المبادرات الرئاسية للصحة.. نقطة انطلاق!

لا يمكن تقييم حجم الإنجاز الذى حدث فى مجال الرعاية الصحية فى مصر خلال الخمسة أعوام الماضية دون أن نعترف بشفافية كاملة وبتجرد كامل بأن المبادرات الرئاسية كانت هى الركن الأساسى، وربما الأهم على الإطلاق.. بل ربما يمكننا أن نقول إنها أفضل ما حدث فى مجال الرعاية الصحية منذ عقود طويلة على أرض هذا الوادى الطيب.

البداية كانت بمبادرة الكشف وعلاج التهاب الكبد الفيروسى سى.. تلك الحملة التى كان لها الفضل فى السيطرة على أحد أهم وأخطر الأمراض التى كانت تستنزف القطاع الصحى بأكمله لفترة طويلة.. والتى أشاد بها العالم كله باعتبارها نموذجاً مثالياً ينبغى دراسته والاستفادة منه فى كل الدول التى تعانى من الخطر نفسه.

الأمر استمر بعدها لتتعاقب المبادرات المختلفة، ولتستمر الفكرة التى نجحت فى أن تكسب ثقة المريض، وأن تحقق نجاحاً لا يمكن إنكاره.

قيمة تلك المبادرات لم تكن فقط فى الكشف عن الأمراض غير السارية كالضغط والسكر أو القضاء على قوائم الانتظار، أو حتى الكشف المبكر عن سرطان الثدى أو السمنة والتقزم لدى الأطفال وغيرها من المبادرات، قيمتها الحقيقية فى رأيى هى قاعدة البيانات الضخمة التى تمكنت من توفيرها لوزارة الصحة ولكل مهتم بمجال الرعاية الصحية، وهى القيمة التى أعتقد أن أحداً لم يستغلها الاستغلال الأمثل حتى الآن.. وأنه قد آن الأوان لتعظيم الاستفادة منها إلى الحد الأقصى.

فى البداية، ينبغى الإقرار بأن توافر البيانات والمعلومات هو الخطوة الأولى لتحديد المشكلة وتقييمها بشكل سليم، ومن ثم اتخاذ القرار المناسب للتعامل معها، وهو ما يجعل وجود قاعدة بيانات صحية متكاملة أول الطريق لتوفير الرعاية الصحية بشكل متوازن وسليم.

المشكلة أن قاعدة البيانات أصبحت موجودة ولم يتم الاستفادة بها حتى الآن.. لم نرَ بحثاً إحصائياً واحداً يقيّم مدى انتشار مرض السكر فى مصر على سبيل المثال.. وبالتالى يمكنه تحديد حجم استهلاك أدوية السكر وتكلفة تلك الأدوية سنوياً. لم يستغل أحد تلك المعلومات لتقييم مدى احتياج الدولة لمراكز علاج الأورام أو الكلى أو حتى السمنة.

لقد حصلت وزارة الصحة على قاعدة البيانات ولم تشاركها مع أى جهة بحثية يمكنها الاستفادة بها بشكل علمى.. لا تملك كليات الطب بالجامعات المصرية أى وسيلة للحصول على تلك البيانات، ولم يخرج من المركز القومى للبحوث أى بحث يستغل ما حصلت عليه الوزارة لتقييم مدى انتشار مرض بعينه.. أو حتى مستوى استهلاك دواء مزمن.

إن الاستفادة من قواعد البيانات الصحية التى توافرت الآن ربما تحتاج لأن يتم تنظيم مشاركة تلك البيانات مع من يحتاجها من جهات بحث علمى.. على أن يتم استكمال تلك البيانات بما تمتلكه المستشفيات الجامعية من قاعدة بيانات طبية كبيرة، باعتبارها مصدراً مهماً وأساسياً لتقديم الرعاية الصحية على أرض هذا الوطن، بل ربما أتمادى فى الحلم بأن يتم استكمال تلك البيانات بما يمتلكه القطاع الخاص الطبى، الذى يمتلك قاعدة بيانات ليست بالقليلة هو الآخر.

لقد نجحت وزارة الصحة عبر المبادرات الرئاسية فى أن تخطو الخطوة الأولى والأهم فى مجال تقديم الرعاية الصحية على أسس سليمة.. ويبقى أن يتم استكمال الطريق على الدرب نفسه.. أو هكذا أعتقد!