«الخط الساخن لمساندة راغبى الانتحار».. أفلس وأغلق أبوابه

«الخط الساخن لمساندة راغبى الانتحار».. أفلس وأغلق أبوابه
«أنا حامل من أخويا وبفكر انتحر»، «عمى بيعمل حركات زبالة ومحدش بيسمعنى أنا زهقت من حياتى»، جمل لم تكن مستغربة أبداً على الخط الساخن لمساندة المقبلين على الانتحار، الذى أسسته مؤسسة «بى فريندز» الدولية فى القاهرة قبل سنوات طويلة لتوفير الدعم النفسى والمساندة للمنتحرين المحتملين.
أمين عزت، خريج كلية الهندسة، وصانع الأفلام الحالى، كان واحداً من المتطوعين للرد على المكالمات الواردة للخط الساخن، سنة كاملة من العمل قبل أن تشهر المؤسسة إفلاس فرعها بالقاهرة لعدم وجود تبرعات عام 2003، أحد عشر عاماً مرت على التجربة التى لا ينساها «أمين» أبداً، فالأمور التى سمعها عبر الخط الذى عمل عليه لأربع ساعات يومياً كانت كفيلة بتغير طريقة تفكيره حول كل شىء وإدخاله إلى عالم كامل من «الذهول».
«زنا المحارم كان هو الموضوع الرئيسى لأغلب المكالمات اللى بتجيلنا، آباء وأعمام وإخوة، محدش عارف حصلهم إيه دلوقتى»، لم تكن كل المكالمات للمنتحرين، البعض كان يتصل كنوع من «الفضفضة»، والبعض الآخر كان جاداً تماماً بشأن مسألة الانتحار، تجربة جعلت من «أمين» خبيراً بمسائل الانتحار وأسبابه، لا يتلقى أنباء الانتحار المتكررة الآن بذهول، يراها طبيعية وعادية جداً: «إحنا بس مكناش مركزين ومكناش بنسمع عنهم.. هى دى كل الحكاية».
«قررت اتطوع وقتها لأنى فى مرحلة من حياتى كنت محتاج حد يسمعنى وملقتش، لما حياتى استقرت قررت أساعد غيرى، اتدربت على طريقة تلقى الشكوى والمكالمات، كان معانا خبير نفسى بيسمع المكالمة ويساعدنى فى الرد لو اتزنقت أو اتسألت سؤال غريب، أو لو حد انهار.. كل ده معدش موجود دلوقتى طبعاً».
«صديد مجتمعى» هكذا يلخص «أمين» محتوى المكالمات التى كان يتلقاها، أصابه الأمر بالفجيعة، كيف يزنى المحارم ويسرق الأهالى أولادهم، ويبيعون بناتهم، وقتها فقط عرف المرحلة التى تقبل عليها مصر: «كنت فاكر الناس بتهزر، لكن للأسف كل شىء حقيقى بشكل مفزع، من زمان نسب الانتحار موجودة، لكن مفيش إحصائية واضحة تقول كام واحد بينتحر أو أسبابهم فى الانتحار، مسمعناش عن مركز بيدعم الناس اللى حاسة إنها مش قادرة تتحمل الحياة، حتى المركز الوحيد قفل بسبب قلة الدعم».
يؤكد صانع الأفلام الشاب أن الانتحار ليس كما تعرضه الأفلام: «ما بيكتبوش رسالة ويروحوا يبلعوا كام قرص، الموضوع بيكون بسيط جداً، أعرف واحد حاول ينتحر ورمى نفسه من الدور العاشر، لكن كان ليه عمر، وقع على شجرة ومامتش، حكالى اللى حصل وقالى إنه قعد يشرب سيجارة بمنتهى الهدوء، ولما خلصها قام نط من الشباك، بهذه البساطة واخد القرار فى الوعى أو اللاوعى وبينفذ فى ثوانى..».
مع تكرار حالات الانتحار قام «أمين» بتسجيل فيديو به نصائح لمن يعرفون حالات ترغب فى الانتحار ينصح خلالها بأربع نصائح رئيسية: «أول وأهم حاجة عدم الاستهانة بالفكرة، زينب قالت لأصدقائها وبابتسامة هادئة جداً إنها عاوزة تنتحر، محدش صدقها وافتكروها بتهزر، ودى أكبر كارثة، الاستخفاف بشخص عاوز ينتحر لأنه مبتسم أو بيتكلم ببساطة.. ده بيكون أكبر دليل على جديته، تانى نصيحة هى الابتعاد عن الوعظ، الحل مش إننا نتكلم الكلام المعتاد إن الانتحار حرام، لأنهم عارفين كويس المعلومة وتكرارها بيبنى حاجز بين الراغب فى الانتحار والشخص اللى بيتكلم، أما النصيحة الثالثة فهى الإنصات للشخص وعدم الكلام فى النص، أو ملء لحظات الصمت بأى كلام، ولما يخلص كلام ما نسفهش أو نقلل من مشكلته، ولا نضرب له أمثلة عن كوارث عند ناس تانية عشان نبين أن مشكلته صغيرة، إحنا كدا مش بنحل ومش بنساعد أبداً».
العديد من حالات الانتحار مرت به، لكن الأخيرة الخاصة بفتاة قصر النيل كانت الحاسمة بالنسبة إليه: «كله كوم واللى حصل مع البنت دى كوم، لو حضارة مصر اتبنت على ضفاف النيل من آلاف السنين، فهى انتهت على نفس الضفاف مع البنت اللى كانت فى وسط المدينة الزحمة، ومع ذلك تم التحرش بيها وتهديدها بمادة كاوية على مرأى ومسمع من الناس، بدون أى تدخل أو حل إلا إنها ترمى نفسها فتغرق.. شىء مأساوى على المستوى الأخلاقى والدينى والأمنى».