سيرة شرم الشيخ
سيرة شرم الشيخ على ألسنة الجميع. وما أحلاها سيرة. يومان فى ضيافة «المنتدى الدولى للاتصال الحكومى» فى إمارة الشارقة، واسم شرم الشيخ وما يتوقعه العالم القادم إلينا يتردد على ألسنة الجميع. صحيح أنه منتدى يعنى بمنظومة الاتصال الحكومى حول العالم، وينعقد سنوياً على مدار الأعوام الـ11 الماضية، إلا أن أزمة المناخ وأثرها التى تلقى بظلالها الوخيمة بشكل متسارع ومتصاعد على مدار الأشهر القليلة الماضية تفرض نفسها فرضاً على كل الجلسات دون استثناء. فهل هناك ما هو أخطر من أزمة مياه أو فيضان أو جفاف أو درجات حرارة مرتفعة بشكل غير مسبوق أو انبعاثات حرارية تؤثر سلباً على حياة البشر والكائنات الحية على ظهر الكوكب؟! وهل هناك ما هو أفضل من الوصول إلى أفضل شكل ومحتوى ممكن لاتصال الحكومات بشعوبها وسماع أصواتهم ومعرفة ما يجول فى خواطرهم للتعامل مع أزمة مثل أزمة المناخ؟
هذه الأزمة لا تقف عند حدود دولة ما، أو تعمل حساباً لقوى عظمى أو ترأف بحال دولة صغيرة أو فقيرة تحتاج منظومة محكمة من الاتصال الحكومى لإخبار الناس بما يجرى حولهم فى الكوكب، وما يتوجب عليهم فعله من أجل القيام بدورهم فى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وما تفعله الحكومة فى هذا الصدد لتساعد وتدعم وتقوم بالدور المنوط بها فى كوكب لن ينجو إلا بتكاتف الجميع، وهى منظومة «رايح جاى»، حيث تتصل الحكومة -أى حكومة- بالشعب وتتواصل معه وتسمع منه. كما تتصل وتتواصل بمن حولها فى العالم حتى يصل الجميع إلى بر الأمان، رغم أنف الانقسامات الجيوسياسية المريعة التى تشهدها دول عدة حالياً.
لهذا يأتى مؤتمر «cop27» أو قمة المناخ, هذا المؤتمر الأممى بالغ الأهمية، فى توقيت لا يمكن وصفه إلا بـ«بالغ الحساسية». أنظار العالم ستظل متجهة صوب شرم الشيخ لبضعة أسابيع حيث تجهيزات وترتيبات لحضور ممثلين من أغلب دول العالم على مدار أيام المؤتمر.
الجميع فى «منتدى الاتصال الحكومى» فى الشارقة يتطرق بين الحين والآخر لشرم الشيخ. بين متطلع لما ستسفر عنه الجلسات، ومتمنٍ لأن تخرج التوصيات خطوات فعلية ونوايا حقيقية قابلة للترجمة فى ملف المناخ، ومخطط للحضور والمشاركة، ومدعو لحضور الجلسات والمشاركة بخبرته وتخصصه يتواتر ذكر المدينة التى تتأهب لأحد أهم الأحداث فى العالمية فى الوقت الراهن.
وزير الشباب والرياضة الدكتور أشرف صبحى قدم عرضاً متميزاً عن استعدادات مصر وشبابها ضمن مشاركته فى أعمال المنتدى. وكم أتمنى أن يتم تعميم الجهود المبذولة التى عرضها الوزير لرفع وعى الشباب ووضعهم على الخطوط الأمامية للتعامل والتفاعل مع تغير المناخ وأزمته.
ما تقوم به مصر بشكل مكثف هذه الآونة من مشروعات أو مبادرات أو أنشطة تتعلق بأزمة المناخ وتغيراته ينبغى أن يستمر إلى ما بعد القمة فى شرم الشيخ. المؤكد أن أعداداً كبيرة من الشباب والشابات المصريين ستشارك فى أعمال القمة فى شرم الشيخ، لكن ينبغى أن يكون هؤلاء نواة لاستدامة الوعى بما يجرى حولنا وبنا من تغيرات مناخية. فالمستقبل لهم وليس من العدل أن تقتصر الخبرات والمهارات التى اكتسبها هؤلاء الشباب على أنفسهم أو حتى دوائر معارفهم فيما بعد القمة. واستدامة الوعى الإيجابى الناجم عن «cop27» فى شرم الشيخ يمكن أن تتحقق عبر هؤلاء وتنمية قدراتهم على أن يكونوا ناقلين للخبرات والمهارات والمعارف لأقرانهم فى المدارس والجامعات.
قمة «cop27» تعيد لشرم الشيخ جانباً من وهجها الذى تستحقه، وهو الوهج الذى تأثر بسلسلة من الأحداث المتواترة على رؤوسنا بدءاً من عام 2011 مروراً بعامين من الوباء ثم حرب روسيا فى أوكرانيا. وكم أتمنى أن يكون «cop27» صفحة جديدة ناصعة تستحقها مصر وشرم الشيخ. هذه المرة ستكون الصفحة خضراء صديقة للبيئة محافظة عليها ومساهمة فى إنقاذ العالم من كوارث المناخ الآخذة فى التفاقم. لكن حتى تتحول الأمنيات إلى حقيقة، فإن كل ما سبق ينبغى أن تتوافر له عوامل الاستدامة.
أتمنى ألا تكون القمة «مؤتمر وخلاص»، لأنه ليس كذلك. المؤتمرات التى تحضرها الآلاف من شتى أنحاء العالم ومن فئات وانتماءات وأعمار مختلفة تكون فرصاً ذهبية للمدن التى تنعقد فيها. هذه الآلاف إما أن يعود كل منها من حيث أتى دون انطباع عن المدينة التى زارها، أو يعود كل منها وهو سفير لهذه المدينة. يتحدث عنها وعن ناسها وعن تنظيمها وعن بهائها وكرم أهلها وحسن ضيافتهم، وينقل هذا الشعور بالحنين لها والرغبة فى معاودة الزيارة، بالإضافة إلى وصفها بـ«المدينة الخضراء» أو «صديقة البيئة» أو المساهمة فى إنقاذ الكوكب. لكن كل ما سبق يحتاج عملاً دؤوباً واستدامة للجهود المبذولة الآن. وهذا أمر ممكن.