أخشى على الحوار الوطنى من هؤلاء

عماد فؤاد

عماد فؤاد

كاتب صحفي

منذ أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى دعوته للحوار الوطنى، وأنا أعتبرها تمثل منعطفاً مهماً فى مسيرة الدولة المصرية لعدة أسباب، من بينها أولاً: أن تجارب الحوار الوطنى بشكل عام ليست من الآليات المعتادة لإدارة الدول فى كل الأوقات، وثانياً: الدعوة فى حد ذاتها تُعتبر فارقة بين مرحلتين، مرحلة الصخب الثورى التى بدأت منذ يناير 2011، ثم ثورة 30 يونيو، وما أعقبها من تحديات، ومرحلة الاستقرار والانطلاق نحو تأسيس الجمهورية الجديدة، وإعادة بناء مصر كدولة مدنية ديمقراطية حديثة، وثالثاً: الحوار يمكن اعتباره وسيلة مُثلى لإعادة لمّ شمل تحالف 30 يونيو بكل مكوناته بعد تسع سنوات من الثورة تقاطعت فيها السبل بين الحلفاء فى سياق يبدو منطقياً مع مجريات الأحداث، وطبيعة اختلاف الرؤى حول السياسات التى يتبناها نظام الحكم، ورابعاً: سيبدأ الحوار الوطنى وسينتهى حتماً، ووقتها ستتكشف المواقف، وسيعرف المصريون من شارك فى ثورة 30 يونيو عن قناعة بضرورة إنقاذ البلاد من حكم الجماعة الإرهابية، ومن شارك تملقاً لرأى عام كاسح، أو مضطراً رغم تعاطفه مع جماعة الإخوان، وخامساً: سيصل بنا الحوار إلى نتيجة مهمة مؤداها معرفة الأطراف الجادة والجاهزة للمشاركة فى الانطلاقة المأمولة للدولة فى السنوات المقبلة.

كل هذه الأسباب تؤكد أننا «لا نملك ترف فشل الحوار الوطنى»، وتدفعنا لأن نحذر من محاولات إفشاله التى بدأت إرهاصاتها منذ إطلاق الرئيس لدعوته، وكما سيشارك فى الحوار أطراف كثر حريصون على نجاحه، سيشارك أيضاً مَن يسعون لإفشاله عن سوء قصد، ومن سيعرقلونه بسوء الأداء، وأولئك وهؤلاء هم من أخشى منهم على الحوار.

سنجد على مائدة الحوار من يتقمص دور المفاوض الشرس وكأنه فى مواجهة سلطة احتلال، وليس تحت مظلة سلطة وطنية تأكد الشعب كله من مصداقيتها، وسيظهر من يتستر بشعارات ديمقراطية برّاقة، وهو يستهدف فى النهاية إعادة جماعة الإخوان الإرهابية للمشهد العام مرة أخرى، وسيشارك من يرى فى الحوار فرصة لتوجيه رسائله للخارج طمعاً فى تمويل أو دعم سياسى، وسنجد من سيتصارعون لإثبات الذات فى مواجهة بعضهم البعض ولو على حساب جدوى الحوار نفسه، وهناك من يعشقون أضواء الكاميرات وحب الظهور، وكل ما يملكون تقديمه مجرد الاستعراض اللفظى ولو كان بلا مضمون، وسنجد أيضاً من سيدخل الحوار وكل ما يأمله أن «يتخرج» منه زعيماً للمعارضة، والأدهى والأمرّ أننا سنرى من بين المشاركين شخصيات وقامات كبرى كل همها مطاردة المسئولين فى كواليس الحوار «لتخليص» طلبات شخصية -غير مشروعة غالباً- وهذا النموذج تحديداً عانى منه الرئيس السابق عدلى منصور فى حواراته مع قادة الأحزاب والقوى السياسية فى أعقاب الثورة.

واقع الحال أن أحداً لا يملك حق إقصاء أى من أطراف الحوار، ولكن من واجبنا أن ننتبه، وأن تساورنا الشكوك فى نوايا بعض المشاركين ضماناً للنجاح.

وبالمناسبة أسست نظرية الشك للفيلسوف الفرنسى «ديكارت» لمفهوم فلسفى يؤكد أن المعرفة باليقين تمر عبر الشك، ويشبّه «ديكارت» عملية الشكّ بإعادة ترتيب فاكهة التفاح فى السلة، بعدما تم إخراجها منها، وذلك لتمييز التفاح الجيد من غيره وملئها بالتفاح الجيد فقط، والمشكلة أن المطلوب الآن فرز البشر وليس التفاح.

أتذكر بيتاً من الشعر مجهول النسب، وإن حاول البعض نسبته إلى الإمام الشافعى:

لا يكن ظنك إلا سيئاً

إن سوء الظن من أقوى الفطن

ما رمى الإنسان فى مهلكة

غير حسن الظن والقول الحسن