نحو قانون أحوال شخصية متوازن

مساء يوم الثلاثاء الموافق العاشر من مايو 2022م، وخلال مداخلة هاتفية ببرنامج صالة التحرير مع الإعلامية عزة مصطفى، على قناة صدى البلد، أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن:

- نسب الأسر المسجلة لحالات انفصال زادت بشكل كبير آخر عشرين عاماً.

- الأحوال الشخصية من أخطر القضايا، وتؤثر على تماسك المجتمع ومستقبله.

- مشاكل الأحوال الشخصية ستدفع الشباب للعزوف عن الزواج وتكوين أسر.

- الدين يضع الضمير عاملاً من عوامل الضبط، وهذا لا يغيب إجراءات الدولة.

- سنحاسب أمام الله عن الملف؛ قضاة ودولة ورئيس وحكومة وبرلمان وأزهر.

- نحتاج إلى مناقشة قضايا الأسرة بأمانة وحيادية، دون مزايدة.

- إعداد قانون أحوال شخصية متوازن يحقق العدالة للجميع خلال أيام.

- كل مؤسسات الدولة والمجتمع عليها التكاتف لإعداد قانون متوازن.

وتجاوباً مع تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى، أعلنت رئيس المجلس القومى للمرأة أن المجلس بذل جهوداً كبيرة على مدار ست سنوات، حيث تم التوصل إلى مجموعة من المحددات والمتطلبات التى يرى المجلس من الضرورى تضمينها فى «قانون الأحوال الشخصية» أو «قانون الأسرة» الجديد. وأحد هذه المحددات أو المتطلبات التى يحرص عليها المجلس القومى للمرأة هو «الحفاظ على مادة الخلع بنصها الحالى فى القانون، وعدم تعديل حكم الخلع باعتباره طلاقاً بائناً وليس فسخاً لعقد الزواج».

والواقع أن الخلع منصوص عليه فى المادة العشرين من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000م، والتى تخول «للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع، فإن لم يتراضيا عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلبه وافتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية وردت عليه الصداق الذى أعطاه لها، حكمت المحكمة بتطليقها عليه. ولا تحكم المحكمة بالتطليق للخلع إلا بعد محاولة الصلح بين الزوجين، وندبها لحكمين لموالاة مساعى الصلح بينهما، خلال مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر، وعلى الوجه المبين بالفقرة الثانية من المادة (18) والفقرتين الأولى والثانية من المادة (19) من هذا القانون، وبعد أن تقرر الزوجة صراحة أنها تبغض الحياة مع زوجها، وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض. ولا يصح أن يكون مقابل الخلع إسقاط حضانة الصغار، أو نفقتهم أو أى حق من حقوقهم. ويقع بالخلع فى جميع الأحوال طلاق بائن. ويكون الحكم -فى جميع الأحوال- غير قابل للطعن عليه بأى طريق من طرق الطعن».

والخلع يستند إلى العديد من النصوص الشرعية، من الكتاب والسنة. فإذا كانت الشريعة الإسلامية قد خولت للرجل حق الطلاق، فقد جعلت فى مقابل ذلك «الخلع» حقاً للمرأة، بحيث تفتدى نفسها إذا ما كرهت زوجها وخافت ألا توفيه حقه. فلما جعل الله سبحانه وتعالى الطلاق فى يد الرجل، يستطيع أن يلجأ إليه كعلاج أخير يتخلص به من زواج رأى أنه لم يؤدِّ الغرض المقصود منه، فإنه فى الوقت ذاته أعطى المرأة هذا الحق فى أن تتخلص من زواجها إذا رأت أنه لم يؤدِّ الغرض المقصود منه، وذلك بالخُلع، لتكون الحياة الزوجية قائمة على الحرية فى نشأتها، وفى استمرارها. فليس من المعقول، ولا من العدل، أن تشعر امرأة بالنفور من زوجها لأى سبب، ثم تُرغم على المعيشة معه، لأن حياة زوجية بهذا الشكل لا خير فيها، للزوجين أو للمجتمع.

والدليل على جواز الخُلع من القرآن الكريم قول الله سبحانه وتعالى فى سورة البقرة، الآية 229: «وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ الله فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ الله فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ». أما الدليل من السنة النبوية المطهرة، فقد روى عن ابن عباس، رضى الله عنهما، قال: «إن امرأة ثابت بن قيس أتت النبى، صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه فى خلق ولا دين، ولكنى أكره الكفر فى الإسلام، فقال رسول الله: أتردين عليه حديقته؟، قالت: نعم، قال صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة». وفى كتاب «الإصابة فى تمييز الصحابة»، ذكر ابن حجر العسقلانى أن جميلة بنت أُبىّ بن سلول كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، فنشزت عليه، فأرسل إليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: «يَا جَمِيلَةُ، مَا كَرِهْتِ مِنْ ثَابِتٍ؟»، فقالت: والله ما كرهْتُ منه شيئاً إلا دمامته، فقال لها: «أتَرُدِّين عَليه حَدِيقَتَهُ؟»، قالت: نعم، ففرَّق بينهما، وثابت بن قيس خزرجى أنصارى شهد أحداً وما بعدها، من أعيان الصحابة، كان خطيباً للأنصار، وشهد له النبى بالجنة، ويقال إنه، رضى الله عنه، كان قصير القامة شديد السواد.

وحكم الخلع هو نفس حكم الطلاق، مُباح ولكنه مَبغوض، وقد نهى الشارع عنه إذا كان لغير سبب غير رغبة الزوجة فى فراق هذا وتزوُّج ذاك. ولذلك قال النبى، صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة اختلعت من زوجها بغير نشوز، فعليها لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، المُختلعات هنَّ المنافقات». والخوف من ترك إقامة حدود الله، إما بأن يكون الزوج سيئ الخلُق، فيفضى ذلك بالزوجة إلى عدم إقامة حدود الله فيما ألزمت به من حقوق الزواج، وإما بأن تكون الزوجة مُبغضة لزوجها، فيصعب عليها حسن العشرة.