من إدمان الإنترنت إلى أزمة ديزني: ماذا فعل الإنترنت بأبنائنا؟
- الآثار المصرية
- البعثات الأثرية
- الحملة الفرنسية
- الدولة الحديثة
- الطوب اللبن
- المتحف المصري
- المواقع الأثرية
- بعثة أثرية
- تسجيل الآثار
- حديقة الأندلس
- الآثار المصرية
- البعثات الأثرية
- الحملة الفرنسية
- الدولة الحديثة
- الطوب اللبن
- المتحف المصري
- المواقع الأثرية
- بعثة أثرية
- تسجيل الآثار
- حديقة الأندلس
منذ سنوات كنا نستجدي بعض الصمت من أبنائنا لننعم بقليل من الهدوء، أما الآن فأصبحنا نستجدي أطفالنا ومراهقينا، بل وشبابنا وبالغينا، ليرفعوا أعينهم عن شاشاتهم الصماء، ويتواصلوا معنا بقليل من الكلام ومشاركة الأخبار، فيستجيبون قليلا، ويتذمرون كثيرا، وقد لا يلتفتون إلينا أساسا! فماذا فعل الإنترنت بأبنائنا وبنا؟
لا أظن هناك بيتا في مصر، بل وفي العالم لا يعاني من مشكلة ادمان الإنترنت أو على الأقل الإفراط في استخدامه. ومما لا شك فيه أنه أحد الأسباب الكبرى للمنازعات والمجادلات اليومية بين المربين واللأبناء.
ورغم أنه لا يوجد حتى الآن تسمية رسمية لإدمان الإنترنت ضمن الاضطرابات الإدمانية في التصنيفات العلمية الدولية، إلا أن الإنترنت بلا شك يستدعي سلوكيات إدمانية، وقد ضمنت منظمة الصحة العالمية في 2018 أحد أشكاله وهو اضطراب ألعاب الفيديو " "gaming disorder سواء كان عبر الإنترنت أو بدونه في نسختها الحادية عشر من التصنيف الدولي للأمراض " 11th edition of International Classification of Diseases (ICD-11)" كمتلازمة معترف بها إكلينيكيا.
وقبل أن نفكر في الحل، علينا أن نفهم ماذا يفعل الإنترنت بعقولنا. مثل السلوكيات الإدمانية، يؤدي الاستخدام المفرط للإنترنت إلى إفراز هرمون"الدوبامين" في المخ. والدوبامين هو هرمون السعادة والمكافأة والمرتبط بالإدمان والرغبة في تكرار الفعل مما يسبب رغبة في العودة للإنترنت دائما، حتى أن أصحاب الاستخدام المفرط للإنترنت قد يعانون من أعراض انسحاب عندما يبتعدون عنه. وألعاب الفيديو مثلًا تعمل على مركز المكافأة في المخ مما يساعد على إفراز الدوبامين حين يحقق الطفل انتصارا في اللعبة أو يصل إلى مستوى أعلى.
حين كنا صغارا كنا نتقافز كحبات "الفيشار" فوق النار للحاق بموعد تدريب رياضي أو للقاء الأصدقاء، أما الآن فقد نخبرهم بموعد الخروج، فيرفعون أعينهم بتثاقل من خلف شاشات الوحدة والعزلة، ينظرون إلينا بعدم اكتراث معربين عن عدم رغبتهم في الخروج، ثم يعودون لعالمهم المثلج، ناهيك عن قيامنا بدفعهم دفعا من على المقاعد في النادي ليتركوا أجهزتهم ويلعبوا على الأرجوحات.
لدينا دوما ملاحظات على تركيز أولادنا، فهم كثيرو النسيان، لا يستقرون على المذاكرة، دائمو القلق، لا يستمتعون باللعب ولا بالحوار. كم من مرات شعرنا أن عقولهم تحلق بعيدا؟ كم من مرات غضبنا من نسيانهم لأمور هامة كنا نظنها بديهية؟ كم من مرات صرخنا من ضعف تركيزهم؟ فهل للإنترنت دور في هذا؟
بكل تأكيد نحن أمام جيل معذور، مقهور، يقاوم – أو لا يقاوم- مغريات العصر. لذلك لا يمكننا مقارنة طفولة أولادنا بطفولتنا، أو الحكم عليهم وعلى سلوكهم مقارنة بما كنا عليه، فما يواجهونه من تحديات ومغريات لم نكن نواجه حتى نسبة بسيطة منها
فقبل أن نلومهم لابد أن نفهم تأثير الإنترنت عليهم.
إدمان الإنترنت والإفراط في استخدامه يؤدي إلى كثير من المشكلات والتي قد يكون من ضمنها الإصابة بالاكتئاب، الانعزال المجتمعي، القلق والتوتر، الاستغراق بالأفكار وتشتت الانتباه ، عدم السيطرة على الانفعالات، مما قد يؤدي إلى عدم القدرة على إتمام التكليفات الدراسية، ضعف العلاقة مع أفراد الأسرة والأقران، بل والاهتمام بالانترنت على حساب عناصر الحياة الرئيسية كالأكل والنوم والنظافة والحركة. أما المشكلات الجسدية فقد تتضمن الكسل والتراخي، السمنة، ضعف البصر أو السمع، آلام الرأس أوالعنق، فرط حركة، وغير ذلك.
هل يعني ذلك أن نمنع أولادنا عن الإنترنت تماماً؟ وهل أساسا لدينا قدرة على ذلك؟
يرى الدكتور محمد الشامي استشاري الطب النفسي أن استخدام الإنترنت مفيد للأطفال إذا ما تم استخدامه بشكل صحيح من خلال معياريّ المضمون والمدة. ففي فترة الأجازة يجب ألا تزيد المدة عن ثلاث ساعات بحد أقصى لجميع الإلكترونيات بما يشمل التليفزيون والهاتف المحمول والألعاب وغيرهم، وفي الدراسة يجب ألا تزيد عن ساعة أو ساعتين وفقا لظروف المذاكرة.
أما بالنسبة للمضمون فيجب على المربين بذل جهدا لاختيار المحتوى المناسب بأنفسهم ومتابعة ما يراه الطفل حتى لا يتعرض لابتزاز إلكتروني أو محتوى غير مناسب للأطفال وذلك لسن يصل إلى 12 عاما.
ورغم أني شخصيا بخبرتي الضئيلة لا أميل إلى تعريض الأطفال للأجهزة الذكية في سن مبكرة إلا أن الشامي يرى أنه رغم وجود آراء لا تحبذ البدء في استخدام المحمول للأطفال قبل سن 12 عاما، إلا أنه شخصيا يرى أن هذا الأمر يحرمهم من تطور ذهني مطلوب، وأن استخدام المحمول بطريقة صحيحة وتحت إشراف يحسن القدرات الذهنية، وأنه يمكن البدء في استخدام الالكترونيات لمدة نصف ساعة من سن 4 سنوات.
وبسؤال الشامي عن الآثار السلبية للإنترنت ذكر أنها تتضمن الإدمان أو الاستخدام المفرط والذي يؤثر كثيرا على تنمية المهارات الاجتماعية عند الأطفال والمراهقين وإمكانية تكوين أصدقاء، وقد يؤدي إلى تأخر الكلام. بالإضافة إلى التعرض للمواد غير المناسبة كالمواد الإباحية أو الأفكار المغلوطة عن الله وعن الدين أو المعتقدات بشكل عام، أو المواد التي لا تناسب العمر كالإجرام وألعاب العنف، وأيضا تشرب الألفاظ السيئة والسباب من خلال مشاهدة ممارسي الألعاب الإلكترونية والاستماع إليهم في دول أجنبية.
ويرى أنه على الرغم من أن استخدام الانترنت يحسن القدرات الذهنية للأطفال مثلا من خلال القدرة على البحث عن المعلومات، وإرسال الرسائل إلا أنه يعطل جزء من هذه القدرات، حيث أن استسهال الوصول للمعلومة يضيع قدرات أخرى هامة مثل الحفظ للأمور الهامة فما يأتي بسهولة يٌفقَد بسهولة ، والكبار أيضا يقعون في هذه المشكلة. كما تتضمن الآثار السلبية اختلاف الاهتمامات، حيث يركز الطفل على الألعاب الالكترونية وغيرها بدلا من المذاكرة أو الرياضة، فهي الأكثر جذبا له.
والسؤال البديهي الآن كيف نحمي أولادنا من الإنترنت؟ فأولادنا متعلقون بالفعل بالانترنت فكيف نساعدهم على الحد من هذه العادة؟
بداية ً علينا أن نعرف أن العادة تتكون من: محفز، يليه السلوك الروتيني، يليه النتيجة أو المكافأة. وللتقليل من عادة الإنترنت لابد من التفكير في سلوك روتيني بديل يقوم بتوفير نفس المكافأة للمخ بدلا من الإنترنت. ويسمى هذا الأمر المرونة العصبية Neuroplasticity""، فبتغيير السلوك يتم فك الارتباط بين الخلايا العصبية في المخ والتي تؤدي للعادة ويتم تكوين ارتباط عصبي جديد يؤدي لعادة جديدة.
ولتبسيط هذا الأمر، فإذا كان استخدام الإنترنت يؤدي للشعور بالاستمتاع والسعادة، فلابد أن نوفر لأولادنا سلوك بديل يوفر نفس الشعور، مثل الخروج مع الأصدقاء على سبيل المثال. وفي نفس الوقت نتشارك معهم في وضع قواعد لأوقات استخدام الانترنت، أما الاستمرار في توجيوه اللوم والانتقاد فلن يؤدي إلا لمزيد من المشكلات.
وهناك بعض المقترحات التي قد تساعد على الحد من الاستخدام المفرط للإنترنت، وهي بالتأكيد ليست حلول سحرية، ولكنها وسائل مساعدة تستلزم حكمة وصبرا وجهدا ومثابرة وتفاهما مع الأولاد، وقبل ذلك كله الدعاء لله سبحانه وتعالى أن ينجينا وأولادنا من فتن العصر، فنحن علينا السعي والأخذ بالأساب، مع الإيمان بأن النتيجة أولا وأخيرا بيد الله. وفيما يلي قائمة ببعض ما يمكن أن نفعله:
- الحفاظ على نظام تربوي جيد يعتمد على التراحم والتفاهم والاحترام.
- توفير وقت ذي جودة للأطفال والاستماع إليهم ومشاركتهم في أنشطة ممتعة.
- توفير بدائل للأطفال مثل الرياضة والفعاليات المختلفة.
- زيادة التفاعلات الاجتماعية والتجمعات مع العائلة والأصدقاء.
- البحث عن أصدقاء لديهم نفس قواعد استخدام الإنترنت.
- مناقشىة الأطفال والاتفاق معهم بشكل تشاركي على قواعد وتوقيتات استخدام الإنترنت، لجعلهم أكثر استجابة للقواعد عن طريق مشاركتهم في وضعها، والعمل على تطبيق القواعد باستخدام أسلوبيّ الحنان والحزم معاً.
- وضع قدوة للأطفال عن طريق تقليل استخدام الإنترنت، فالأطفال يميلون لفعل ما يفعل المربين وليس ما يقولون.
- تقليل استخدام الإنرنت تدريجيا، والبدء بخطوات صغيرة ، والترحيب والاحتفاء بكل تقدم بسيط.
أعان الله كل أب وأم وكل مربي على مهتمهم الشاقة، والتي تفاقمت في ظل أزمة شركة "ديزني" الأخيرة التي هزت شبكات التواصل الاجتماعي بعد طرح الشركة لفيلم يتضمن اتجاهات مثلية، مما جعل لا مفر من الانتفاض لحماية أطفالنا ومجتمعاتنا من هذه الأفكار الشاذة التي لا يقبلها العقل والمنطق والدين، رغم أنها للأسف قد أصبحت شيئا عاديا في دول غربية تسعى للترويج له وتقبله بشكل قوي منذ سنوات، أما أن يصل الأمر إلى طرح هذه السموم من خلال أفلام الأطفال فهذا يضع عبئا إضافيا على عاتقنا كل للتصدي لهذه السموم ومنعها من الوصول لأطفالنا، واختراق عقولهم وقلوبهم ووجدانهم،عن طريق التحلي بالذكاء والحكمة واليقظة والانتباه، واحتضان الأطفال واحتوائهم بقوة.
كما يضع الأمر التزاما على الدولة والفنانين بالعمل على توفير بدائل لأفلام أطفال ورسوم متحركة وطنية عصرية تجذب الأطفال بما يتناسب والقيم والأخلاق والدين، الأمر الذي بدأه الفنان أحمد أمين بإعلانه إنتاج مسلسل "كرتون" جديد للأطفال ، في ظل القلق الذي نعانيه على ما يقدم لأولادنا من محتوى بدون بدائل تقريبا، وهي مبادرة ممتازة.
أعان الله كل المربين، وحفظنا وأولادنا جميعا.