الموظفون المدمنون!
نشرت بعض الصحف والمواقع العالمية والعربية والمصرية تصريحات للسيد مساعد وزيرة التضامن الاجتماعى ومدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى عمرو عثمان يقول فيها: «إن مخدر الحشيش هو الأكثر انتشاراً بين موظفى الجهاز الإدارى للدولة الخاضعين للكشف عن تعاطى المخدرات، يليه الترامادول ثم الهيروين، علاوة على وجود حالات تعاطٍ متعدد لأكثر من مخدر»!
قال أيضاً إن أكثر من ١٨٠٠ مريض من العاملين بالجهات الحكومية والمرافق الحيوية والجهات الخدمية تقدموا طواعية خلال الثلاثة أشهر الماضية للعلاج من الإدمان، بينما خضع نصف مليون موظف خلال السنوات الثلاث الماضية للكشف عن تعاطى المخدرات، حيث انخفضت نسبة التعاطى من ٨٪ فى مارس ٢٠١٩، حتى وصلت مؤخراً إلى ١٪. فى عام ٢٠٢١، تلقَّى الخط الساخن لوزارة التضامن ٩٥٠٠ اتصال من موظفين راغبين فى العلاج من الإدمان طواعية.
الحقيقة أن هذه الأرقام وتلك البيانات التى نشرتها وزارة التضامن، ممثلةً فى صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، هى أرقام مخيفة وصادمة وموجعة، وهى تعنى أن المخدرات لم تعد منتشرة فى أوساط الشباب أو الحرف اليدوية، لكن انتشارها بين العاملين فى قطاع الدولة، وأنه ليس انتشاراً محدوداً، بل على نطاق واسع -حسب الأرقام المعلنة- وتلك مصيبة كبرى تفسر لنا الكثير من المساوئ والسلبيات والأداء الردىء للمؤسسات الحكومية والخدمية، التى كنا نلمسها عن قرب على مدى سنوات وعقود، ونفسرها بسوء الحالة الاقتصادية حيناً، وتردى المناخ العام حيناً آخر، وتركنا فيهم الكثيرون يهملون ويفسدون وينشرون فسادهم، بل وأصبح فتح أدراج مكاتبهم أمراً عادياً ومقبولاً ومتعارفاً عليه، والعبارة التقليدية أن مرتباتهم لا تكفى، بينما هم فى معظمهم يمارسون العجرفة والتعالى وسوء المعاملة مع خلق الله!
كل التفسيرات كانت تذهب دائماً لصالح الموظف الذى غالباً ما تتبع وظيفته كلمة «الغلبان»، وهى كلمة قاسية ليس لها مثيل سوى فى بلدنا، بعد أن سمعنا عن أسلافنا يرددون المثل الشعبى: «إن فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه». ولقد رصدت السينما المصرية فى ثلاثينات القرن العشرين من خلال فيلم «العزيمة»، الذى يؤرخ لأزمة الموظفين والمكانة الاجتماعية الرفيعة للموظف، وطموح الشباب للالتحاق بوظائف الدولة، كما نرى إلى اليوم الموظف فى العالم من حولنا هو الأعلى مكانة وقيمة.
إذن لو لم يتم تعديل القانون ليجبر الموظف على الفحص، ويلزم الموظف المدمن بأن يتقدم للعلاج أو يبلغ عنه أحد أقاربه، حتى لا يتعرض للفصل، وأن يتم عمل مسح لكل الموظفين بإجراء هذا الفحص، لولا هذا لكانت مصيبتنا أكبر، ولكانت هذه الكارثة قد استمرت، ولا يعلم سوى الله نتائج استمرارها!
السؤال الآن: هل هذا الفحص يتم بصورة دورية أم هو لمرة واحدة؟ وهل المتعافون ينتهى فحصهم بانتهاء علاجهم أم يستمرون تحت الملاحظة؟ وماذا عن جزاء من يعود للإدمان؟
الحقيقة أن هؤلاء الذين ثبت إدمانهم لا أشعر تجاههم بأى تعاطف، فهؤلاء فى الغالب هم من أفسدوا الجهاز الإدارى للدولة، وهم أنفسهم من نكَّلوا بالمواطنين وأساءوا معاملتهم، وربما ارتشوا فلا يمكن لمرتباتهم أن تشبع أمزجتهم، على كلٍّ إذا كانت الدولة قد ارتأت أن تحتفظ بهؤلاء فعليها أن تتأكد أولاً أنها تحمينا منهم ومن سوء أفعالهم.