المشروع القومى للمصانع المغلقة!
كتبت كثيراً فى موضوع المصانع المتوقفة والمتعثّرة وسوف أستمر فى الكتابة عنه، لأننى مؤمن بأن الصناعة هى أساس التنمية والرفاهية، وتجارب الدول المتقدمة تؤكد ذلك، حتى التى تفتقر للموارد الطبيعية ولكنها بالصناعة أصبحت نموراً اقتصادية.
ومن حسن الطالع أن يأتى هذا المقال بعد ساعات قليلة من حلف اليمين للتعديل الوزارى، الذى شمل وزيراً جديداً للصناعة وآخر لقطاع الأعمال، واللذين تُعقد عليهما آمال كبيرة فى مرحلة صعبة.
مصر كانت لها تجارب ناجحة وكنا رواد المنطقة، بل من أوائل دول العالم التى أنشأت مصانع عملاقة فى كل المجالات، لكن صناعتنا الوطنية تعرّضت لمؤامرة خارجية نفّذتها أيادٍ داخلية أدّت إلى تدميرها، وتحولنا من بلد منتج من الإبرة للصاروخ إلى بلد مستهلك يستورد معظم احتياجاته وغذائه، حتى الطرشى والمخلل.
الأسبوع الماضى كتبت عن ضرورة دعم مستلزمات الإنتاج ورفع جميع الأعباء عنها، لدرجة أننى تمنيت توفيرها بالمجان لمدة عام فقط حتى نعبر الأزمة الاقتصادية الحالية بسلام، من وجهة نظرى المتواضعة أننا لو فى حاجة إلى إطلاق مشروع قومى جديد يكون إعادة تشغيل المصانع المتوقفة والمتعثّرة مع رفع كفاءة المصانع القديمة التى لا تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية.
لا توجد مشكلة ليس لها حل، بل كل مشكلة لها ألف حل، ولكن لدينا عقول أحياناً تضع أمام الحل ألف مشكلة.
منذ نحو سبع سنوات وضعت لجنة من نقابة المستثمرين الصناعيين استراتيجية لحل أزمة المصانع المتوقفة والمتعثرة، وكانت تحتاج إلى قرار، يُعيد الحياة لآلاف المصانع تسهم فى حل كل مشكلاتنا فى الإنتاج والتوظيف والأسعار والاحتياطى النقدى والناتج القومى. وقامت اللجنة بتشخيص المشكلة إلى مصانع توقفت تماماً وعددها نحو 4 آلاف مصنع، وهناك أضعافها مصانع متعثرة، وفى طريقها إلى التوقف، ومصانع أخرى أنشئت ولم تبدأ الإنتاج وكل هذا بسبب أزمات إدارية أو مالية أو فى التصنيع ومواد خام، وتحتاج إلى تحرك سريع من الدولة.
اللجنة بحثت حالة كل مصنع على حدة وقامت بتشخيص المشكلات، معظمها مالية مع البنوك بنسبة لا تقل عن 80% ووضعت الحلول، وتتمثل فى كلمة واحدة وهى «الرسملة»، أى دخول البنوك شريكاً بقيمة أموالها فى رأسمال المصنع المتعثر أو المتوقف، وهذا أفضل من بيعه خردة بملاليم، وهذا يحقّق فائدة كبيرة للبلد بتشغيل طاقة إنتاجية هائلة كانت معطلة بمئات المليارات من الدولارات، أيضاً يُحقّق فائدة لأصحابها والبنوك، حيث تضمن الحصول على أموالها.
اللجنة انتهت من بحث المشكلة ووضع الحلول، ثم أرسلت تقريرها إلى المهندس إبراهيم محلب، حينما كان رئيساً لمجلس الوزراء، لو كان اتخذ فيها قراراً مؤكداً لكنا الآن فى مأمن من الأزمات العالمية، ومع ذلك ما زال الأمل موجوداً بإسقاط فوائد قروض المصانع المتوقفة ومنحها قروضاً جديدة دون فائدة لإعادة تشغيل وتأهيل وتجديد خطوط إنتاجها مع دخول البنوك شريكاً بأموالها أو تحصل مستحقاتها من عائدات الإنتاج، إن تكلفة تشغيل المصانع المتوقفة أسرع وأقل بكثير من إنشاء مصانع جديدة. والبنوك مكدسة بالأموال لا تستفيد منها الدولة، بل أصبحت عبئاً، لأنها تذهب إلى سلع استهلاكية أو تجمد فى عقارات، اشتكى لى أحد رجال الصناعة والتصدير من عدم دعم البنوك كبار المنتجين بالفائدة الميسرة رغم أن لدينا بنوكاً المفترض أنها تنموية وأنشئت لهذا الغرض.
ختاماً حينما أقرأ أخبار التهافت على شراء عقارات الساحل الشمالى بمليارات الجنيهات وكذلك عودة وانتشار ظاهرة توظيف الأموال (المستريح) أحزن كثيراً، لأن هذا معناه انسداد الأفق أمام المواطنين فى إقامة مشروعات إنتاجية صغيرة كانت أو كبيرة أو متوسطة. نحن فى مرحلة استثنائية تحتاج إلى حلول وأفكار استثنائية جريئة خارج الصندوق والأهم أنها تحتاج إلى عقول إنتاجية إبداعية وطنية مخلصة صاحبة قرار واللهم احفظ مصر وشعبها العظيم..