فرحة العيد

يشتاق البشر إلى الأعياد شوقهم إلى لحظة أنس للنفس، وصفاء للروح، وإراحة للجسد.

الشوق الإنسانى إلى الأعياد تجده حاضراً فى الآية الكريمة التى تقول: «قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ».

فالأعياد شهادة على حاجة الإنسان إلى لحظة تنتشله من هموم ومشكلات الحياة، وتخرجه من روتينها المتواصل عبر أيام وشهور العام، وقد ربطتها الآية الكريمة بالرزق والاستمتاع بأطايب الحياة «وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ».

تستطيع أن تظفر بتجسيد لمعانى الفرح والابتهاج المرتبطة بالأعياد من خلال تصفح مشهد العيد كما رسمه فى رواية «خان الخليلى»، بالإضافة إلى روايات وأفلام أخرى عديدة.

وصف عميد الرواية العربية شعور أسرة بسيطة تعيش بحى الحسين ببهجة العيد بدءاً من أذان فجر يومه الأول، ومروراً بأيامه التالية. إنها فرحة تبدأ بعد صلاة الفجر مباشرة، حيث يبدأ أفراد الأسرة فى الاستعداد لأداء شعيرة صلاة العيد، يخرجون إلى الشوارع الغاصة بالمارة، وقد ارتدوا أبهى المتاح لديهم من ملابس. تعلو الأصوات بالتكبيرات وتترنم بالصلاة على محمد وعلى آل محمد وعلى أصحابه وأزواجه وأنصاره، ثم تعود لاستكمال رحلة البهجة بالتهام الكعك فى عيد الفطر، وذبح الأضحيات وطبخ الطعام، لتتنافس الأيدى بعدها على صينية الفتة المصرية الشهيرة. وتتكامل المتعة بعد ذلك فى خروجات العيد وارتياد الملاهى أو السينمات أو المقاهى، فكل يفرح على قدر همته وقدرته.

لم يعش نجيب محفوظ -طيب الله ثراه- حتى يرى الطقوس المخملية الجديدة التى ارتبطت بوجه الفرحة فى أعياد المصريين، واتجاه بعض الأسر إلى السفر وارتياد المنتجعات والقرى السياحية وغيرها للاستمتاع بالعيد فى أجواء أخرى بعيدة كل البعد عما عاينه من مشاهد بسيطة للاحتفال بالعيد عاصرها وصورها على الورق.

ربما كانت الطقوس المخملية قائمة فى عصر نجيب محفوظ، وقد يكون من بين المصريين فى الثلاثينات والأربعينات وما بعدهما من سافر إلى شاطئ الإسكندرية أو غيره لقضاء إجازة العيد، فقد كان هناك بهوات وباشوات وغيرهم ممن يملكون قضاء العطلات فى أفخم الأماكن، لكن نجيب محفوظ شغف بتصوير مشاهد الحياة العادية الشعبية السائدة بين المصريين، وحتى عندما توقف أمام فكرة السفر فى الأعياد، فقد ربطها بتلك العادة المصرية الشهيرة التى يحن فيها الغريب إلى العودة إلى أهله وعائلته ومسقط رأسه مهما بعد عن مكان عمله ليتدفأ معهم ببهجة العيد.

جانب السفر كان ولم يزل حاضراً ضمن طقوس البهجة بالأعياد، بغض النظر عن وجهته أو حكمته.

كل يفرح حسب ظرفه، ويبقى فى النهاية أن المصريين يتشاركون جميعاً فى الفرحة بالأعياد وما يرتبط بها من طقوس تعكس ثقافتهم وقدراتهم، كما أن ثمة إحساساً آخر يتشارك فيه بعضهم فى شعور نقيض بالاكتئاب خلال ساعات نهاره فى أحيان، أو ساعات ليله فى الأغلب. وهو اكتئاب لا أرى له سبباً إلا أن فرحة الروح كثيراً ما يذكرها بأحزانها، كما أن الراحة تذكر بالتعب، والهدوء يذكر بالصخب، وقس على ذلك.

إنها النفس البشرية التى تحتشد بالمتناقضات.