ما سيجده بايدن بعد العودة

لينا مظلوم

لينا مظلوم

كاتب صحفي

عاد الرئيس الأمريكى بايدن إلى واشنطن محققاً نجاحاً محدوداً رغم المبالغة فى الترويج لهذا النجاح أمام الرأى العام الأمريكى. الأهداف الأساسية التى تتلخص فى إقامة تحالف «شرق أوسطى» وزيادة ضخ النفط قوبلت من الطرف العربى برد جمعت محاوره الخمسة المقاربة التى طرحها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته أمام مؤتمر جدة للأمن والتنمية. الإشارة الإنسانية التى وردت ضمن كلمة بايدن عن التدخل الأمريكى فى العراق ومشاركة نجله فى القوات وضعتها كلمة الرئيس السيسى فى إطارها الواقعى بالنظر إلى نتائج هذه التدخلات على الأرض، إذ تؤكد كل الشواهد أنها كانت منذ 2003 جزءاً من المشكلة دون أن تقدم للمنطقة أى بدائل إيجابية.

بايدن ينتظر ردود فعل أمريكية حادة، بدأت بالفعل حتى قبل زيارته إلى الشرق الأوسط، فى ظل استقطاب سياسى لم يعد قاصراً على الحزبين الجمهورى والديمقراطى.. بل طال صفوف الحزب الديمقراطى بين جبهة تلتزم بكل الإرث الذى انتهجه الرؤساء السابقون لهذا الحزب، وأخرى تتبنى رؤية متجددة تواكب كل المتغيرات التى طرأت على المشهد الدولى، بالإضافة إلى ظهور ثلاث قوى كبرى، روسيا، الصين، الاتحاد الأوروبى، أطاحت بعقود من تصدر التفرد الأمريكى بدور القوة الكبرى.

الرئيس السيسى تطرّق إلى ملف كثيراً ما يثار تحديداً من نواب الحزب الديمقراطى. بالتأكيد لم يعد مقبولاً تجريد مصطلح حقوق الإنسان من كل تفاصيله الإنسانية ليصبح مجرد أداة لخدمة دعاوى انتخابية أو سياسية، الأمر الذى خلق توترات عديدة بين أمريكا وحلفائها. التطرق إلى ملف حقوق الإنسان يفرض نظرة شمولية.. خصوصاً مع وجود خلط صارخ بين حق ممارسة المعارضة بالرأى والمشاركة فى أى عملية إصلاحية، وبين تنظيمات تكفيرية تلوثت أيديها بدماء شعوبها، هذا بالإضافة إلى تجاهل أمريكى غربى لحقوق الإنسان فى التعليم، والصحة، والأمن.. حق مئات الآلاف فى دعم دولى يخلق ظروفاً موائمة لعودتهم من المخيمات إلى بلادهم بدلاً من الأوضاع غير الإنسانية التى يعيشون فيها. فكرة قيام أى تحالف شرق أوسطى يضم إسرائيل أصيبت فى مقتل أمام اتفاق عربى على أن الأمن القومى العربى هو وحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة.. كما بدّد قيام هذا التحالف تأكيد القمة على تكثيف التعاون العربى المشترك لتعزيز القدرات الدفاعية وتطوير التعاون والتنسيق بين الدول العربية فى مجالات الدفاع والردع المشترك.

ضمن سياق اعتراف بايدن بخطأ خلق فراغ أمريكى نجحت روسيا والصين وإيران فى استثماره لتكثف وجودها فى المنطقة العربية.. خان الرئيس الأمريكى التعبير فى دمج إيران مع المجموعة، فالدور الروسى - الصينى فى المنطقة يكتسب إيجابيته كونه دوراً تنموياً تجارياً، خلافاً لطبيعة الأطماع الإقليمية التى استغلت الفراغ لبسط نفوذها السياسى والأمنى على بعض دول المنطقة. فى السياق نفسه، ظهر حجم الضغوط الهائلة التى يتعرض لها رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمى وألقت ظلالها على الكلمة المقتضبة واختصار الكثير من مسببات أزمات العراق المتجذرة رغم نجاح الكاظمى فى كسر حصار الكتل والأحزاب القائمة على ولاءات إقليمية. اعتراف الكاظمى أن ديمقراطية العراق الناشئة تواجه تحديات بسبب نقص الخبرات لا يمس عمق الأسباب الحقيقية.. العراق يزخر بخبرات غير مسموح لها القيام بأى دور مع وجود ميليشيات وكتل سياسية تتباهى بأجنداتها الإقليمية الولائية وقدرتها على إشعال الحروب والعنف فى أى لحظة ضد الشارع العراقى.. رؤساء كتل يعلنون بكل تبجح عدم اعترافهم بالجيش والشرطة، إذ أصبح كل منهم، بأذرعه المسلحة، دولة داخل الدولة، حتى فى إطار أحد بنود بيان القمة عن العراق حول أهمية أن تمارس الدولة سيادتها كاملة، فلا يكون هناك سلاح إلا بموافقتها.. تقف هذه الميليشيات فى مواجهة الكاظمى بإعلانها رفض تسليم أسلحتها إلى الدولة.

لعل أهم حقيقة عاد بها بايدن إلى واشنطن أن من يريد ملء الفراغ عليه الجلوس والاستماع إلى الدول المشاركة فى قمة جدة للأمن والتنمية.. بعد أن بدّد التنسيق العربى الذى سبق القمة وظهر فى التعبير عن وحدة مواقفه هواجس التبعية للفلك الأمريكى.