التنمية المستدامة.. نحن أولاً

يرى كثيرون منا، إن لم يكن جميعنا، أن التنمية المستدامة مقصدها الرئيسى هو حماية حق الأجيال المقبلة فى أن تعيش حياة كريمة، ولكن هذا الاعتقاد السائد، رغم وجاهته، قد يحمل بين طياته بعض القصور فى الإدراك، وربما ينجم عنه خلل فى الخطط وسياسات تحقيق أهداف التنمية المستدامة، نظراً لأن البعض يظن أن الجيل الحالى ما زال بمنأى عن التهديد، طالما أن الأمر يتعلق بغيره من أجيال مقبلة.

ولذلك، يتوجب علينا أولاً أن ندرك أن هناك فارقاً جوهرياً بين التنمية المستدامة كمفهوم عرفه العالم فى سبعينات القرن الماضى، وبين الأهداف الـ17 للتنمية المستدامة، التى أقرها قادة العالم فى شهر سبتمبر من عام 2015، وتتضمن غايات محددة ينبغى على العالم العمل معاً على تحقيقها بحلول عام 2030، أى فى غضون 15 عاماً فقط من إقرارها.

فالتنمية المستدامة، التى جاءت امتداداً لمفاهيم أخرى مثل التنمية الشاملة والتنمية المتواصلة، تعنى أنه عندما تضع الحكومات خططها وبرامجها لتحقيق تنمية اقتصادية، بمختلف قطاعاتها، عليها ألا تغفل البعد الاجتماعى، سعياً لتحسين حياة السكان، خاصةً فى المجتمعات المحلية، إضافة إلى البعد البيئى، بما يضمن حسن استغلال الموارد الطبيعية وعدم إهدارها، ولعل هذا هو المقصود بالحفاظ على حق الأجيال المقبلة فى الاستفادة من هذه الموارد.

أما أهداف التنمية المستدامة، التى تعنى بالتصدى لكثير من التحديات التى تواجه سكان الأرض، سواء أبناء الجيل الحالى أو الأجيال المقبلة، فقد وضعت إطاراً زمنياً حتى عام 2030، لتغيير واقع كثير من المجتمعات التى تعانى مشكلات تنعكس على نوعية الحياة، مثل الفقر والجوع ونقص إمدادات المياه وخدمات الصرف الآمنة وعجز الخدمات الصحية، وغير ذلك من التحديات، التى يجب العمل للقضاء عليها تماماً، أو على الأقل الحد من تداعياتها بنسب محددة.

فعلى سبيل المثال، يتضمن الهدف الأول، الخاص بالقضاء على الفقر، العمل على تخفيض نسبة من يعانون الفقر بجميع أبعاده بمقدار النصف على الأقل، بحلول عام 2030، مع الأخذ فى الاعتبار أن نحو 800 مليون شخص، فى الوقت الراهن، يعيشون على أقل من 1.25 دولار يومياً، ما يعنى أن هذا الهدف يعنى فى الأساس بالتصدى للمشكلات الناجمة عن الفقر للجيل الحالى وليس فقط للأجيال المقبلة.

كما أن الهدف الثانى، الذى يعنى بالقضاء على الجوع، يلفت الانتباه إلى أن نحو 821 مليون شخص من أبناء هذا الجيل، من ضمنهم 90 مليون طفل، يعانون سوء التغذية، ولذلك يسعى هذا الهدف إلى ضمان حصول الجميع على ما يكفيهم من الغذاء الصحى والآمن طوال العام، بحلول 2030، وهذا يؤكد أيضاً أن هذه الأهداف أول ما تسعى إليه هو إنقاذ جيلنا الحالى، وليس فقط الحفاظ على حقوق الأجيال المقبلة.

ورغم أن أهداف التنمية المستدامة ليست ملزمة قانونياً، فإنه من المتوقع، قبل نهاية الفترة الزمنية المحددة لتحقيق ما جاء فى هذه الأهداف الـ17، أن يجتمع قادة العالم مجدداً لتقييم ما تم تحقيقه، والاتفاق على مجموعة أخرى من أهداف التنمية المستدامة لما بعد 2030.