حرب أكتوبر وأجيال من المتسطحين!

أميرة خواسك

أميرة خواسك

كاتب صحفي

نُشر مؤخراً بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر التاسعة والأربعين ڤيديو توضيحى لمعركة الطيران التى وقعت يوم العشرين من أكتوبر بين الطيار المصرى أحمد المنصورى والذى أطلق عليه بعدها «الطيار المجنون»، وبين الطيار الإسرائيلى جيورا إيبستين، وكيفية هبوط الطيار المصرى بطائرته سليمة رغم نفاد الوقود على طريق الزعفرانة، وكانت الأوامر للطيارين بالقفز من الطائرة إذا ما واجهوا عطلاً، لكنه أبى أن يترك سلاحه وأن يفقد الجيش المصرى طائرة روسية مكلفة هى «الميج ٢١»، وكانت تلك المعركة وما أقدم عليه الطيار البطل أحمد المنصورى درساً عسكرياً خارقاً، يضاف لدروس كثيرة اكتسبتها العلوم العسكرية فى العالم من بطولات شهدتها حرب أكتوبر المجيدة.

على الرغم من أن حرب أكتوبر 1973، لم تكن مصر تملك فيها أحدث الأسلحة ولا أقوى الإمكانات ولكنها كانت تملك جيشاً وطنياً مخلصاً لتراب بلاده، وهذا ليس مجرد تعبير عاطفى لكنها حقيقة يعلمها كل من عاش تلك الفترة أو من درسها وقرأ عنها بتوسع، إنه الإيمان بهذا الوطن وبكرامته وعزته.

لم يكن اللواء طيار أحمد المنصورى هو البطل الوحيد فى هذه الحرب، ولكن حرب أكتوبر شهدت بطولات خارقة لا يمكن تصديقها، ولا يمكن إخضاعها للحسابات العسكرية البحتة، لكن الشجاعة المفرطة والبذل والعطاء لأبناء الجيش المصرى، كانت أكبر من أية حسابات.لكن على الرغم من أمور كثيرة عظيمة شهدتها حرب أكتوبر فإنها أولاً، حتى الآن لم تأخذ حظها من المعالجة الفنية سواء فى القصة أو السينما أو الدراما التليفزيونية، على الرغم من آلاف القصص الحقيقية التى تناطح الخيال ولا يصدقها عقل، تماماً مثل بطولة الطيار أحمد المنصورى، وهو أمر شديد الغرابة لأن المادة الدرامية موجودة بالفعل وحقيقية، ولا تحتاج سوى مبدع شجاع بقدر شجاعة أبطال أكتوبر حتى يخلدها للأجيال المقبلة.

الأمر الثانى أن مناهج التعليم فى مصر لم تعط هذه الحرب قدرها الحقيقى كأول حرب ينتصر فيها العرب فى التاريخ المعاصر، ولا أعلم إن كان هذا عن إهمال أو عن جهل؟ وكلا الأمرين مؤسف، فمن المفترض أن نحتفل فى العام المقبل إن شاء الله بمرور نصف قرن على هذه الحرب المجيدة، وهو ما يعنى أن عدة أجيال لم تعاصر هذه الحرب ولا تعلم عنها شيئاً سوى احتفالات سنوية روتينية تنتهى بعد يوم من ذكرى يوم السادس من أكتوبر، لكنها لم تدرسها دراسة وافية.

الحقيقة أننا نعانى إهمالاً كبيراً فى تعليم أبنائنا تاريخ بلدهم وأمجاده، ونترك ذاكرتهم الوطنية تتسطح يوماً بعد يوم حتى أصبحت لدينا أجيال من المتسطحين، ناقمون على حياتهم فى وطنهم، يأخذون ولا يعطون، الوطن لديهم مجرد منفعة ومكاسب إذا لم تتحقق يبحثون عن وطن غيره، حتى كاد مفهوم الوطنية أن يتبخر ويندثر، ونحن عن كل هذا غافلون.. رحم الله شهداء حرب أكتوبر وشهداء كل حروب العزة والكرامة.