المشروعات القومية.. المفترَى عليها
ظاهرة إهالة التراب على كل شىء بمجرد مواجهة أزمة، أصبحت آفة لدى بعض النخبة المصرية، فالأزمات يجب أن تواجَه على قدر حجمها، وبالمنطق والعقل، وليس بالعويل والتعميم والهدم.. هذا بالضبط ما حدث مع المشروعات القومية المفترَى عليها. ما إن هبّت الأزمة الاقتصادية العالمية التى اجتاحت معظم دول العالم، ومنها مصر، نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية ومن قبلها أزمة كورونا، حتى هاج البعض على المشروعات القومية التى تمت بتخطيط وجهد شاق ومبالغ طائلة، وكأنها هى سبب الأزمة، وقرأنا وسمعنا تنظيرات غريبة تتهم المشروعات القومية أنها سبب الأزمة، ثم يمتد الهجوم إلى مؤسسات وأجهزة الدولة ويصل بالطبع إلى الرئيس «السيسى».. ونسى من يمارسون هذه الهواية، سواء عن جهل أو غرض، أن هذه المشروعات حققت أهدافاً عديدة خلال السنوات الماضية؛ أهمها وأولها تشغيل عدد كبير من المصريين، مما أدى إلى تراجع معدل البطالة الذى كان قد زاد بشكل كبير بعد ثورة يناير بسبب توقف الحياة الاقتصادية وعجلة التنمية بالإضافة إلى عودة العمالة المصرية من ليبيا وبعض دول الخليج. ولو لم تمتص المشروعات القومية الأيدى العاملة لتحول كل هؤلاء إلى قنابل موقوتة ضد الاستقرار.
الهدف الثانى أن المشروعات القومية والتى تركز معظمها فى البنية الأساسية (كهرباء - طرق - طاقة - نقل - زراعة - موانئ - دواجن - أسماك - ألبان)، وغيرها، تمثل قاعدة أساسية لجذب الاستثمارات، فلن يأتى لك مستثمر وشوارع القاهرة كانت عبارة عن جراج كبير لا يتحرك فيه أحد، والكهرباء منقطعة فى أوقات كثيرة، والموانئ متهالكة، وقناة السويس مجرى واحد ضيق، والوادى الضيق كما هو دون مدن جديدة.. وإذا كانت الاستثمارات لم تأتِ بالقدر المأمول فإن لذلك أسباباً أخرى يجب بحثها بعيداً عن أهمية المشروعات القومية.. ولا يجب نسيان أن مصر حققت نسبة من الاكتفاء الذاتى فى بعض السلع نتيجة أن هذه المشروعات قد أدت إلى توفير عملة صعبة.
الهدف الثالث تحسين معيشة المصريين بعد أن زادت طموحاتهم بعد ثورتين، وخاصة فى مجال الخدمات، ويجب أن نتذكر مشروع تحسين معيشة سكان الأماكن الخطرة والعشوائيات.. هل كان من الممكن تأجيله وترك هؤلاء الغلابة تحت رحمة الخطر وسوء المعيشة سنوات أخرى، أم إنقاذهم وتحويلهم إلى طاقة فاعلة للمجتمع لا عبئاً عليه، كما فعل الرئيس «السيسى»، وكذلك مشروع القضاء على فيروس «سى» الذى كان ينهش فى صحة المصريين ومشروع «100 مليون صحة» وتطوير الخدمات المصرية بالتكنولوجيا.. هل كان فى استطاعة المواطن المصرى الانتظار سنوات أخرى ليعيش حياة كريمة حتى يرضى بعض من النخبة المصرية.. ولعلهم يرضون.
هذا بالإضافة إلى عملية تحريك السوق والرواج الذى حدث خلال سنوات المشروعات القومية بعد فترة من الركود والتراجع، مما كان له أكبر الأثر نفسياً واجتماعياً واقتصادياً خلال السنوات الماضية.
من حق الجميع أن يتحدث عن أولويات المشروعات القومية، مع مراعاة أن كلاً منا يراها بوجهة نظره، لكن الحكومة تنظر إليها كحزمة متكاملة ومتداخلة تكمّل بعضها البعض، وبالتالى قد تكون هناك وجهة نظر حول تأجيل مشروع أو آخر لفترة محددة لحين إنهاء الأزمة الاقتصادية، التى للأسف ترتبط بحرب لا أحد فى العالم يعرف ميعاد نهايتها ولا يقدّر حجمها أحد، لكن أن يوجه البعض سهامه إلى المشروعات القومية وكأنها كارثة، فهو أمر غير مفهوم لأن هذه المشروعات العملاقة مثّلت إضافة حقيقية للبلد وللمواطن وغيّرت من شكل الدولة وتفاعلت مع طموح المصريين وخدماتهم، وبالتالى لا يجب إهالة التراب عليها، بل نقيّمها بشكل علمى وليس عن هوى.