حكاية «كرانيس» بالفيوم.. مدينة أثرية تشهد على الحضارات القديمة

كتب: أسماء أبو السعود

حكاية «كرانيس» بالفيوم.. مدينة أثرية تشهد على الحضارات القديمة

حكاية «كرانيس» بالفيوم.. مدينة أثرية تشهد على الحضارات القديمة

أطلال مدينة أثرية كاملة، يتوسطها شارع ملكي، تضم حيًا قائمًا بذاته يحوي مخبز ومطحن ومخزن للغلال، بالإضافة إلى حمامين من العصر الروماني، ومعبدين أحدهما في الشمال والآخر في الجنوب، وجبانة، بالإضافة إلى معاصر عنب، ومطاحن غلال، ذلك المشهد الذي يوحي إليك بأنك ركبت آلة الزمن إلى العصر اليوناني الروماني حيث مدينة كرانيس الأثرية بمحافظة الفيوم.

تلك المدينة الأثرية التي أنشأها بطليموس الثاني، في القرن الأول الميلادي، على حافة إقليم الفيوم الذي كان يتميز بأرضه شديدة الخصوبة، حيث كانت تشتهر بزراعة مختلف أنواع الفاكهة، والقمح، والزيتون، والبلح، والشعير.

موقع مدينة كرانيس الأثرية

بُنيت مدينة كرانيس الأثرية اليونانية الرومانية، على مساحة 800 متر مربع، بمنطقة كوم أوشيم، وتبعد أمتار قليلة من الكيلو 70 على طريق القاهرة/ الفيوم الصحراوي، حيث أنشأها بطليموس الأول لتصبح مستعمرة زراعية ومنازل يتم منح منزل وقطعة أرض في صورة مكافأة لمن انتهت خدمته، كما أنّها اشتهرت باحتضانها معبد مهم تم تأسيسه في العصر الأول الميلادي وتم تخصيصه لعبادة الإله «سوبك» معبود الفيوم آنذاك، وهو «التمساح».

اكتشاف مدينة كرانيس الأثرية

وقال سيد الشورة مدير عام آثار الفيوم، في تصريحات خاصة لـ«الوطن»، أنّ مدينة كرانيس في كوم أوشيم، ظلت مجهولة حتى اكتشفها العالم الأثري هانت خلال أول أعمال حفائر بتلك المنطقة، ثم توالت عليها أعمال الحفائر، حيث زارتها بعثة من جامعة متشجن الأمريكية وأجرت حفائر بها من عام 1914 ولمدة 21 سنة حيث انتهت عام 1935.

وعقب ذلك زارتها بعثة من كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1968 وقامت بالعديد من أعمال الحفر والتنقيب في المدينة الأثرية القديمة، وعثرت على الكثير من الآثار المميزة.

طواحين ومخازن لحفظ الغلال

وأوضح مدير عام آثار الفيوم في تصريحات خاصة لـ«الوطن»، أنّ أكثر ما يميز مدينة كرانيس الأثرية هو احتضانها حي كامل يقع في شمال غرب وجنوب شرق طرف المدينة، والذي كان يضم مخزن ضخم لحفظ الغلال، بالإضافة إلى مخبز لصناعة الخبز، ومطحن لطحن القمح، لافتاً إلى احتواء المدينة أيضاً على حمامين من العصر الروماني، وطواحين غلال، ومعاصر عنب.

معابد أثرية وحمامات رومانية

وأضاف أنّ مدينة كرانيس الأثرية تضم أطلال العديد من المنازل، ومعبدين، وحمامين من العصر الروماني، كاشفاً أنّهم استخدموا الحجر في بناء أساسات بعض المنازل، والطوب اللبن للبناء، بالإضافة إلى أنّها تتميز بانفرادها واستقلالها عن غيرها.

وتختلف تلك المنازل عن العصر الحالي، نظراً لأنّ كل منزل يستقل بذاته ولا يرتبط بجدران مشتركة مع المنزل المجاور له، بالإضافة إلى أنّها تتكون من طابق واحد فقط، وزينت جدرانها برسومات محفورة لعناقيد العنب وأوراقها، كما استخدمت جزوع أشجار النخل والجميز في تسقيف المنازل، وعمل الأبواب، والشبابيك، وخزانات الملابس، وتقوية جوانب المنزل، ما جعلها أكثر متانة.

الكثير من الآثار المتنوعة

وأشار «الشورة»، إلى أنّ مدينة كرانيس الأثرية كانت تحوي العديد من التوابيت، والمنازل، وأحياء كاملة، وتماثيل للآلهة، وأواني فخارية، ومطاحن حجرية وخشبية، وجرار ضخمة استخدمت في حفظ الغلة، وتماثيل قيشاني زرقاء للإله المصري آنذاك «بس»، ورؤوس مغازل، وصحون فخارية، وقدور تحفظ بها المياه، وقطع أثرية برونزية، وقبور مزخرفة، وبعض الأدوات مثل آلات الثقب، ومخازر وإبر.

تحتضن كرانيس معبدين شهيرين

ولفت «الشورة» إلى أنّه عُثر في القرية على عدة معابد أشهرها معبد «بتسو خوس« و«بنيقروس» أو المعبد الجنوبي كما يطلق عليه، وكلاهما تم بنائه باستخدام الحجر الجيري في عهد الإمبراطور نيرون، كما عُثر أمام المعبد على بقايا حوض ضخم كان مخصصاً لوضع التماثيل، وبداخله حجرات ومقصورة يوضع عليها الإله "سوبك"، وحضانة داخل الحائط لحفظ الإله بعد إنهاء مراسم العبادة.

جبانة أعلى تل مرتفع

ووفقاً لـ«الشورة» فقد تم العثور على معبد في الجهة الشمالية لمدينة كرانيس الأثرية، وخصص لعبادة لمعبود الإقليم «سوخوس»، والذي بني بالحجر الجيري أيضاً على غرار المعبد الجنوبي، مُشيراً إلى أنّ المدينة أيضاً تحتضن جبانة على بُعد 2 كيلو متر شمال منطقة «أم الأثل» الأثرية على أحد التلال المرتفعة، وتنقسم المقابر بها إلى قسمين، جزء منها دائري الشكل منحوت بين الصخور، وآخر مبني بالطوب اللبن.

انتعاش صناعة الفخار بكرانيس

مدينة كرانيس الأثرية كانت تهتم كثيراً بصناعة الفخار، حيث عثر بداخلها على أفران حرق الفخار، وأعداد ضخمة من الأطباق والقلل والأواني الفخارية بمختلف الأحجام والأشكال، والتي تم تصنيعها خلال العصر اليوناني الروماني، كما أنّها كانت جزء لا يتجزأ من المنزل في ذلك العصر، وفقاً لـ«الشورة».

ظلت مزدهرة لـ 4 عصور

وذكر الشورة أنّ مدينة كرانيس كانت شديدة الازدهار، منذ نشأتها في العصر اليوناني، مروراً بالعصور الرومانية والمسيحية والإسلامية، وما دل على ذلك هو اكتشاف بعثة هيئة الآثار مطلع عام 1990، من آثار إسلامية تتمثل في حصان مزين بالنقوش الإسلامية، وميدالية زرقاء اللون مصنوعة من الزجاج ولا تزال تحتفظ بألوانها الزاهية حتى الآن، حيث رُسم عليها هلال يتوسط النجوم.

مصابيح برونزية ومقابر سطحية

وختم قائلاً أنّه من بين أكثر الأشياء المميزة التي عُر عليها في مدينة كرانيس الأثرية، هي مجموعة من المصابيح البرونزية التي كانت تزين المنازل والمعابد، بالإضافة إلى 100 مقبرة سطحية يعود تاريخها إلى العصرين الروماني والقبطي.


مواضيع متعلقة