ثلاثة مشاهد قبل توقيع الاتفاق النووي الإيراني
أعلنت طهران مؤخراً أنها قامت بتقديم «رد خطى» على النص الأوروبى لإحياء الاتفاق النووى، تضمّن مجموعة «مقترحات نهائية» من قبَلها. أما واشنطن فقد سلمت الأوروبيين ردّها نهاية الأسبوع الماضى، بعدما خرج أكثر من تأكيد أمريكى بأن إيران قدمت «تنازلات جوهرية» خلال الجولة الأخيرة للمباحثات.
هذا يؤشر للمرة الأولى ربما أن ملامح جدية قد تُنهى شهوراً طويلة تفاوض خلالها دبلوماسيون من إيران والولايات المتحدة، وخمس دول أخرى هى فرنسا وبريطانيا والصين وروسيا وألمانيا فى العاصمة فيينا، بشأن صفقة إعادة القيود على «برنامج إيران النووى»، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية التى أعاد فرضها الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، بعد انسحاب بلاده من الاتفاق فى مايو 2018. مع هذا الاقتراب الذى يتحدث عنه الطرفان، هناك ثلاثة من المشاهد الدالة، التى ربما يكمل التأمل فيها وقراءتها بقية جوانب المشهد الكلى المنتظر.
(المشهد الأول)
أعلن الأحد موقع «نور نيوز»، المقرب من مجلس الأمن القومى الإيرانى، أن مراجعة الرد الأمريكى على مقترحات طهران حول مسودة إحياء الاتفاق النووى ستستغرق أسبوعاً على الأقل. فيما ذكر «ناصر كنعانى»، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، أنه لا يستطيع الإعلان عن موعد محدد للرد الإيرانى، فالمراجعة التفصيلية لردود أمريكا على محاور المقترحات الإيرانية فيما يتعلق بأفكار منسق الاتحاد الأوروبى ما زالت مستمرة على مستوى الخبراء، وستستمر هذه العملية على الأقل حتى نهاية الأسبوع الجارى. فى نفس اليوم وفى معرض رده على سؤال حول موعد الرد الإيرانى على الولايات المتحدة، قال كنعانى لوكالة أنباء «إرنا» الإيرانية الرسمية: «سوف نرد على مقترحات الولايات المتحدة بعد الانتهاء من دراستها، ولا نستطيع إعلان وقت محدد للرد عليها»، كما أضاف أن القضايا المتبقية حول عملية المفاوضات ليست كثيرة، ومعظمها يتعلق بالاتفاق النووى، وتم حلها بين الطرفين، لكنها جوهرية ومصيرية.
صحيفة «كيهان» التى يشرف عليها ممثل على خامنئى طالبت فريق التفاوض النووى فى افتتاحية حديثة لها بـ«وقف المفاوضات»، لأن الاتفاق النووى الجديد لن يؤدى إلى رفع العقوبات، ففى السيناريو «الأكثر تفاؤلاً» سيتم تعليق العقوبات بذريعة، وتطبيقها بذريعة أخرى. ووصفت التفاوض على إلغاء العقوبات بأنه «فخ»، وطالبت الحكومة بـ«ترك هذا الفخ» وقضاء وقتها فيما هو أهم، متمثلاً فى «تحييد» العقوبات. وقدمت مقترحاً خلال نفس الافتتاحية بتأجيل الاتفاق المحتمل شهرين، معتبرة أنه خلال هذا الوقت سيتغير الوضع بشكل كبير، خاصة أن الولايات المتحدة لم تقبل حتى الآن قضايا مهمة تتعلق بمطالب إيران.
(المشهد الثانى)
أعلنت دولة الكويت منتصف الشهر الجارى، عودة سفيرها الجديد لدى طهران «بدر عبدالله المنيخ»، لتلحق بالخطوة الإماراتية المشابهة بعودة سفيرها «سيف محمد الزعابى» إلى طهران. وزارة الخارجية الإماراتية، فى بيان لها، أكدت أنه فى إطار حرص الإمارات على علاقاتها مع إيران، وتنفيذاً لقرارها السابق برفع مستوى التمثيل الدبلوماسى إلى درجة سفير، تعلن الوزارة عودة سفير دولة الإمارات إلى إيران خلال الأيام القادمة. ووفق البيان الرسمى سيعود السفير الزعابى لممارسة مهامه الدبلوماسية فى سفارة بلاده فى طهران، للمساهمة فى دفع العلاقات الثنائية إلى الأمام بالتنسيق والتعاون مع المسئولين فى الجمهورية الإسلامية الإيرانية بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين والمنطقة. المستشار الدبلوماسى لرئيس دولة الإمارات الدكتور أنور قرقاش، غرّد قائلاً: قرار القيادة الرشيدة بعودة سفير الدولة إلى طهران يأتى ضمن توجه دولة الإمارات الإقليمى نحو ترميم الجسور وتعزيز العلاقات وتعظيم المشترك والبناء عليه لخلق مناخ من الثقة والتفاهم والتعاون، قناعتنا راسخة بضرورة العمل والتنسيق العربى والإقليمى من أجل منطقة مستقرة ومستقبل مزدهر. هذه الخطوات الخليجية باتجاه إيران يتمحور غالبية حديث النخبة فى قراءتهم لها حول توقيت عودة العلاقات مع إيران، كونه مؤشراً على تحولات عدة حدثت أخيراً فى المنطقة، معظمها له ارتباط بانتقال أدوات التنافس بين دول المنطقة، من المفهوم الجيوسياسى القديم إلى مفهوم جيواقتصادى حديث يتجاوب مع المشهد الإقليمى والعالمى المستجد.
(المشهد الثالث)
قبل أيام قليلة استهدفت طائرات إسرائيلية مستودعاً قرب مركز الدراسات والبحوث العلمية (جمرايا) فى منطقة «مصياف» غرب سوريا، تقع تحديداً بين مدينة طرطوس الساحلية ومدينة حماة بوسط البلاد، وقد تعرّض المركز والمنطقة المحيطة لأضرار نيران شديدة نتيجة الانفجارات.
شبكة «أورورا انتل» تقدم الأخبار وتحديثات لصور جوية دقيقة بناء على معلومات استخبارية مفتوحة المصدر، أشارت إلى أن التحليل الأوّلى لصور الأقمار الصناعية أظهر أن بعض المبانى والمناطق تعرضت لأضرار جسيمة.
المعلومات الموجودة لدى الجانب الإسرائيلى أفادت بأنها دمرت مستودعاً لتجميع صواريخ (أرض - أرض) مُصنّعة بإشراف خبراء الحرس الثورى الإيرانى فى مصياف بريف حماة، بالإضافة إلى صواريخ إيرانية جرى نقلها إلى هذا الموقع خلال الأشهر الماضية، وأن الصواريخ المنفجرة جرى تجميعها على مدار أكثر من عام، ويقدَّر عددها بأكثر من ألف صاروخ، مما جعل الانفجارات التى تابعها شهود العيان تستمر لنحو ست ساعات كاملة.
على نحو مقابل أعلنت القوات الروسية المتمركزة فى سوريا بأن معلوماتها الاستخباراتية أفادت بأن هجوماً نفذته (4 طائرات) إسرائيلية، أطلقت فيه ما مجموعه أربعة صواريخ كروز و16 قنبلة موجهة ضد المركز المذكور فى مدينة مصياف.
هذا الموقع ارتبط فى كثير من التقارير الغربية سابقاً بقيام المركز بإنتاج صواريخ (أرض - أرض) دقيقة، بما فى ذلك عملية صب المحركات الصاروخية الصلبة، وكذلك الأسلحة الكيميائية. كما أشاعات الولايات المتحدة قبل سنوات أنه تم تطوير غاز السارين فى ذلك المركز وهى تهمة نفتها حينها السلطات السورية.
ولذلك ظل هذا المركز محل استهداف مراراً وتكراراً فى السنوات الأخيرة، فى هجمات نُسبت على نطاق واسع إلى إسرائيل. ما أشارت له الصور الحديثة للأقمار الصناعية أن الهجوم هذه المرة أصاب تسعة مبانٍ على الأقل بضرر شديد، بناء على مقارنة الصور الجوية قبل الهجوم بصور جديدة جرى التقاطها للموقع بعدها بأيام.