سيد المليجي يكتب عن هاني شاكر: جناب السفير في مواجهة صبيان «فضة المعداوي»

سيد المليجي يكتب عن هاني شاكر: جناب السفير في مواجهة صبيان «فضة المعداوي»
أول كلامنا عن طفل موهوب جذب إليه الأضواء في وجود عمالقة الطرب العربي، طفل كان يملك جرأة مواجهة نجم الكوميديا إسماعيل ياسين في أوبريت مسحراتي الشيخ رمضان، ويغني خلف عبدالحليم حافظ في حفل تليفزيوني، ويتمرن في السر على أيدي الملحن الكبير محمد الموجي لمدة عامين، ليفاجئ الجميع بأولى أغانيه في حفل لـ فايزة أحمد عام 1972.
هاني شاكر حكاية طويلة مليئة بالتفاصيل التي تنتصر للفن والجمال، حكاية تختصر صفحة مهمة من تاريخ الطرب المصري، وحالة مميزة جعلت من صاحبها «جناب السفير» الذي يمثل دولة الفن، ولا يليق بصاحب هذا التاريخ أن نتركه وحيدا يخوض معارك الفن في مواجهة صبيان «فضة المعداوي»، ولن نسمح بأن يرفع الراية البيضاء، لأنها ستكون نكسة فنية لن نحتمل نتائجها.
أول ظهور لـ هاني شاكر على مسارح ثورة يوليو 1952
هاني شاكر من مواليد ثورة يوليو عام 1952، وبالتحديد في 21 ديسمبر من العام الذي شهد إعادة ترتيب مسرح الأحداث في مصر، ولم يكن غريبا أن يقف على المسرح وعمره 11 سنة، ليردد كلمات شاعر الثورة صلاح جاهين «بالأحضان»، وهي واحدة من المحطات المضيئة في مسيرة الطرب لعندليب الثورة عبدالحليم حافظ، وكان وقتها الطفل الموهوب يتمني أن يتجاهل تعليمات موظفي التليفزيون، ومنظمى الحفل، ليتمكن من تجاوز الخط الذي يقف بمحاذاته ضمن فريق الكورال، ويتقدم إلى صدارة المسرح، ليعانق العندليب، ويبلغه أنه يحبه، ويرغب في أن يصبح مطربا مثله.
هاني شاكر كان موهوبا من يومه، بشهادة مذيعي برامج الأطفال في التليفزيون المصري، وهو ما كان سببا في اختياره للوقوف أمام نجم الكوميديا إسماعيل ياسين في أوبريت «مسحراتي الشيخ رمضان» وكان جزءا من مشروع تبناه ماسبيرو منذ انطلاقه عام 1960 لتوثيق التراث المصري المتمثل في ظاهرة المسحراتي، وتصويره من خلال اعمال لمشاهير الفن.
وكان ظهور هاني شاكر في مباراة تمثيلية وغنائية أمام المسحراتي إسماعيل ياسين لافتا للنظر، لأن الطفل المعجون بموهبة الغناء، كان جريئا في مواجهة نجم الكوميديا وهما يتبادلان مونولوجا حواريا ضمن الأوبريت، وبدأ الطفل وكأنه نجم لا يخشى الكاميرا، ولا ينال من ثباته حجم نجومية الكوميديان الكبير.
أول ظهور سينمائي لـ هاني شاكر
في 5 أكتوبر من عام 1966 كان الطفل هاني شاكر يحفر أولى خطوات الألف ميل في عالم الموسيقى، ولكن عبر الشاشة الذهبية، فقد اختاره المخرج أحمد بدرخان ليؤدي دور فنان الشعب سيد درويش في مرحلة الطفولة، ليجد هاني شاكر نفسه في مواجهة جمهور السينما، ومن خلال فيلم يروي قصة حياة سيد درويش صاحب المكانة المرموقة في تاريخ الموسيقى المصرية، وتمكن الطفل الموهوب من أن ينتزع ابطال الفيلم، هند رستم وكرم مطاوع وزيزي مصطفى.
نجح هاني شاكر في لفت أنظار منتجي السينما، وبدلا من أن يحصل على فرصة واحدة، كان من نصيبه 5 تجارب منحته بريق الشريط الذهبي، عبر أفلام، «عندما يغني الحب» أمام صفاء أبو السعود وعمر خورشيد وعادل إمام عام 1973، وفيلم «عايشين للحب» أمام نيللي ومحمد عوض عام 1974، وفيلم «هذا أحبه وهذا أريده» أمام نورا وسعيد صالح عام 1975، والفيلم الاستعراضي «المصباح السحري» أمام نجوى فؤاد ويونس شلبي عام 1977.
دروس خصوصية لمدة عامين قبل أول أغنية لـ هاني شاكر
كان فيلم سيد درويش هو المحطة الفارقة في مسيرة هاني شاكر الفنية، وبسببه قرر والده الموظف بمصلحة الضرائب أن يدعم موهبته، ويسمح له بالالتحاق بمعهد الموسيقي «الكونسرفتوار»، وبحكم موقعه الوظيفي تواصل مع الملحن العبقري محمد الموجي، عبر صديق مشترك هو الشاعر فتحي الغندور الذي كتب للطفل الموهوب كلمات أولى أغنياته «حلوة يا دنيا»، وقرر الموجي تبني الموهبة الجديدة، وظل يتواصل معه لمدة عامين، وجمعتهما جلسات خاصة كانت أقرب للدروس الخصوصية، ليفاجئ الملايين في حفل مصلحة الضرائب عام 1972 الذي احيته المطربة الكبيرة فايزة أحمد، بالإعلان عن ميلاد مطرب شاب اسمه هاني شاكر، وحصل الوافد الجديد لعالم الأضواء الموسيقية على شهادة اعتماد تاريخية حين بثت الإذاعة المصرية أغنيته «حلوة يا دنيا»، لكن والد المطرب الصاعد الذي خطط لهذه اللحظة كان قد فارق الحياة قبل أن يشاهد تفاصيلها.. ونتائجها.
كان احتفاء الصحف بالميلاد الفني لـ هاني شاكر مبهرا بقدر موهبته، وسرعان ما انتبه له عمالقة الطرب المصري، وأصبح ضيفا على مختلف مناسباتهم الخاصة، ووجد نفسه مطالبا بالغناء للكبار.. ولم يعلم أن رغبات المستمعين في هذه الجلسات كانت اختبارات جديدة، نجح فيها دون أن يعلم تبعات ذلك، لقد غنى هاني شاكر لفريد الأطرش «الربيع»، وغنى لعبدالوهاب «حكيم عيون»، وغنى لأم كلثوم «الأطلال»، وغنى لعبدالحليم «أهواك»، لكن هناك من حول كواليس هذه الحفلات إلى مادة ثرية لمؤامرة وهمية، مستغلا خلاف العندليب والموجي في ذلك الوقت، لتشتعل المعارك الفنية الزائفة، ويضحك في النهاية من كانوا يراهنون على النيل من موهبة جديدة، وتعطيل تجديد دماء القوى الناعمة المصرية، لمصلحة آخرين.
العندليب يغني بصحبة هاني شاكر قبل رحيله بـ 30 يوما
عندليب ثورة 23 يوليو لم يخف شعوره بالضيق لما كتب عن المطرب الموهوب هاني شاكر، لأنه وجد في ما يكتب محاولة للنيل من نجوميته.. بافتعال معارك وهمية، لكنه قرر أن يحسم هذا الأمر، ويستطلع حقيقته بمواجهة المطرب الصاعد، وذهب إليه في أحد فنادق القاهرة التي كان يقدم فيها وصلة غنائية، وجلس بين الجمهور، وحين تأخر المطرب الشاب عن الظهور على المسرح، سأل العندليب عن السبب، فعلم أنه طلب إلغاء فقرته، خوفا من أن يكون ظهوره سببا في إزعاج العندليب.
توجه العندليب إلى كواليس المسرح، وطلب مقابلة المطرب الشاب، وسمع منه كلمات كثيرة، ذكره خلالها بظهوره الأول على مسرح التليفزيون ضمن كورال أطفال أغنية «بالأحضان»، وأمنيته وقتها بأن يصافحه ويحضنه، فقرر العندليب أن يحقق له أمنيته القديمة، وطلب منه أن يغني ليمتع الناس.
بعد أيام قرر العندليب أن يقوم بزيارته الثانية للمطرب الصاعد، وذهب إلى الفندق مبكرا، وجلس على إحدى التربيزات، ثم نهض وظل يسير بين جنبات القاعة، بعدها طلب حضور عمال الصوت، وأجرى اختبارا للميكروفون، وسماعات الصوت، وطلب تعديل أماكنها، وتحول إلى مشرف على الحفل، وخلال قيامه بهذه المهمة، ظهر هاني شاكر على المسرح، فتوجه إليه العندليب.. وجلس على أرضية المسرح، فجلس المطرب الصاعد بجواره، وأمسك العندليب بالميكروفون، وبدأ يغني «كده برضه يا قمر»، وشاركه الغناء هاني شاكر، وتمني المطرب الصاعد وقتها لو كان بإمكانه توثيق هذه اللحظات، خاصة أن العندليب سافر بعدها في رحلة علاجية، وفارق الحياة بعد حوالي شهر.
معارك جناب السفير في نقابة الموسيقيين
لا أحد يختلف على موهبة هاني شاكر، وقيمته الفنية كمطرب حصل على شهادة الاعتماد في زمن عمالقة الطرب، لكن الخلاف حول هاني شاكر بدأ مع تصديه للعمل كنقيب لنقابة المهن الموسيقية.
ولكن النجم الذي خاض معارك الطرب، لم يخش معارك الدفاع عن رموز القوى الناعمة المصرية، ربما تختلف حول طريقته.. وأسلوب أدائه في هذه المعارك، لكن بالتأكيد لن تنكر عليه حسن نيته، ورغبته الصادقة في الانحياز لفن يؤمن به، وبقدرته على التأثير في ضمير المجتمع، ومستقبله.
معارك هاني شاكر داخل نقابة الموسيقيين ليست رغبة شخصية في المنح والمنع، لأنه ليس مبعوث العناية الفنية، بل هي معركة لفرض الشكل المؤسسي في التعامل مع الفن، وتأكيد وجود إطار قانوني حاكم للعلاقة بين المتعاملين داخل منظومة الفن، سواء كان صانع محتوى أو متلقيا.
ما يفعله هاني شاكر داخل نقابة الموسيقيين.. هو محاولة للانتقال من عشوائية الإنتاج.. إلى منظومة راسخة، تصون حرية الإبداع، وتحمي المبدعين، وتفرض سلطان القانون على الجميع، وهي معركة تنتصر لفكرة دولة المؤسسات، التي لا تجري خلف مطرب أو أغنية، طالما لديها كيان ثابت وراسخ.. بحجم ما نمتلكه من ميراث حضاري، وطموح في الارتقاء بالذوق العام.
في عام 2017، قدم شاكر استقالته من منصب نقيب الموسيقيين، حين صادف موجة غضب ضد قراره بمنع حفل وصف وقتها بأنه خارج عن المألوف، ويعتدي على القيم المجتمعية، لكن مجلس النقابة حسم الأمر، ورفض استقالته، واضطر جناب السفير للتراجع.. احتراما لقرار المجلس.
وفي عام 2018، قرر هاني شاكر أن يرد عمليا على من اعتبر أن مسيرته الفنية انتهت، ولم يعد بإمكانه أن يجاري متغيرات الوسط الفني، فقدم أغنيتين (هشكي لمين يا عيني، وعد مني)، وفي عام 2019، أصدر ألبوم بعنوان «خنت نفسي»، وفي العام التالي أصدر ألبوم «بطلب رضاك»، وفي يونيو 2021 أغنيته الجديدة «لو سمحتوا».
منصات تكريم هاني شاكر
مسيرة هاني شاكر الفنية تسع العديد من الجوائز والتكريمات، منها وسام الاستحقاق من تونس، وتكريم فلسطيني عبر شهادة تقدير وجائزة تذكارية قدمها له كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، كما حصل على الوسام العلوي من درجة قائد، وقلده اياه الملك المغربي محمد السادس.
هاني شاكر لم يعد مجرد اسم يمكنك أن تختصره في خانة مطرب مصري شهير، أو نقيب يجلس على عرش دولة الموسيقي والطرب، لأنه فوق كل ذلك واحد من رموز القوى الناعمة المصرية، واسم يحظى صاحبه بمكانة خاصة لدي ملايين العرب، لهذا لا يمكن السماح بأن يخوض معركته وحيدا ضد محترفي تشويه الرموز، ومن يدركون تحطيم الرموز هو أولى خطوات هدم المجتمعات.
اختلفوا مع هاني شاكر كما تشاؤون، لكن لا تهيلوا التراب على الفن المصري، لصالح صبيان «فضة المعداوي»، والباحثين عن تجريد مصر من أخطر أسلحتها.. الفن.