حين يشيخ ساسة الولايات المتحدة

أميرة خواسك

أميرة خواسك

كاتب صحفي

إذن دخل العالم فى مأزق جديد، وهو لم ينتهِ بعد من أزمة الحرب الروسية - الأوكرانية، ومن قبلها وباء كورونا ليضاف إليهما التصاعد الأمريكى - الصينى، ولا أعرف حقيقة إن كانت الولايات المتحدة تصعد من سخونة الوضع معتقدة أنها ستفرض قبضتها وتعيد ترتيب العالم مرة أخرى؟ أو أنها ستثأر من الصين العدو المنضبط الذكى، أم أن السياسة الأمريكية قد شاخت كما شاخ قادتها، حيث اقترب رئيسها من الثمانين، وتجاوزت رئيسة البرلمان الثمانين بعامين، وضعفت قدرتهما على الحكم.

المدهش فى الأمر أن الخطوة التى اتخذتها نانسى بيلوسى، الرئيسة الثانية والخمسون لمجلس النواب الأمريكى وأول سيدة تتولى هذا المنصب، الذى جعل منها ثالث أهم شخصية فى الولايات المتحدة الأمريكية -بزيارتها لتايوان- هى بكل المعايير خطوة استفزازية للصين بالفعل وتتسم بالاستعلاء، وهدفها التصعيد الواضح، تماماً مثلما كان التلويح بدخول أوكرانيا الاتحاد الأوروبى تهديداً واستفزازاً لروسيا، وتصعيداً ما زال العالم يدفع فاتورته حتى الآن.

أما شماعة الديمقراطية التى تعلق عليها الولايات المتحدة كل تدخُّل فى العالم فهى تعكس أيضاً محدودية العقلية السياسية الأمريكية، فما فعلته الولايات المتحدة من فتح أكثر من جبهة ساخنة فى العالم لقوى ليست بالضعف الذى يسمح لأمريكا بتحقيق تقدم واضح أو سيطرة كاملة على أهدافها، يعد غباء سياسياً بكل المعايير!

لكن فيما يبدو أن الأمريكيين لم يقرأوا التاريخ جيداً، ولم يستوعبوا أن تعدد الجبهات خصوصاً مع قوى كبرى مثل الصين وروسيا هو بداية النهاية، حتى إن كانت الولايات المتحدة قوى عظمى وتملك أحدث وأقوى الأسلحة الرادعة. لقد كانت الخلافات الصينية - الأمريكية طوال العقود والسنوات السابقة تأخذ ما يطلق عليه الحرب الباردة، لكن الخطوة التى اتخذتها نانسى بيلوسى ستأخذ تلك العلاقات فى منعطف آخر ستندم عليه الولايات المتحدة ندماً كبيراً، فالصين قوى لا يستهان بها، تماماً مثلما روسيا قوى لا يستهان بها، لكن هكذا تحتاج الإمبراطوريات الكبرى إلى أخطاء كبرى لتأخذها إلى طريق النهاية إذا لم تأخذ الدبلوماسية الواعية طريقها لحل الأزمات، وهذا ما تفتقر إليه الولايات المتحدة خاصة فى ظل حكم الديمقراطيين.

على الرغم مما حاولت الإدارة الأمريكية إظهاره من لعبة ينقصها الذكاء بعدم مسئوليتها حيناً وأن الزيارة لا تخرج عن مضمون السياسة الأمريكية حيناً آخر، فلا يمكن لأحد أن يعتقد أن تقوم رئيسة مجلس النواب بزيارة كتلك دون تنسيق مع إدارة بلدها، خصوصاً أنها ورئيس الدولة ينتميان لنفس الحزب وهو الحزب الديمقراطى، هى إذن خطوة مقصودة فى توقيت مقصود ومحدد، والهدف منه هو جر الصين إلى ما تريده الولايات المتحدة.لكن السؤال الآن: هل تدرك الولايات المتحدة ماذا يعنى التحالف الصينى - الروسى المباشر فى مواجهتها؟ وهل تستطيع مهما بلغت قوتها أن تحافظ على مكانتها كقوى عظمى فى ظل مواجهة ستكون هى فيها وحيدة فى ظل دول أوروبية تحاول أن تلملم مشكلاتها وتواجه ما هى مقبلة عليه فى شتاء محمل بالمشكلات والأزمات؟ لن أقول لعالم لن يتحمل فهذا آخر ما تهتم به الولايات المتحدة، لكن من الواضح أن أمراً جللاً العالم مقبل عليه بدأت مقدماته مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية!