شهدت الساحة الرياضية المصرية مؤخراً الكثير من الوقائع والأحداث التى تؤكد بجلاء أهمية الرقابة المالية على الهيئات الرياضية الوطنية، طالما ظلت هذه الهيئات تتلقى الدعم المالى من الدولة، ويُنظر فى ذلك أيضاً إلى أن هذه الهيئات تعتبر من الهيئات الخاصة ذات النفع العام وتتمتع بالإعفاء من كثير من الضرائب والجمارك والرسوم، وتعتبر أموالها أموالاً عامة فى تطبيق أحكام قانون العقوبات (المادة التاسعة من قانون الرياضة رقم 71 لسنة 2017م).
وغنى عن البيان أن هذه الرقابة لا تشكل ولا تعد نوعاً من التدخّل الحكومى فى النشاط الرياضى، المحظور طبقاً للوائح الاتحاد الدولى لكرة القدم (الفيفا).
ومن ثم لا يجوز لإدارات الأندية أو غيرها من الكيانات والهيئات الرياضية التذرع بهذه اللوائح للزعم بعدم جواز مراقبة إجراءاتها وتصرفاتها المالية.
وأول ما ينبغى الإشارة إليه فى هذا الصدد هو الأخبار التى تداولتها وسائل الإعلام بشأن إحالة اللاعب المعتزل مجدى عبدالغنى إلى النيابة العامة للتحقيق فى المخالفات المنسوبة إليه بصفته رئيساً لجمعية اللاعبين المحترفين.
وكان لافتاً فى هذا الشأن أن يخرج مساعد وزيرة التضامن لشئون العمل الأهلى على شاشة أحد البرامج، معدّداً المخالفات المالية المنسوبة إلى الجمعية ورئيس مجلس إدارتها، مؤكداً أن الجمعية تخضع لمتابعة وزارة التضامن الاجتماعى. وجدير بالذكر فى هذا الصدد أن الجمعية المصرية للاعبى كرة القدم المحترفين، هى إحدى الجمعيات الأهلية المسجّلة بوزارة التضامن الاجتماعى، وهى معنية بأحوال اللاعبين المحترفين داخل جمهورية مصر العربية.
ولعل مما يلفت النظر فى هذا الشأن هو توقيت صدور هذه الأخبار إلى الإعلام، والذى يأتى بعد بضعة أيام فقط على صدور بيان الاتحاد الدولى للاعبى كرة القدم المحترفين (FIFPRO) بشأن قضية اللاعب عبدالله السعيد مع النادى الأهلى، وما حمله البيان من انتقاد شديد لسلوك النادى الأهلى فى هذه القضية، الأمر الذى عزاه البعض إلى تدخل الكابتن مجدى عبدالغنى من خلال علاقته كرئيس لجمعية لاعبى كرة القدم المحترفين المصرية بالاتحاد الدولى للاعبى كرة القدم المحترفين.
وإذا كان مساعد وزيرة التضامن قد برّر ضمنياً صدور تقرير المخالفات، موضحاً أن الوزارة تلقت شكوى من أحد أعضاء الجمعية بشأن طعنه على بعض التوقيعات الخاصة بأعمال الجمعية، فى شهر مايو الماضى، وبدورها وجّهت وزيرة التضامن بتشكيل لجنة لفحص أعمال الجمعية، وبالفعل تم الفحص والوقوف على بعض المخالفات التى تخص الجمعية، وتقرّر تحويل المخالفات للنيابة العامة، إلا أن توقيت صدور التقرير وتزامنه مع صدور بيان الاتحاد الدولى للاعبى كرة القدم المحترفين يثير الشكوك والتساؤلات.
ولذلك كنا نتمنى على الأقل عدم الإعلان عن المخالفات فى وسائل الإعلام، احتراماً لقرينة البراءة، وأن المتهم برىء حتى تثبت إدانته، واحتراماً كذلك لمبدأ سرية التحقيقات الجنائية.
كذلك يثور التساؤل عما إذا كانت المخالفات المنسوبة إلى الجمعية قديمة أم جديدة، وإذا كانت قديمة، لماذا تأخرت الوزارة المعنية فى رصدها وإحالتها إلى النيابة العامة، ولماذا تنتظر وزارة التضامن ورود شكوى إليها من أحد أعضاء الجمعية لتشكيل لجنة لرصد المخالفات، ولماذا لا تكون هناك آلية دورية ومستمرة لمراقبة الهيئات الرياضية مالياً.
ومن ناحية ثانية، وفى الأسبوع ذاته، وبمناسبة إقامة مباراة كأس السوبر المصرى السعودى على كأس لوسيل، التى أقيمت فى الدوحة بين ناديى الزمالك المصرى والهلال السعودى، قال البعض إن رئيس نادى الزمالك أرسل خطاباً إلى الجهة المنظمة للمباراة، طالباً تحويل قيمة المكافأة المرصودة لنادى الزمالك نظير لعب المباراة، ومقدارها مليون دولار، على حساب شخصى، وليس على الحساب الرسمى لنادى الزمالك، تجنّباً للحجز على هذه الأموال لصالح ممدوح عباس، رئيس النادى السابق.
وفى الإطار ذاته، ادّعى البعض أن النادى الأهلى سوف يقوم بدفع الغرامة المقرّرة بواسطة محكمة التحكيم الرياضى الدولى (كاس) ضد كهربا على الحساب الرسمى لنادى الزمالك، حتى يتم الحجز عليه لصالح رئيس النادى السابق، ونكاية فى الرئيس الحالى لنادى الزمالك.
وبغضّ النظر عن نوايا وأهداف النادى الأهلى فى هذا الشأن، ودون الحاجة إلى الخوض فى هذه النوايا، فإن هذا ما يجب أن يكون، احتراماً للنظم واللوائح المالية والإدارية، وبحيث تتم كل عمليات الإيداع والصرف من خلال الحساب الرسمى للنادى، وليس من خلال حسابات شخصية لأى شخص، ولو كان هذا الشخص هو رئيس النادى نفسه.
ومن ناحية ثالثة، فإن قضية القروض التى دفعها رجل الأعمال ممدوح عباس لنادى الزمالك، أثناء فترة رئاسته للنادى، تثير الكثير من التساؤلات، وتفتح الباب واسعاً للمقارنة بين سلوك ممدوح عباس فى هذا الشأن، وسلوك المهندس محمود طاهر أثناء رئاسته للنادى الأهلى، وسلوك المهندس حسن أبوالفتوح أثناء رئاسته لنادى الزمالك.
فلا يخفى على أحد أن رجال الأعمال يستفيدون معنوياً من خلال رئاستهم للأندية الشعبية، وتبرعاتهم المالية لهذه الأندية هى التى تقف وراء انتخاب الجمعيات العمومية لهم على رأس مجالس إدارة هذه الأندية.
ومن ثم لا أستسيغ شخصياً أن يقوم أحد رجال الأعمال بمطالبة النادى الذى كان يرأسه بقروض دفعها للنادى خلال فترة رئاسته له. وكذلك أرى من الضرورى التحقيق فى ظروف وآلية منح هذه القروض، ومراجعة تعهدات رئيس النادى الذى قدّم هذه القروض أثناء الحملة الانتخابية التى قادته إلى رئاسة مجلس الإدارة، وما إذا كان قد صدر منه تعهد أو وعد بتوفير الدعم المالى اللازم لفِرق النادى من خلال تبرعاته الشخصية.
إن المقارنة تفرض نفسها فى هذا الشأن بين سلوك ممدوح عباس، وسلوك المهندس محمود طاهر، الذى تحمل من ماله الخاص راتب الكابتن حسام البدرى طوال فترة تدريبه للنادى، كما دفع مبالغ طائلة لهذا النادى، ولم يطالب بها، أو يعتبرها قرضاً على ناديه، كما فعل ممدوح عباس. ولا يفوتنا أيضاً أن ندعو بالرحمة والمغفرة للمهندس حسن أبوالفتوح الذى كانت له تبرعات كبيرة لنادى الزمالك خلال فترة توليه رئاسة مجلس الإدارة.
وإذا كان ما قدمه ممدوح عباس من دعم مادى مباشر للنادى، عبر سنوات، تتجاوز قيمته أضعاف المبالغ المحجوز بها ولم يسبق له الإعلان عنها أو المطالبة بها بعدما قدمها عن طيب خاطر، وفاءً لحق النادى الذى لم يكن له فيه مطمع شخصى ولا مأرب ولجماهيره الوفية التى لا مثيل لها، لا منّة فيها ولا فضل، فلماذا يصر على المطالبة بهذا المبلغ، رغم أنه سبق أن قدم أضعاف المبلغ المحجوز عليه؟! لا أعتقد أن هذه الممارسة يمكن أن نجد لها مثيلاً فى الدوريات الأوروبية المتقدمة.