حلف «الناتو» يعيد صياغة تحدياته الأمنية لعشر سنوات مقبلة.. ويضم الصين لقائمة الدول «الأكثر تهديداً»

كتب: رسالة مدريد: محمود مسلم

حلف «الناتو» يعيد صياغة تحدياته الأمنية لعشر سنوات مقبلة.. ويضم الصين لقائمة الدول «الأكثر تهديداً»

حلف «الناتو» يعيد صياغة تحدياته الأمنية لعشر سنوات مقبلة.. ويضم الصين لقائمة الدول «الأكثر تهديداً»

عبّر اجتماع قادة حلف شمال الأطلسى «الناتو» فى العاصمة الإسبانية، اليوم، عن مرحلة جديدة دخلها العالم، حتى إن القمة وُصفت بـ«الأخطر» منذ الحرب العالمية الثانية، إذ قدم الاجتماع صياغة جديدة لوثيقة التحديات الأمنية خلال العقد المقبل، التى وضعت روسيا على رأس أخطر التهديدات بوصفها التهديد الصريح والمباشر، لكن كانت المفارقة أنه تم ضم الصين ضمن هذه التحديات لأول مرة، فى إطار ما يعرف بـ«المفهوم الاستراتيجى» الجديد.

ووصف الحلف الصين بأنها مصدر من مصادر عدم الاستقرار فى العالم، مؤكداً أنها تسعى جاهدة لتقويض النظام الدولى القائم على القواعد، بما فيها مجالات الفضاء والإنترنت والبحرية، محذراً من مغبة العلاقات الوثيقة لـ«بكين» مع روسيا، وهو الأمر الذى قابلته وزارة الخارجية الصينية بالرفض، وقالت إن الحلف يعمل على تشويه سمعتها، واصفة إياه بأنه أحد مخلفات الحرب الباردة.

وقالت بعثة الصين لدى الاتحاد الأوروبى، فى بيان اليوم: «الناتو يعتبر الصين تحدياً استراتيجياً، وعلينا أن نولى اهتماماً وثيقاً ونرد بطريقة منسقة، وعندما يتعلق الأمر بالأفعال التى تقوّض مصالح الصين، فسنقوم بردود حازمة وقوية».

«مدريد» لا تستبعد التدخل فى مالى.. وبيان شديد اللهجة من بكين

وإلى جانب الموقف من الصين، فإن قمة الحلف فى مدريد كانت لديها مجموعة من الاتفاقات ذات الأولوية، إذ تعهد بمواصلة دعم أوكرانيا فى جهودها لمقاومة القوات الروسية. كما أعلن أيضاً أنه سيعزز قواته للرد السريع فى أوروبا الشرقية، ليزيدها من 40 ألفاً إلى 300 ألف جندى، وأن هذه القوات مستعدة فى أى وقت للرد على أى عمل عسكرى روسى ضد أراضى الحلف.

ولعل هذه التحديثات فى المفهوم الاستراتيجى للحلف تعبر عن المخاطر التى تشعر بها الدول الأعضاء، والتحديات التى فرضتها تطورات الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك تنامى قوة الصين خلال السنوات الأخيرة، ومن ثم جاء الأمر مفهوماً بوضع بكين ضمن قائمة التحديات الأمنية للحلف خلال السنوات المقبلة.

وجاءت قمة مدريد لتمهد الطريق أمام انضمام فنلندا والسويد، بعد التوصل إلى تفاهم مع تركيا بشأن تحفظات الأخيرة، إذ كانت تتهم السويد بتوفير الملاذ لعناصر كردية تصنفها «أنقرة» بالإرهابية، وهو القرار الذى يأتى فى إطار توسع الناتو، ومخاوف هاتين الدولتين من أى عمل عسكرى روسى على طريقة ما جرى فى أوكرانيا.

وعقد ينس ستوتلنبرج، الأمين العام لحلف شمال الأطلسى، لقاء مع رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، لمناقشة سبل دعم أوكرانيا فى مواجهة روسيا، كما أثنى الحلف على دور المملكة المتحدة الرئيسى داخله فى الردع والدفاع. وقال «ستوتلنبرج» إن التركيز سينصب على معالجة التحديات بما فى ذلك أسباب عدم الاستقرار، وتصعيد الحرب ضد الإرهاب، منوهاً بأن مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والصحراء تواجه تحديات أمنية وديموغرافية وسياسية، تفاقمت بسبب تأثير تغير المناخ وانعدام الأمن الغذائى الناجمين عن الحرب الروسية على أوكرانيا.

ويتبنى رئيس الوزراء البريطانى واحداً من أكثر المواقف المتشددة تجاه العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، كما دخل فى مشاحنات كلامية عديدة مع الجانب الروسى، استوجبت على سبيل المثال رداً من الرئاسة الروسية، ساخرة من تصريحات له بشأن قرار الحرب فى أوكرانيا.

كما عقدت جلسة، اليوم، بشأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التى حثت فيها إسبانيا زملاءها الحلفاء فى حلف شمال الأطلسى على النظر فى دور أكبر للحلف فى شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، حيث قال وزير الخارجية الإسبانى خوسيه مانويل ألباريس، إنه «لا ينبغى استبعاد تدخل الحلف فى مالى لمواجهة الإرهاب إذا لزم الأمر، وهو ما يأتى فى ظل مخاوف لدى مدريد وأيضاً إيطاليا بشأن تأمين الحدود الجنوبية لهذه الدول تجاه أفريقيا، وفى وقت بدأ الحلف تركيزه مُنصباً بشكل كبير تجاه الجبهة الشرقية التى تواجه روسيا».

وبناءً على دعوة إسبانيا وبدعم من إيطاليا، فإن الوثيقة الرئيسية الجديدة لحلف الناتو التى تبلغ مدتها 10 سنوات، تشير إلى «المفهوم الاستراتيجى» وأيضاً إلى الإرهاب والهجرة كعناصر يجب مراقبتها، وتشير إلى الجناح الجنوبى كمصدر جديد يمكن أن يقوّض الاستقرار فى إشارة إلى حدود الحلف الجنوبية.

وأشارت وكالة أنباء رويترز، فى تقرير اليوم، إلى أن القوى الغربية تشعر بالقلق من تصاعد العنف فى مالى، حيث يقاتل المجلس العسكرى الحاكم فى البلاد بدعم روسى تمرداً إسلامياً امتد إلى الدول المجاورة فى المنطقة الأفريقية المعروفة باسم الساحل.

أستاذ فى «جورج تاون»: «الناتو» يحتاج إلى استراتيجية دبلوماسية تُنهى حرب أوكرانيا بسبب التداعيات الاقتصادية

وقد كانت قمة الحلف فى مدريد محل كثير من المتابعة والترقب خصوصاً من قبل الكُتاب المتخصصين والمعنيين. وقال تشارلز كوبشان، أستاذ العلوم السياسية الدولية فى جامعة جورج تاون الأمريكية، إن محادثات حلف الناتو كانت مهيأة للتركيز على الجزء السهل فى التعامل مع الأزمة الروسية الأوكرانية بالدفع بمزيد من الأسلحة، لكن الحلف أيضاً يحتاج إلى الذهاب إلى الجانب الصعب، وهو أن يقترن تدفق الأسلحة باستراتيجية دبلوماسية تهدف إلى وقف إطلاق النار والتفاوض لاحقاً بشأن الأراضى الأوكرانية التى دخلتها روسيا.

ويرى «كوبشان» أن الحاجة المُلحة لمسألة وقف إطلاق النار ليست فقط لإنهاء الموت والدمار، ولكن للحد من التداعيات الاقتصادية للحرب، التى يمكن أن تهدد التحالف الأطلسى من الداخل، لافتاً إلى أن الصراع فى أوكرانيا وضع ضمن جدول أعمال الناتو مجموعة من التحديات الإضافية، مثل إدارة مستقبل توسع الحلف والتطلعات الجيوسياسية المتزايدة لأوروبا واستيعاب القضايا الأكثر تعقيداً وتنوعاً التى تواجه الغرب.


مواضيع متعلقة