صيادو المطرية يروون حكايات الدم والعذاب فى البحر الأحمر

صيادو المطرية يروون حكايات الدم والعذاب فى البحر الأحمر
منذ 20 عاماً أو أكثر، بدأ الصيادون فى المطرية التردد على موانئ البحر الأحمر لممارسة الصيد بعد أن تعرضت بحيرة المنزلة لتعديات وحشية من قِبل البلطجية المسلحين، عرفوا طريق البحر الأحمر والخيرات التى يحملها فى أحشائه، فرزقهم الله من طيباته، لكن بعد عدد سنين قلّ الرزق وكثرت حالات الوفاة والقتل إن لم يكن برصاص خفر سواحل الدول الخارجية فبجشع أصحاب المال ومعاملتهم السيئة للصيادين، حسب وصف العربى محمد خاطر، أحد شباب الصيادين، الذى امتنع عن العمل مؤخراً بسبب تلك الممارسات، إضافة إلى وفاة عمه إبراهيم خاطر مؤخراً. [FirstQuote]
يقول «العربى» فى حزن: اعتدنا على استقبال نعوش الصيادين من البحر الأحمر كل شهر فى حوادث كبيرة ومفجعة وغرق مركب بدر الإسلام ليس الأول من نوعه، رؤساء المراكب مش عارفين ربنا و«السمك» بالنسبة لهم أهم مننا والبحر الأحمر مقبرة للصيادين، «عمى إبراهيم كان يبلغ من العمر 33 سنة، ومتزوجا منذ 11 شهراً فقط، وطفله جاء إلى الدنيا قبل 10 أيام، كان بيطلع البحر الأحمر من 5 سنين، وسافر فى آخر مرة، صاحب المركب اللى عليه من دمياط كلمنا وقال إن إبراهيم سقط فى الميّه وبندوّر عليه، وبعدين قال لقيناه ودفناه فى إريتريا، لم يرجع الرجل إلينا فى ذلك وقام بدفنه دون علمنا».
وتابع «العربى»: «فى مثل تلك الظروف، يوضع المتوفى فى ثلاجة المركب حتى عودته إلى الميناء، لكن أعتقد أن قضية عمى بها شبهة جنائية، الغريب أن ريس المركب أمر الصيادين بمواصلة الصيد بعد الحادث وكأن شيئاً لم يكن، نجل صاحب المركب هو نفسه ريس المركب، وكان ينقل أخبار المركب أولاً بأول كل يوم إلى والده الذى يقيم فى دمياط، لكن صاحب المركب لم يخبرنا بما حدث لعمى إلا بعد 15 يوماً».
يضيف «العربى»: «والدى أيضاً صياد مثل أشقائه الخمسة، كان يصطاد فى جنوب البحر الأحمر ويتبادل النكات والضحك مع زملائه بشكل طبيعى حتى مال عليه أحد الصيادين من المدينة وأخبره بنبأ وفاة شقيقه حتى أغمى عليه ولم يصدق ذلك وذهب إلى المركب الذى كان يعمل عليه عمى ودخل فى مشادة كلامية مع ريس المركب بعد دفن عمى دون الرجوع إلينا، وذهبنا إلى قسم شرطة عتاقة فى السويس وتقدمنا ببلاغ إلى النيابة العامة وطلبنا من (الخارجية) الحصول على جثة عمى وتشريحها لمعرفة سبب الوفاة، ربنا يصبر أمه ومراته، ما شافش بنته حنين اللى عمرها يادوب 10 أيام، مراته ربنا يصبرها ما نزلتش دمعة لأنها مقتنعة إنه هييجى وإنه لم يمُت، مش مصدقة إن جوزها مات».
يتابع «العربى»: «عمرى 30 سنة، سافرت البحر الأحمر لمدة 5 سنوات، ثم توقفت عن السفر، قعدت لما تعبت، أقل غلطة بموتة على طول، منذ فترة كنت فى رحلة صيد جنوب البحر الأحمر، طلعت سمكة اسمها (السلاعة) رأسها فيه إبره مشرشرة من الجانبين، دخلت فى رِجل صياد غلبان من دمياط، وعشان تخرج من رجله لازم تخرج بالعرض، وطبعاً عوّرنا رجله ودخل المستشفى فى إريتريا وهناك مفيش عناية، ومع مرور الأيام تضاعف الجرح برجله، وعملت غرغرينا ولما رجع مصر الأطباء قطعوا رجله».
يتوقف «العربى» قليلاً عن الكلام ثم يقول: «البحر فيه مخاطر كبيرة مثل القطرة اللى على الجناب، ممكن تاخد الواحد وتنزل، لو لفت يبقى خلاص ما تحكيش فيه تانى، وعشان المركب يلف ويرجع ينقذه هيكون مات؛ لأن مش كل الناس بتعرف تعوم، أنا باسرح البحر وما باعرفش أعوم، لكن عمى اللى مات بيعرف يعوم ولو فيه أى حاجة فى الرفاص تحت هو بينزل يصلحها، وهذا هو سبب حيرتنا فى سبب وفاته». [SecondImage]
يلتقط «رضا»، شقيق المتوفى، أطراف الحديث ويقول: «باطلع البحر الأحمر من 25 سنة أنا وكل إخواتى، صاحب المركب أمر ابنه ريس المركب إنهم يدفنوه فى إريتريا؛ لأنه الوحيد اللى ممكن يكلم أهله بتليفون الثريا الدولى، عاوزين نعرف سبب الوفاة، لو توفى أحد أفراد المركب، يوضع فى الثلاجة لحد ما يرجعه لأهله، أصحاب المراكب ناس ما عندهمش قلب ولا دين، من كام سنة وأنا فى البحر بالقرب من الصومال كان فيه مركب جنبنا توفى بها شاب وحيد أبويه، ريس المركب دفنه فى التلاجة، مفيش أرخص من البنى آدمين، وعشان كده بطلت الشغلانة خالص».
يقول أحمد الدهراوى، أحد شباب الصيادين الذين يعملون بمياه البحر الأحمر: «قبل الخروج إلى البحر أجهز حقيبة السفر التى أضع فيها غياراتى الشخصية وملابس العمل، مع بعض الأدوية إن وُجدت، ثم أسافر فى آخر اليوم ونصل فى صباح اليوم التالى فى رحلة سفر تستغرق 16 ساعة كاملة حتى نصل أخيراً إلى ميناء برانيس الذى يقع بعد ميناء القصير بالقرب من حلايب وشلاتين، بعد الوصول نجهز أدوات الصيد والثلج والصناديق، ثم نحصل على قسط من الراحة فى نهاية اليوم ثم نتوكل على الله مع أول ضوء للنهار إلى منطقة الصيد التى تكون غالباً بالقرب من سواحل حلايب وشلاتين».
يتابع «الدهراوى»: «مدة السرحة متفاوتة، حسب الرزق، وفى آخر السرحة بنتحاسب بالإنتاج، الذى يقسم 3 أقسام، الأول والثانى لصاحب المركب الذى يخصم منه مستلزمات الصيد وطعامنا وشرابنا طوال مدة الرحلة، والجزء الثالث نتقاسم فيه معه، إحنا بناخد الفتات واللى بيفيض من صاحب المال وريس المركب، وده ظلم كبير فى حق الصيادين، ممكن آخد فى السرحة الواحدة مدة 20 يوم 800 جنيه أو 700 حسب السمك، العيشة غالية، والشغل فى البحر مش حلو، واللى بيتعب ما حدش بيسأل عنه، ولا توجد إسعافات أولية لإنقاذ الصيادين».[SecondQuote]
عن طبيعة العمل داخل مياه البحر الأحمر، يقول أحمد الدهراوى: «الصيد فى البحر نوعان، الأول بالجر، والثانى بالشانشلة، الأول أصعب بكثير؛ لأن العمل به مستمر لمدة 24 ساعة، وأوقات الراحة به قليلة جداً، لكن صيد الشانشلة يكون فى الليل؛ لأننا بننور على السمك، ريس المركب هو المسئول الأول عنا وعن المركب، وفيه ناس منهم كتيرة مش عارفة ربنا وبتبهدل الصيادين اللى رايحين يدوروا على لقمة عيشهم، وعشان كده وأنا راجع من البحر بكون فرحان جداً، لأن ربنا كتب لى عمر جديد وهيكون معايا فلوس بعد بيع السمك».
على بعد أمتار قليلة من شاطئ بحيرة المنزلة وُجد عدد غير قليل من الصيادين الشبان على أحد المقاهى فى شارع سعد زغلول، أهم شارع بالمدينة، جلسوا مع بعضهم يتبادلون أطراف الحديث. تحدث حندق راشد، الذى يبلغ من العمر 50 سنة، قائلاً: «الناس سايبة البلد هنا من غلبها، اللى عاوز يتجوز واللى متجوز عنده التزامات وعاوز مصاريف لبيته، البلد به آلاف الصيادين، كنت صياداً فى البحيرة هنا، تركت المهنة بسبب العصابات والبلطجية الذين يسيطرون على البحيرة، وذهبت إلى عزبة البرج فى دمياط وطلعت على البحر الأبيض، اليومية بالإنتاج، يعنى لو مفيش سمك مش هناخد لا أبيض ولا أسود، ليس لنا تأمينات أو معاش خاص بنا، نعمل بالدراع، لو حد حصل له حاجة أو مات ما حدش بيسأل فيه».[ThirdImage]
وسط هؤلاء، كان يجلس حسن السيسى، الذى يبلغ من العمر 28 سنة، يقول غاضباً: «شغل المراكب الجر به ظلم وإهانات، ولو شغال كويس مالكش دية لو حصلك حاجة، قررت عدم السفر منذ شهرين بسبب ظلم ريس المركب للصيادين، لو انت حر مش هتقبل تشتغل على المركب، بيهين كل الناس لو حد عمل مشكلة، صيد الجر فلوسه حلوة، ممكن فى 3 شهور تعمل رقم حلو وفى الشغل جوه البحر انت ومصيرك، والأجازة يوم واحد، ومش كل الناس وأصحاب المراكب والرُيَسا زى بعضهم، فيه ناس بتقدر الصيادين وفيه ناس مش كويسة، فى فصل الشتاء يتردد أكثر الصيادين على موانئ البحر الأحمر وخليج السويس؛ لأن الصيد بيقل فى بحيرة المنزلة بسبب برودة الجو والمياه».
يضيف «حسن»: «60% من شباب الصيادين تركوا الصيد فى البحيرة والبحر الأحمر وتوجهوا إلى العمل فى المنطقة الاستثمارية فى بورسعيد رغم ضعف الراتب الذى لا يتعدى 800 جنيه فى الشهر، لكن نفضل المرتب الضعيف على الإهانة وقلة القيمة، يحب بعض أصحاب المراكب ربط الصيادين للخروج معهم فيدفعون إليهم مقدماً بسيطاً 150 جنيهاً كعربون لضمان الصيد معهم، ويخصم المبلغ من الصياد بعد العودة من السرحة، مفيش حد مبسوط بالوضع اللى هو فيه من الصيادين لكن الناس راضية بنصيبها». [ThirdQuote]
العربى السويركى، شاب يبلغ من العمر 24 سنة، يمارس مهنة الصيد منذ 10 سنوات، يقول: «ورثت المهنة عن والدى الذى كان يصطاد فى بحيرة المنزلة، لكن عمره ما سافر البحر الأحمر، «الصياد لو ما خدش باله هيموت هيموت، بييجى عليك بحر عالى وخفر الحدود؛ لأننا ندخل حدود بعض الدول الخارجية ونحن مضطرون؛ لأن الخير بات أقل أمام سواحل مصر، والشهر الماضى فيه صياد من هنا خد طلقة من طراد سعودى بعد ما دخل الحدود، الإسعافات الأولية عبارة عن شوية ميكروكروم وشاش وخلاص، مفيش إجراءات سلامة، لو أجنبى هتلاقى الدولة كلها بتدوّر عليه، اللى اتعلمته فى السفر وركوب البحر إنك تاخد بالك على طول واللى بيهون علينا الصحبة الحلوة من زمايلنا وأنا مسافر بودع البلد وأهلى يا عالِم هارجع ليهم تانى ولا لأ، الناس اللى ماتت غلابة منهم صيادين ساكنين بالإيجار، كانوا مبطلين الصيد بالبحر من فترة، ولما اتجوزوا احتاجوا مصاريف فاضطروا للسفر، مفيش شغل هنا هيعمل إيه؟ الناس دى ماتت عشان لقمة العيش، وأصحاب المراكب يفضلون تشغيل الشباب على كبار السن بسبب صحتهم وقوتهم».
ويقول حسن الشوا، نقيب الصيادين بالمطرية: إن بحيرة المنزلة تستوعب 100 ألف صياد على مستوى 3 محافظات، كان أغلبهم من المطرية؛ لأن بورسعيد والدقهلية بهما بدائل أخرى لتشغيل الشباب مثل المصانع والتجارة. وأضاف: «المطرية بها 20 ألف صياد يعملون فى البحر الأحمر بجانب 10 آلاف آخرين يعملون فى البحر الأبيض، فضلاً عن 5 آلاف يعملون فى منطقة الاستثمار فى بورسعيد». وأضاف: «الشاب اللى بيموت بيستريح من القرف اللى شايفه، قلت لمحافظ الدقهلية أنت لا تدعمنا، إحنا ميتين بالحيا فى المطرية، وكنت قد اقترحت على لجنة الخمسين لوضع الدستور تخفيض سن المعاش من 65 إلى 55 سنة بالنسبة للصياد؛ فعندما يصل عمره إلى 55 سنة بيكون طريح الفراش، ما بيجيبش لقمة العيش، والبنات بتروح تشتغل فى بورسعيد عشان يأكّلوا البيت، معاش الصياد لو عاش لسن 65 سنة يصل إلى 300 جنيه وهو معاش السادات؛ حيث لا يوجد معاش خاص بنا».
يتابع نقيب الصيادين حديثه غاضباً: «65% من الصيادين فى المطرية مصابون بالالتهاب الكبدى الوبائى وفيروس سى، وطبعاً الناس مهملة فى نفسها لأن مصاريف العلاج منه مرتفعة ولا يقدرون على سدادها أو إجراء التحاليل اللازمة من أجل العلاج، مياه البحيرة أصابتنا بالأمراض والبلهارسيا وتنهش فى أجسادنا».
ويتابع: «أما الصيد فى البحر الأحمر فقد تعوّدنا أن يأتينا بسببه قتيلان كل شهر من أهالى المطرية، مفيش عندنا لقمة عيش، والصياد بيضطر يروح هناك عشان يكوّن نفسه ويجيب مهر، وبيشوف الموت بعينه، والصيادين الستة المتوفين منهم ابن شقيقى العربى محمد الشوا، شاب عمره 21 سنة كان طالع يدور على لقمة عيش زى كل شباب المدينة».
ملف خاص
المطرية: «مدينة الصيادين المنكوبة» تكتسى بالسواد
«أشرف» يبحث عن شقيقه عن طريق «البر» ووالده يبحث عنه عن طريق «البحر»
وكيل المركب: تعويضات الشئون الاجتماعية لا تكفى تكاليف الجنازة
النيابة تأمر بالتحفظ على «ناقلة الحاويات» المتسببة فى الحادث
مصرع 13 صياداً وإصابة 13 والبحث عن 4 مفقودين فى خليج السويس
«البحر» و«الإهمال» يواصلان حصد أرواح الصيادين