقيقة كُنهها.

وعند هذه النقطة، يطرح السؤال المُلح نفسه، هل يكون الحل الوحيد والمهرب من ذلك هو الانغلاق التام على الجذور؟ أم أنه من الأفضل فى هذه الحالة الاستسلام للانفتاح التام؟ الحديث يدور هنا عن واحد من تلك المواقف الكثيرة التى يجد فيها الإنسان نفسه عالقاً بين إما أن يتشبث بأفكاره فيصبح أضحوكة يتغنى بجهلها كل من ينعت نفسه بلفظة «مُتحضر»، أو أن يمشى مع التيار فينتج عن ذلك أن يجد نفسه قد تحول بشكل تلقائى إلى مسخ ممسوح الهوية لا أصل له، ولا معالم واضحة لما يربو له من أهداف تخصه وتعنيه هو نفسه فى المقام الأول، وكل ذلك، لأنه ببساطة سيكون فى هذه الحالة لا يعرف نفسه بشكل يسمح له أن يعرف ما يريد.

فمنذ أن ظهرت وسائل التواصل الاجتماعى، ومن ورائها منصات الدراما الدولية والمحطات العالمية ودخل الإنترنت إلى كل بيت وأصبح جزءاً لا يتجزأ من حياة كل إنسان.

وقد تغير وجه الحياة تماماً، وأصبحت الهوية والحفاظ عليها عبارة عن قضية على المحك.

إنك ببساطة تقف اليوم أمام سيل من التحديات التى لم يعد هناك مفر من العثور على حلول لتلافيها ومعالجة آثارها، وليس كبتها.

نقول ذلك، لأن هذا النمط من الحروب يأتى دائماً على هيئة أفكار. وذلك مع اختلاف الصياغة التى يتم من خلالها تحميل وتعبئة تلك الأفكار، سواء صياغة تليفزيونية أو سينمائية أو حتى إعلامية عابرة للقارات من خلال وسائل التواصل الاجتماعى.

والأفكار لا يمكن كبتها، ولا منعها، الأفكار بطبيعة الحال تمتلك قدرة غير محدودة على الانتقال. خاصة وإن كانت وسيلة نقلها تمتلك ما يكفى من الإقناع لترسيخها فى عقل المتلقى.

مثال دامغ على ذلك، نعاصره بشكل يومى، هو دأب شركات دولية ومنصات إنتاج إعلامى عالمية على نشر وتطبيع المثلية بشكل رئيسى جنباً إلى جنب مع الإلحاد وعادات وسلوكيات أخرى، تتنافى مع كل ما له علاقة بهويتنا.

والسؤال هنا، من إذاً يحول دون إقناع الناشئة والشباب باعتناق مثل هذه الأفكار الهدامة؟ هل من الممكن أن يتمثل الحل فى إرغام هذا الجيل على الانغلاق والتمسك بالجذور وغض البصر عن هذا السيل من الأفكار بشكل يجعلهم فريسة سهلة للوقوع فى مصيدة التطرف الدينى؛ وهذه بحد ذاتها أيديولوجية أخرى عنيفة ربما يتطلب الأمر عصوراً كاملة لهدمها وإسقاطها.

أم الحل يكمن فى ترك الأبواب مفتوحة على مصراعيها أمام عيون أبنائنا حتى يصبح عقل كُل منهم عبارة عن مُستقبِل حُر ومُبتلع لكل ما يُرسله الطرف الآخر إليه من أفكار؟ الحل الوحيد لكل ما ورد أعلاه، يتمثل فى العثور على الجسر الرابط ما بين الجذور التى تربطنا بأرضنا وتاريخنا وديننا وحضارتنا وقيمنا الأسرية، مع الانفتاح على الآخر وقبول ثقافة الاختلاف والوعى بأن المعرفة بالشىء لا تستدعى بالضرورة أهمية تنفيذه.

إن المرادف الوحيد هُنا لكلمة «الجسر»، سيكون بطبيعة الحال هو «التربية».

التربية القائمة على الوعى بالإطار العام للهوية المصرية بكل ما يندرج تحتها من قيم ومفاهيم. إن التربية فى هذه الحالة تعمل عملها، كمصل مضاد حيوى فعّال، لكل ما هو متطرف وكل ما هو غربى هدام.

أترى حال من يعاصر وباء عالمياً وهو حاصل على جرعته من المصل؟ يكون هذا هو نفس حال الشخص الذى نشأ وقد تلقى تربية سليمة حضرت فيها العناصر الرئيسية المكونة للأسرة، بشكل يجعله يملك حاسة التمييز بين الغث والسمين، وبين الصالح والطالح، وبين الانفتاح البنّاء على الآخر وقبول تعدد الثقافات من دون فقدان الذات وخسارة البوصلة الشخصية المُحددة للأهداف.

داليا يسري الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية


مواضيع متعلقة