احذروا.. عسل «ديزنى» أصبح سُماً

حسن أبوطالب

حسن أبوطالب

كاتب صحفي

أشفق كثيراً على الأسرة المصرية والعربية فى تنشئة أطفالها الصغار، إذ كيف تواجه الموجات تلو الموجات من قيم الانحلال والانقلاب على الفطرة الإنسانية السليمة بدعوى الحرية، والتى تتسرب عبر وسائل الاتصال وآليات العولمة إلى أبنائنا، والكثير من أسرنا لا تدرى ماذا يشاهد أطفالهم، وكيف يتأثرون بما يرون ويسمعون؟ كما أشفق على تحركات المؤسسات المعنية بالأمومة والطفولة فى تعاملها الضبابى مع القضايا والإشكاليات التربوية التى تصدّرها إلينا المجتمعات الغربية عبر وسائل قوتها الناعمة، من أفلام كرتونية للصغار وبرامج وألعاب، ومنصات تحتوى على قيم وممارسات تتعارض جملة وتفصيلاً مع قيمنا الدينية ومعتقداتنا.

لم تعد عملية نشر الانحلال القيمى مسألة خفية أو تحدث فى غرف مظلمة وفى مجموعات محدودة. الأمور أصبحت معلومة للكافة. تشارك فيها جهات مسئولة ومنظمات ومشرعون وشركات دولية كبرى فى الإعلام والفنون ومنصات الترفيه. كلها ترفع شعارات برّاقة كدعم حقوق الأقليات والمهمشين، ومواجهة التمييز الذى يتعرضون له، والوقوف مع المشاعر والميول والاحتياجات التى يفضلونها لأنفسهم دون تجريح أو لوم، ودفع المجتمع الأكبر لقبولهم كأناس طبيعيين ارتضوا أن يكونوا عابرى الجنسية ومتوحدين ومثليين. شعارات برّاقة لا تخلو من خبث وخبائث لا حد لها.

ما يجرى فى الداخل الأمريكى والأوروبى بشأن تلك المنزلقات الإنسانية لم يعد يخصهم وحدهم، أصبح هَمّ هؤلاء أن يُفسدوا العالم بأسره كما يُفسدون حياتهم بأنفسهم. فى الأيام القليلة الماضية رفعت سفارات أمريكية علم المثليين فى عدة عواصم عربية وأجنبية، فى رسالة عملية أن هذا النهج هو نهج الدولة بأسرها. الدول العربية والإسلامية التى ابتُليت بهذه الواقعة احتجت وفرضت على السفارة أن تزيل هذا العلم البائس فوراً، وسلمتها رسالة أن هذا الفعل مرفوض جملة وتفصيلاً.

هذه الواقعة تتعلق بدور الحكومات والتزامها بأن يراعى الغير تقاليد وثقافة ومعتقدات المجتمع المحلى. ولكن ماذا عن ذلك التحول الكبير فى منصات الترفيه والشركات الكبرى فى صناعة المحتوى المخصص للأطفال والكبار، كديزنى لاند ونتفيلكس وبيكسار وغيرهم، وهم الذين يتمتعون بالتغلغل والتسرب فى عقول ومشاعر المشاهدين بسلاسة فائقة عبر منتجات جذابة وذات سمعة وانتشار لا حدود له. وتماهياً مع اعتبارات الكسب والربح، باتوا فاعلين أساسيين لنشر القيم المناهضة للفطرة لدى الصغار، ويتباهون، كما فعلت المديرة التنفيذية للمحتوى فى ديزنى لاند، قبل عدة أيام، بأن 50 فى المائة من الإنتاج سيكون من الآن فصاعداً مناصراً للقيم المثلية والتحول الجنسى والميول الأحادية.

هذه السياسة المناهضة للفطرة السليمة ليست جديدة لدى ديزنى لاند، فقد سبق أن أنتجت نسخة كارتونية لفيلم الجميلة والوحش الشهير، فى عام 2017، واحتوى دون مبرر على مشاهد مثلية لم تكن فى أصل القصة، وقد منعت دول عربية ومسلمة عرضه، وبينما طالبت بعض الدول بحذف تلك المشاهد غير المبررة لإجازة العرض، تمنّعت الشركة بحجة أنها تمارس حقها فى نشر ما تعتقد أنه الصواب ويحقق العدالة. وفى العامين الماضيين قامت الشركة بدعم حملة مناهضة لقانون اعتمدته ولاية فلوريدا يرفض تلك الممارسات ومن يعمل على نشرها.

وفى حينه هددت الشركة بمنع تبرعاتها للمشرعين الذين ناصروا القانون إن لم يغيروه. وهو ما اعتبرته المنظمات الداعمة لتلك الممارسات البائسة انتصاراً كبيراً لها، باعتبار أن ديزنى شركة كبرى تستحوذ على عقول الأطفال والنشء من خلال منتجاتها المعروفة، باتت نصيراً لهم.

وفى تغطية سريعة لرد فعل أمهات مصريات على تصريح مديرة ديزنى المسموم، نشره موقع الوطن يوم السبت الماضى، ذكرت الأمهات ثلاث أفكار مهمة، أولاها مقاطعة منتجات ديزنى لاند، والثانية نشر الثقافة الجنسية لدى الوالدين لكى يتمكنا من الحوار مع أطفالهما حول هذه الأمور الحساسة برشد وعقلانية مع مراعاة قيمنا الدينية، والثالثة أن يلتزم الوالدان ويحرصا على مراقبة أى محتوى يتعرض له الأطفال بحيث يحدان من أى أثر سلبى أولاً بأول. والأفكار الثلاث متكاملة وتضع مسئولية كبرى على الأسرة وعلى المؤسسات التعليمية والإعلامية المعنية بالتربية وتنشئة الأطفال فى المراحل العمرية المختلفة. لكن يظل السؤال: كيف يتم ذلك، وهل هناك اقترابات أخرى؟

من بين الأفكار التى ذُكرت وتتطلب دراسة نظراً لأهميتها وضرورتها، ما طرحته الأستاذة فاطمة المعدول، كاتبة القصص الموجهة للأطفال فى سن التكوين والمعنية بأدب الطفل، حيث طالبت بإنشاء قناة تُخصص للطفل وتقدم له المواد الترفيهية والتربوية المناسبة، وبما يساعد على توفير منصة تغنى الأسرة المصرية والعربية عن اللجوء إلى المنصات والمواقع الغربية بكل ما فيها من محاذير ومخاطر.

وهى فكرة ومطلب جاد موجَّه للحكومات العربية بأسرها ولكل المعنيين بتربية النشء تربية سليمة، كما هى موجهة للمؤسسات المصرية والعربية الخاصة بالأطفال وحقوقهم وبالأسرة ودورها فى الحفاظ على قيم المجتمع ومعتقداته.

وكم نتطلع إلى مثل هذه القناة بدعم حكومى ومن القطاع الخاص ومن المؤسسات الدينية، وبدون أن يكون عامل الربح هو الأساس الوحيد فى عمل مثل هذه القناة، وأن يجتمع المعنيون بالطفولة والأمومة الموثوق بهم وفى علمهم وتجربتهم العملية، وهم كثر فى بلادنا والحمد لله على صياغة وثيقة تحدد معايير عمل هذه القناة وكيف تُترجم إلى منتج ومحتوى جاذب وراقٍ، يمزج بين الترفيه والتعليم، ويعين الأسرة المصرية والعربية على تنشئة أجيال رشيدة وعقلانية، وقادرة على التفرقة بين ما هو طيب مقبول وما هو خبيث مرفوض.

تربية النشء فى زمن العولمة والاتصالات المفتوحة وأجهزة الهاتف المحمول وشبكة المعلومات ليست هى التربية التى نشأت عليها الأجيال الأكبر التى يزيد عمرها على أربعة عقود، حيث كان تأثير العوامل المذكورة إما غير موجود أو فى بدايته الأولى الأقل تغلغلاً فى حياة الأفراد والمجتمع معاً. الأمر الآن بحاجة إلى تضافر جهود كل المؤسسات الحكومية والمدنية والدينية والإعلامية جنباً إلى جنب الأسرة نفسها.

مجتمعنا المصرى بحاجة إلى حوار جاد ومعمَّق حول سبل التربية الحديثة بشقيها؛ إتاحة مساحة أكبر للتفكير العقلانى لدى النشئ، وثانياً تعميق الثقافة والقيم لديهم والتى لا يمكن التخلى عنها تحت أى ظرف من الظروف، وبما يعمق الفطرة السليمة لديهم، كمعيار أساسى فى تقييم والتعامل مع أى وافد فكرى أو سلوكى من قبَل الآخر أياً كان مضمونه وأياً كانت وسيلته. وبالتالى يصبح الطفل والولد والشاب المصرى العربى المسلم والمسيحى قادراً على الصد الذاتى لكل ما هو مناهض لدينه ومجتمعه وإنسانيته السليمة.