عضو «خبراء الدستور»: أحذر من التلاعب فى «الفترة الرئاسية»

عضو «خبراء الدستور»: أحذر من التلاعب فى «الفترة الرئاسية»
قال دكتور فتحى فكرى، أستاذ القانون الدستورى بجامعة القاهرة، عضو لجنة خبراء وضع الدستور، إنه يختلف كثيراً مع أداء لجنة الخمسين، لأنها لم تلتزم بما قدمته لجنة الخبراء من مسودة للدستور، خاصة فيما يتعلق بالمادة ١٥٦ ومادة محاكمة الرئيس والوزراء. وأضاف فى حواره لـ«الوطن» أن هناك العديد من القوانين التى بها شبهة عدم دستورية، مثل قانون التظاهر والضريبة العقارية والقانون المنظم لعمل الهيئة العربية للتصنيع، لكنه أقر بدستورية محاكمة المدنيين عسكرياً وفق قانون حماية المنشآت، وقرار إخلاء الشريط الحدودى برفح، محذراً من التلاعب بمواد الدستور فيما بعد، خاصة فيما يتعلق بالتداول السلمى للسلطة..
■ فى البداية ما أهم القوانين التى ينبغى لمجلس النواب القادم أن يقرها فى دور انعقاده الأول؟
- هناك نصوص دستورية ألزمت البرلمان بأن يصدر بشأنها قوانين فى دور انعقاده الأول، مثل بناء وترميم الكنائس، وملف العدالة الانتقالية، الذى ينبغى أن يحقق عدة متطلبات، أولها كشف الحقيقة، وألا يقتصر دوره على الأحداث التى عاصرت الثورة بل يشمل كل من يدعى على ثورة يناير أنها مؤامرة، لأنها كانت إرادة شعبية تم استغلالها من بعض القوى والأحزاب، وجاءت نتيجة استبداد وظلم وإهدار لأحكام القضاء حتى لم يعد الشعب فى مقدوره أن يصمت على هذه الأوضاع فثار ثورته فى 25 يناير، أما القانون الثالث الذى له أهمية بالغة فيتمثل فى إصدار اللائحة الداخلية للبرلمان بقانون فهذه طفرة ديمقراطية لا توجد فى أى دستور مصرى، حيث إن اللائحة هى دليل عمل البرلمان، واللائحة القديمة كانت تتضمن العديد من المخالفات الدستورية ولم يكن من الممكن إخضاعها للرقابة القضائية، لأنها ليست لائحة إدارية وبالتالى تعين إعادة صياغتها، خصوصاً أن الكثير من القواعد التى كانت تحتويها ليس لها أى مبرر للاستمرار، لأنها كانت تفيض بالمخالفات، فعلى سبيل المثال أجازت رفع الحصانة بصورة جزئية عن النائب بالمخالفة لنصوص الدستور، والمفترض أن يأذن البرلمان بسماع أقوال النائب فقط، بما يعنى أن المحقق لا يستطيع أن يوجه له استجواباً وبالتالى عليه إذا أراد أن يحبسه احتياطياً أن يلجأ للبرلمان مرة أخرى، مما يجعل الحصانة امتيازاً وليست ضمانة لأداء العضو لمهامه.[FirstQuote]
■ وهل هناك قوانين أخرى تنتظر البرلمان القادم؟
- فرض دستور 2014 مؤسسات جديدة، مثل المجلس الوطنى للإعلام وإنشاء مفوضية لمكافحة التمييز بكافة أنواعه، ومن المفترض أن ينتهى النواب من مناقشة هذه القوانين فى دور الانعقاد الأول.
■ وما الإطار العام لعمل مفوضية مكافحة التمييز؟
- تلقى الشكاوى من أصحاب الشأن وإرسالها للجهات المعنية، ويمكنها أن تدعم صاحب الشأن مادياً ومعنوياً حتى يتم القضاء على كافة أشكال التمييز الذى كان موجوداً قبل ثورة يناير.
■ وهل هناك مخرج قانونى من هذه الأزمة؟
- أمام المدة القصيرة المعتمدة فى الدستور لا أمل إلا أن نعتبرها فترة تنظيمية، وبما أنها تنظيمية فينبغى على البرلمان أن يسرع فى إبداء رأيه فى تلك القوانين، لكنه ليس ملزماً بمدة الـ15 يوماً، شريطة الانتهاء من إبداء الرأى خلال دور الانعقاد الأول، ولا يؤجل ذلك لدور انعقاد آخر، لأن المراد من عرض القوانين على البرلمان أن يراقبها، فإذا ألزمنا المجلس بمراقبة كل هذه القوانين فى هذه المدة ستكون المراقبة شكلية، وهو ما يتعارض مع عمل البرلمان وما ننزه المشرع عنه، وكما قلت إن هذه ليست حالة وحيدة، وفى التاريخ الدستورى هناك نماذج أخرى لها، والبعض يتصور أن البرلمان سيعرض عليه كل القرارات بقوانين التى صدرت بعد ثورة 30 يونيو حتى الآن أو منذ حل مجلس الشورى وهذا غير صحيح، فالذى سيعرض هو القرارات بقوانين، أما غير ذلك فرئيس الدولة كان يتصرف بصفته سلطة تشريعية، وهذا هو التطبيق السليم للتقاليد الدستورية فى مصر، وهذه القوانين يمكن للبرلمان تعديلها أو إلغاؤها أو إبداء الرأى فيها، أما المادة ١٥٦ فتطبق على القوانين التى صدرت لاحقاً، وهذه القوانين هى التى تتقيد بالإجراءات الواردة فى تلك المادة.
■ وإذا كانت فترة تنظيمية فلم نصت المادة على عبارة «وإلا زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون»؟
- هذه الصياغة لم تأخذ فى اعتبارها المراحل التى تمر بها العملية، فتلك القرارات بقوانين تذهب بداية إلى اللجان المختصة ثم إلى اللجنة الدستورية والتشريعية لتعرض بعد ذلك فى جلسة عامة أو أكثر، فهل يعقل أن يتم ذلك فى 15 يوماً؟![SecondImage]
■ لكن ذلك يفتح الباب للطعن على صحة القوانين؟
- المحكمة الدستورية هى الجهة التى توضح المعانى والمصطلحات التى ترد بالدستور، وعليها أن تختار الاختيار الذى يحقق الهدف من وضع النص، ومن قواعد التفسير أن إعمال النص أفضل من إهماله، وحينما تفرض على البرلمان أن يناقش القوانين خلال 15 يوماً فأنت لا تجعل الرقابة منتجة وتهدر أهم وظيفة للبرلمان.
■ لكن إذا تمت مناقشة هذه القوانين فى دور الانعقاد الثانى هل تصبح مهددة بالبطلان؟
- نعم، لأنه من المفترض أن تكون هناك أولوية، لأن هذه الأمور شديدة التأثير على الحقوق والحريات، وبالتالى علينا أن نحدد ما إذا كانت هذه الحريات ثابتة أو تم تعديلها.
■ استشعرت من كلامك ما يشبه اللوم للجنة الخمسين لأنها لم تلتزم بما جاءت به لجنة الـ10 وما تضمه من نخبة من فقهاء القانون الدستورى.. هل هذا صحيح؟
- ليس لى الحق أن أوجه اللوم للجنة الخمسين، لأنها اللجنة التى كان لها حق الإقرار النهائى للنصوص، لكننى أستطيع أن أختلف معها وقد أكون على خطأ أو على صواب.
■ وهل هناك توصيات أخرى لم تلتزم بها لجنة الخمسين؟
- بالفعل فالدستور الحالى سمح باختيار رئيس البرلمان من بين الأعضاء المنتخبين أو المعينين، وكأننا نعيد الكرة مرة أخرى بجواز اختيار عضو معين لرئاسة البرلمان، وهذا فى تقديرى لا يتفق مع المنطق، فالعضو المعين يجب ألا يعتلى منصة البرلمان، لأنه لم يأت بإرادة شعبية، فالهدف من اختيار هذا العضو إما نقص فى الكفاءات الموجودة فى البرلمان أو تعويض نقص فى تمثيل بعض الفئات، واعتلاؤه منصة البرلمان وحياده يمنع المجلس من الاستفادة من العضوية المعينة، كذلك هناك مواد تحدثت عن محاكمة رئيس الجمهورية جنائياً لكن ماذا عن الجنح والمخالفات؟ فهناك جنح شديدة الخطورة والجسامة كجنح القتل الخطأ على سبيل المثال، هل يحاسب عليها الرئيس باعتبار أن الجناية تشمل كل الجرائم أم يقتصر الأمر على الجناية بمعناها الدقيق؟ فالنص هنا أعفى رئيس الجمهورية من المحاسبة فى الجنح والمخالفات، فضلاً عن مادة محاكمة الوزراء التى أغفلت الطبيعة السياسية لعمل الوزير، فالقوانين فى معظم دول العالم تفرض أن تكون محاكمة الوزير محاكمة خاصة وليست استثنائية، والفقرة الثانية الخاصة بمادة محاكمة الوزراء تقول فى حالة محاكمة الوزير بتهمة الخيانة العظمى تتبع ذات الإجراءات المقررة بالنسبة لرئيس الدولة فى التحقيق، والمادة هنا تحدثت عن التحقيق ولم تتحدث عن المحاكمة، وبالتالى أصبح هناك فصل ما بين مرحلتى التحقيق والمحاكمة.[SecondQuote]
■ هناك بعض القرارات بقوانين يرى البعض أن بها شبهة عدم دستورية لأنها لم تتوافر فيها حالة الضرورة وتتعارض مع حرية الرأى والتعبير.. فما هذه القوانين؟
- حالة الضرورة تعنى أنه لم يكن ممكناً انتظار البرلمان حتى ينعقد ويصدر القوانين، وقد أصدر رئيس الجمهورية المؤقت قراراً بقانون فى ظنى أنه غير دستورى، وهو قانون تنظيم العمل بالهيئة العربية للتصنيع، ولا أعتقد أنه كانت هناك ضرورة ملحة لإصدار هذا القانون بقرار رئاسى وكان من الممكن أن ينتظر انعقاد البرلمان.
■ وماذا عن عدم دستورية قانونى التظاهر ومحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى؟
- فيما يتعلق بقانون التظاهر فشبهة عدم الدستورية واضحة ولا تحتاج إلى جهد، فالدستور طلب الإخطار لممارسة حق التظاهر، والقانون طلب الترخيص، وهو ما يتعارض مع الدستور، مع العلم أن القانون سبق الدستور ولكن بمجرد صدور الدستور من المفترض أن يعدل ليتفق مع النص الدستورى الصريح فى هذا الشأن، أما فيما يتعلق بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية فالمادة 204 هى التى تحدثت عن القضاء العسكرى، لكن من المهم الإشارة إلى أن هناك ميراثاً قديماً من رفض إحالة المدنيين للقضاء العسكرى، ففى الماضى لم تكن هناك ضمانات، أما الآن فكافة الضمانات التى تتوافر أمام القضاء العادى تتوافر أمام القضاء العسكرى، سواء فيما يتعلق بالقضاء أو درجات التقاضى وحق الدفاع وما إلى ذلك، وليس معنى ذلك أننى مع إحالة المدنيين للقضاء العسكرى، لكن نريد أن نلفت النظر لما أحدثه الدستور فى هذا الشأن من تطور، لكن الأزمة تكمن فى أن هناك جرائم تم ارتكابها قبل صدور القانون فى أكتوبر الماضى وهنا من المهم الإشارة إلى أنه لا تجوز إحالة من ارتكب جريمة قبل أكتوبر الماضى للقضاء العسكرى، لأن القانون الجنائى لا يجوز أن يطبق بأثر رجعى طبقاً للدستور.
■ ما رأيك فى قانون الضريبة العقارية.. هل تتوافر فيه حالة الضرورة؟
- لا، فهذا القانون يتشابه مع قانون الهيئة العربية للتصنيع الذى ذكرناه من قبل، لكن فى المقابل قانون المعاشات مثلاً لم يكن يحتمل التأجيل، لأنه يحقق نوعاً من العدل الاجتماعى لفئات محرومة من مدخراتها، أما قانون الضريبة العقارية فطبقاً للمعطيات التى أمامى كان يمكن أن ينتظر البرلمان، والدليل كما قلنا تعطيله لسنوات فلم يكن يضير أحداً أن يطرح على البرلمان القادم حينما يجتمع، علماً بأن الشعب كان سيقبل الضريبة حين تفرض من المجلس النيابى، باعتبارها تفرض من ممثلى الشعب أكثر مما يتقبلونها عندما تصدر عن السلطة التنفيذية.[ThirdQuote]
■ الناس تطالب الرئيس السيسى بالإسراع فى الانتخابات البرلمانية، فهل الرئيس هو المنوط به إعلان هذا الموعد؟
- لا، اللجنة العليا للانتخابات هى المنوط بها تحديد موعد الانتخابات ومراحلها وإعلان ذلك، والرئيس حين يتحدث فى هذا الأمر فهو يرغب من خلال المعلومات المتوافرة لديه أن يؤكد للعالم أن الاستحقاق الثالث فى خارطة الطريق سيتم تنفيذه.
■ بعد براءة مبارك والعادلى ومعاونيه طالب البعض بمحاكمات ثورية استناداً لقانون إفساد الحياة السياسية الذى أصدره المجلس العسكرى وقانون حماية الثورة الذى أصدره الرئيس المعزول مرسى ولم يلغ حتى الآن هل تتفق مع هذا الرأى؟
- الدستور أعلى مرتبة من القوانين، وبالتالى لا يجوز محاكمة مبارك محاكمة ثورية، لأن الدستور لم يجز المحاكمات التى تخلو من الضمانات، وهذه المحاكمات تسمى محاكمات ثورية لأنها تجرى بلا ضمانات، وكان يمكن أن تعقد المحاكمات الثورية قبل وضع الدستور لكن بعد وضع الدستور تم إغلاق هذا الباب تماماً إلا فى حالة واحدة وهى تعديل الدستور وإجازته للمحاكمات الثورية.
■ وما رأيك فى قانون تنظيم الدوائر؟
- أرى أن سبب الجدل الدائر الآن حول هذا القانون يتلخص فى أن الأسس التى تم عليها تقسيم الدوائر غريبة، فكان من المهم أن ينص القانون على مساحة الدائرة وعدد سكانها وكم الأصوات التى يحصل عليها المرشح، لكن عندما لا تتوافر هذه المعلومات نصبح أمام أزمة حقيقية، وأطالب الجهات المعنية بإتاحة المعطيات التى بنى عليها هذا القانون حتى نستطيع أن نحكم.
■ فى رأيك هل يعتبر قرار إخلاء الشريط الحدودى برفح تهجيراً مخالفاً للدستور؟
- الدستور يمنع التهجير القسرى التعسفى، بمعنى الذى ليس له مبرر، ومن المؤكد أن هناك أناساً وافقت على التهجير وأخرى ترغب فى البقاء، ويجب أن يتوافر شرط آخر لكى يكون التهجير مخالفاً للدستور وهو أن يكون تعسفياً، أى لا يكون هدفه الصالح العام، لكن إذا كان هذا التهجير دفاعاً عن الوطن فلا يعد تعسفياً، وبالتالى لا يخالف الدستور.
■ تعتزم الرئاسة إصدار قانون يجرم الإهانة لثورتى 25 يناير و30 يونيو فما رأيك؟
- نريد أن نفتح باباً لحرية الرأى طالما أن ذلك لا يؤدى إلى ارتكاب جريمة، فإبداء الرأى ليس جريمة، ويجب أن نترك من يريد أن يقول ما يشاء فى الثورة، وسيفرض الرأى الغالب نفسه على الواقع العملى، خصوصاً عندما تتحقق أهداف الثورة، بعدها ستختفى كل هذه الآراء، بمعنى أنه إذا حققنا العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية سنقطع الطريق على من يهاجم الثورة، وهناك أمور أهم يجب أن ننشغل بها أهم من تجريم الإساءة لثورتى 25 يناير و30 يونيو، منها على سبيل المثال أن يطبق القانون على الجميع بغض النظر عن أى اعتبار، فما عانيناه فى السابق أن القانون كان يطبق على البعض دون البعض الآخر، فهنا تتأكد فكرة المواطنة وبالتالى تتعزز روح الانتماء، كما أتمنى أن نلتزم بنصوص الدستور خاصة فيما يتعلق بالتداول السلمى للسلطة، بمعنى ألا يتم تعديل الدستور أو حتى يوضع دستور جديد يجعل رئيس الدولة يستمر فى منصبه أكثر من المدة المقررة فالدستور يمنع هذا التعديل.
■ المستشار عدلى منصور كان رئيساً مؤقتاً ثم عاد لمنصبه كرئيس للمحكمة الدستورية هل يمكنه النظر فى دستورية ما أصدره من قوانين؟
- الرئيس السابق مجبر على عدم نظر أى قانون أصدره، ويجب أن يتنحى عن ذلك قبل أن يجبر على التنحى.