دينا أبوالمجد تكتب: إلى من يهمه الأمر.. الأمن الغذائى فى خطر

دينا أبوالمجد تكتب: إلى من يهمه الأمر.. الأمن الغذائى فى خطر
فى بداية كلامى، أتقدم بخالص مواساتى لجميع المنتمين إلى قطاع الثروة الحيوانية والداجنة من مُربّين وعاملين ومستثمرين وخبراء وأكاديميين تابعين للمعامل البحثية التابعة لوزارة الزراعة وغير التابعين وأساتذة كليات الطب البيطرى وغيرهم، حيث تطول القائمة على ما وصل إليه حال الصناعة بجميع عناصرها وقطاعاتها من تردٍّ واستنزاف إلى حد أن أصبح واجباً علينا رثاؤهم.
وبحكم عملى كصحفية متخصّصة فى تغطية القطاع الزراعى بصفة عامة وقطاع الثروة الحيوانية والداجنة بصفة خاصة، وأحرص على التواصل الدائم شبه اليومى مع جميع عناصرها حملت على عاتقى منذ سنوات مسئولية الدفاع عنها، لكونها صناعة وطنية خالصة تُعد عصب الأمن الغذائى القومى، ويعمل بها ما يقارب 5 ملايين عامل بمختلف تخصّصاتهم وإبراز مشكلات الصناعة والعاملين بها، وتوصيل صوتهم وشكواهم لمن يهمه الأمر، وإلى يومنا هذا لا حياة لمن تنادى، عشرات الاجتماعات بين مسئولى وزارة الزراعة وممثلى الصناعة والمربين ومئات اللقاءات الصحفية والتليفزيونية وآلاف الاستغاثات، وكلها دون جدوى، وكأن لسان حال الوزارة يقول «لكم الله ولنا التقارير الإعلامية المرضية».
للأسف، هذا هو حالنا اليوم تجلس مع رجال الأعمال والمستثمرين تجدهم يئنون شكوى مما يتعرّضون له من خسائر فادحة بشكل مستمر وكأنهم يعاقبون على وطنيتهم أن استطاعوا، بمجهوداتهم الذاتية، بناء صناعة وطنية فتحت الباب أمام إقامة صناعات أخرى مكمّلة لها كمصانع الأعلاف وإضافاتها والبريمكسات والأدوية البيطرية واللقاحات وغيرها من الصناعات المرتبطة بها بشكل مباشر وغير مباشر، حتى أصبحت استثماراتها تتجاوز 90 مليار جنيه.
بينما حال صغار المربين الذين يمثلون أكثر من 70% من حجم الإنتاج فهو من سيئ إلى أسوأ، إلى حد أن أصبح بعضهم وراء القضبان والبعض الآخر فى طريقه للحاق بهم، أما أحسنهم حالاً فهو مثقل بالديون والقروض ومهدّد بتوقف نشاطه.
وبما أن الصناعة تعانى فمن البديهى أن تمتد المعاناة إلى الصناعات المرتبطة بها، فإذا نظرنا إلى مصانع الأعلاف نجدها إما خفّضت إنتاجها أو توقفت تماماً عن الإنتاج بسبب نقص حاد فى المادة الخام المستوردة، لأن مدخلات إنتاج الأعلاف غالبيتها مستوردة من الخارج، وكما نعلم جميعاً فإن البنك المركزى وضع قيوداً على فتح الاعتمادات الدولارية للاستيراد، وكان الأجدى بوزارة الزراعة التدخل لدى البنك المركزى والوصول معه إلى حلول توافقية تراعى السياسة النقدية للدولة، وفى الوقت نفسه تضمن استمرار استيراد المواد الخام اللازمة لتشغيل المصانع.
وبالنظر إلى استثمارات صناعة الأدوية البيطرية واللقاحات، سواء المستوردة أو المصنوعة محلياً، نجدها مهدّدة بشدة أمام انتشار الأدوية المغشوشة وغير المطابقة للمواصفات، والتى تمثل خطورة على صحة الحيوان وتهدّد الثروة الحيوانية بالنفوق وتعرّض الأمن الغذائى للخطر، وما من موقف يذكر مسجل لوزارة الزراعة فى اتخاذ ما يلزم من إجراءات رادعة لإنهاء هذه المهزلة سوى القيام على استحياء ببعض الحملات التفتيشية التى لا تُسمن ولا تُغنى من جوع، فقط لذر الرماد فى العيون وإثبات حالة.
وكان الأجدى أن تقف الدولة متمثلة فى وزارة الزراعة بكامل إمكاناتها وأدواتها وخبرائها بجانب المستثمرين والمربين والعاملين بالصناعة وأن تُذلل أمامهم جميع العقبات والصعوبات التى تعترض طريقهم وتقدم لهم ما يلزم من تسهيلات وخدمات لوجيستية وفنية تعينهم على الاستمرار فى الصناعة والنهوض بها والارتقاء بحجم الإنتاج وجودته.
بل كان لزاماً عليها أن تعمل مع لجنة الزراعة والرى بمجلس النواب على سن تشريعات وقوانين لحماية الصناعة وتنظيم عملها وتكون بها جزاءات رادعة لكل من تسول له نفسه العبث بالأمن الغذائى للمصريين لكن فى حقيقة الأمر فإن دور وزارة الزراعة تجاه مشكلات قطاع الثروة الحيوانية والداجنة مختزل فى مشهدين لا ثالث لهما.
«المشهد الأول» وقوفها موقف المتفرج من حالة احتضار صناعة الدواجن، لأن المنتجين والمربين لن يستطيعوا تحمّل نزيف الخسائر إلى ما لا نهاية، وسيأتى يوم -وأراه قريباً- وسيتخارجون من السوق واحداً تلو الآخر، وهذه نتيجة طبيعية لحالة الفوضى المزرية التى تعانى منها الصناعة التى تكاد تكون مقصودة أو مطلوباً أن تستمر لتحقيق مآرب شخصية على حساب الصناعة، ومن ثم الأمن الغذائى، الذى يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومى.
فهل يُعقل أن يعلق مصير صناعة الدواجن فى مصر بأيدى السماسرة، وأن تُتخذ القرارات المصيرية المتعلقة بالأسعار والتوزيع وحجم المعروض، والتى من شأنها إحداث بلبلة فى السوق على المقاهى وداخل مكاتب هؤلاء المرتزقة، نعم هم مرتزقة، ولا أجد أى وصف لهم غير ذلك، لأن المستثمرين والمنتجين والمربين هم من يضخّون الأموال فى الصناعة، ويتحمّلون المخاطر والصعاب للتوسّع بالصناعة وزيادة حجم الإنتاج من أجل الاستمرار بإمداد السوق بحاجتها من البروتين رخيص الثمن، بما ينعكس بالإيجاب على استقرار السوق، ومن ثم المجتمع، وهم من يسددون الضرائب عن أعمالهم للخزانة العامة بما يوفر للدولة مصادر أخرى للدخل تعينها على المضى قُدماً فى خططها التنموية، أما السماسرة المرتزقة فهم من يسقطون بالبراشوت ليجنوا حصاد زرع أهل الصناعة، محققين أرباحاً خيالية، كل ذلك بعيداً عن أعين الدولة، بما يمكنهم من التهرب من سداد مستحقات الخزانة العامة عن نشاطهم وأرباحهم، ويحدث هذا على مرأى ومسمع من الوزارة، إلى حد أن أصبح مسئولوها لا يطيقون سماعاً لشكوى المربين والمنتجين من تحكم السماسرة بمصيرهم، ومن ثم أصبح من الضرورى والمُلح أن يتدخل من يهمه الأمر فى بلدنا الحبيب على وجه السرعة لإنهاء حالة التخبّط والعشوائية والفوضى المستشرية فى بدن الصناعة وتصحيح مسار عمل وزارة الزراعة وإعلام مسئوليها بأن إدارة وتنظيم صناعة الدواجن حق أصيل لهم بموجب القانون ولوائح عمل الوزارة، ودورهم الرئيسى المنوط بهم القيام به بالتنسيق مع اتحاد منتجى الدواجن ولا يجوز لهم التنازل عنه طواعية للسماسرة، وإلا أصبحوا مقصرين فى أداء واجبهم ومهام عملهم وعرضة للمساءلة.
أما المشهد الثانى، ففيه يتكرم مسئولو الوزارة بترك مقاعد المتفرجين وممارسة اختصاصاتهم ويستخدمون صلاحياتهم لإصدار القرارات التى هى فى ظاهرها دعم وحماية للصناعة، ولكنها فى حقيقتها قرارات كارثية تقضى على الصناعة وتفاقم من خسائرها وتزيد من متاعب ومعاناة المنتجين والمربين، فبأى منطق تصدر الوزارة من الحين للآخر تصاريح وموافقات للبعض، لاستيراد مجزّآت الدواجن، فى حين أن بيانات الوزارة تتحدث عن تحقيق مصر الاكتفاء الذاتى من الدواجن بنسبة 97 بالمائة وحجم إنتاجنا اليومى 4 ملايين طائر والسنوى 1٫5 مليار طائر، ومع صراخ وعويل واستغاثات أهل الصناعة وتظلمهم من هذه القرارات يخرج علينا المسئولون بالوزارة ليلقوا بالمسئولية على وزارة التموين وجهات أخرى، وكأن قدر الصناعة أن تدفع ثمن التخبّط والعشوائية من سوء الإدارة، وأضيفت لها مرارة تبعات تضارب الاختصاص بين الوزارات، وكان لا مفر من أن يوجه أهل الصناعة نداءاتهم واستغاثاتهم للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى أنصت مشكوراً لشكواهم وكلف بتشكيل لجنة عليا لتنظيم صناعة الدواجن تضم فى عضويتها وزارة الزراعة وجهات سيادية وخبراء الصناعة، ومنذ تشكيلها فى عام 2021 إلى وقتنا هذا لم تنعقد اللجنة إلا مرة واحدة فى شهر نوفمبر الماضى وللأسف لم يخرج الاجتماع بأى نتائج أو توصيات تذكر.
ومع إعادة انتخاب اتحاد جديد لمنتجى الدواجن بلغت الأمانى والأحلام العنان بانتهاء فوضى الصناعة وإعادة تنظيمها على أسس علمية صحيحة، خاصة مع وضع الاتحاد خططاً وتصورات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وكالعادة تبخّرت كل هذه الأحلام وذهبت هذه المجهودات سدى مع اصطدامها ببيروقراطية مسئولى الوزارة وعدم اكتراثهم بإيجاد حلول جذرية لتلك المشكلات.
وإذا نظرنا إلى قطاع الثروة الحيوانية لعلنا نجد فيه ما يسرنا وبإحصائية بسيطة صادرة من وزارة الزراعة نجد أن حجم إنتاجنا، من اللحوم الحمراء 520 ألف طن سنوياً وما تستهلكه السوق المحلية سنوياً 950 ألف طن، أى أن معدل إنتاجنا يمثل 60 بالمائة من حجم احتياجاتنا، وأمام هذا الرقم الصادم تحركت القيادة السياسية لسد هذه الفجوة الكبيرة بين الإنتاج والاستهلاك، وصارت فى محورين، أولهما التوسّع فى افتتاح مشروعات قومية لزيادة إنتاجيتنا من اللحوم الحمراء وتجلت بشائر الخير بافتتاح السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى مشروع مجمع الإنتاج الحيوانى والألبان بالسادات، كأول الغيث، أما المحور الثانى فهو إطلاق المشروع القومى لإعادة إحياء البتلو، وخصصت له الدولة 6٫7 مليار جنيه وأسند تنفيذ المشروع لوزارة الزراعة، ومن المفترض أنه فى حالة تم تنفيذ هذا المشروع كما هو مخطط له، فسيعمل بشكل كبير على سد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك بزيادة إنتاجيتنا من اللحوم الحمراء، ومن ثم تقليل الاستيراد، ولكن للأسف الشديد فإننى أعلنها للجميع بأن المشروع يواجه صعوبات ومخاطر جمّة تُهدّد استمراريته وتُنذر بفشله، فمن ناحية المخصّصات المالية الكبيرة المرصودة لتنفيذ المشروع، فإنه يجب التدقيق فى أوجه صرفها الصحيحة، حيث إن هذه المخصّصات تم رصدها لتنمية الثروة الحيوانية وليس لاقتراضها لتحقيق مآرب أخرى والجميع يعلم جيداً ما أعنيه، ومن ناحية أخرى فإننى أتواصل مع كبار الاستشاريين ومشرفى المزارع وأساتذة الطب البيطرى، وجميعهم يحذرون من موجة حمى قلاعية تجتاح المزارع وتضرب الإنتاج، والوزارة «عاملة ودن من طين وودن من عجين»، ولا تريد أن تعترف بوجود المشكلة أو حتى تحذّر المربين والمزارعين بتفشى المرض من جديد لأخذ الحيطة والحذر واتباع ما يلزم من إجراءات وقائية لتجنّب فتك المرض بحيواناتهم، بل تعدى الأمر لأبعد من ذلك، هو عدم استطاعة أى طبيب فحص أى حيوان، ويكتب فى تقريره أن هناك اشتباهاً بالحمى القلاعية، وإلا تعرّض للمساءلة القانونية وتهديد مستقبله المهنى، وما زال المسئولون يدفنون رؤوسهم فى الرمال كالنعام حتى لا يجدوا أنفسهم أمام مساءلة قانونية وحساب لا طاقة لهم به، حيث صرفت الأموال الطائلة التى تم تخصيصها لتنفيذ توجيهات السيد الرئيس لإحياء مشروع البتلو وزيادة إنتاجنا من اللحوم الحمراء، لتحقيق مصر الاكتفاء الذاتى من الغذاء، ووقتها ستكون كل هذه الأموال قد ذهبت هباءً.
وما زاد الطين بلة قرار وزارة الزراعة قيام المستوردين بعمل الحجر الصحى للحيوانات الواردة من الخارج بمعرفتهم بعد أن كانت تقوم به بأدواتها وخبرائها المتخصصين والمؤهلين لذلك، للتأكد من التطبيق السليم الآمن لإجراءات الحجر الصحى بغرض توفير نفقات الحجر التى كانت تتحملها، وهو ما أدى إلى تطبيق المستوردين إجراءات الحجر الصحى بشكل خاطئ وفى أماكن لا تصلح للعزل، بل والأدهى من ذلك قيامهم بالاستيراد من بلاد موبوءة ولا تتعدى نسبة التحصين بها 10 بالمائة، وهو ما تسبّب فى تسلل عترات جديدة متحورة من الحمى القلاعية إلى الداخل، لا يوجد لها أى مصل لدينا، وتحتاج إلى وقت طويل لتحليلها وإيجاد مصل مناسب لها يقدّره الخبراء ما بين 6 أشهر حتى عام، وكل ما تفعله الوزارة القيام بحملات تحصين للمزارع والحيوانات بلقاحات غير معروف مدى تصديها للمرض، ولم يتم عمل اختبار تحدى للفاكسين لمعرفة كفاءتها، وتسند الوزارة عملية القيام بالتلقيح والتحصين لمعهد المصل واللقاح بالعباسية، وكلها دون جدوى، وخير دليل على ما أقوله حجم النافق الكبير بين الثروة الحيوانية عقب حملات التحصينات المزعومة، وباعتراف دكاترة وباحثين داخل المعهد ذاته، ولكن للأسف لا يستطيع أحد منهم المخاطرة بمستقبله المهنى والعلمى والجهر بذلك، وأعلم جيداً أن الوزارة ستخرج تكذب كلامى ولكن الفيصل بينى وبين المشرفين والباحثين وأساتذة الطب البيطرى من ناحية ووزارة الزراعة من ناحية أخرى هو قيام لجنة مستقلة من جهة حيادية بالدولة، بالمرور على جميع المزارع وأماكن تربية الحيوانات بعد حملات التحصينات التى تقوم بها الوزارة، وسوف تشاهدون الواقع المرير بأم أعينكم، وتكتبونه بتقاريركم.
وأخيراً وليس آخراً، أتوجه بنداء عاجل للقيادة السياسية بالتكرّم بضرورة متابعة ملف قطاع الثروة الحيوانية والداجنة بشكل شخصى لأن الغذاء بات قضية وطن وقضية أمن قومى، خاصة فى ظل الأزمة الغذائية العالمية التى أطلت برأسها علينا ونعانى منها جميعاً بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ومن المتوقع أن تزداد مع ازدياد المشكلات اللوجيستية لسلاسل التوريد، وامتناع بعض الدول عن التصدير وتوجيه كامل إنتاجهم إلى الداخل لتأمين الأمن الغذائى لمواطنيهم، وكلنا نعلم أن حمل أمانة مصر والمصريين عظيم تئن من ثقله الجبال، ولكن سيادتك تحمل هذه الأمانة بشجاعة وعزيمة وإخلاص وتواجه المتاعب بالصبر والعمل ثم العمل، متسلحاً بالإيمان بالله وثقتك بتحقّق وعده بنصر عباده الصالحين المخلصين المعمرين فى الأرض وفقك الله وسدد خطاك لما فيه الخير ورفعة البلاد.