ملفات فى انتظار اتحاد الصحفيين العرب

لينا مظلوم

لينا مظلوم

كاتب صحفي

مبادرة اتحاد الصحفيين العرب عقد مؤتمر يعرض اتخاذ قرارات تصعيدية لمحاسبة قتلة الإعلامية شيرين أبوعاقلة ومطالبة إخضاعهم لمحاكمة دولية هى رد فعل إيجابى ومطلوب. فى ذات السياق يبدو تصريح رئيس الاتحاد «اتحاد الصحفيين العرب سيكون دائماً صوتاً مهنياً عروبياً جريئاً يخدم جميع الصحفيين» بحاجة إلى مراجعات ومبادرات شجاعة تتحرر من قيود البيروقراطية والجمود بما يعكس صدق التصريح ودور الاتحاد فى تبنى أوضاع الصحفيين العرب فى مختلف دول المنطقة. أمام كل المتغيرات الدولية التى ألقت بظلالها على المنطقة، بالإضافة إلى كل ظروف الصراعات والتحولات السياسية التى استجدت عبر العقود الماضية فى عدد من الدول العربية، لا يبدو منطقياً بقاء المؤسسات والاتحادات تحت أسر قيود عفا عليها الزمن، تحديداً تلك المعنية بمهنة تفرض طبيعتها الحراك المستمر وفق متغيرات الحدث وعلى رأسها الصحافة. لذا من الطبيعى ظهور عدة ملفات مستجدة يستدعى الاقتراب منها فكراً جديداً لا يقتصر على التواصل بين النقابات الصحفية داخل دولها.. بل أصبحت تقتضى عملاً جماعياً يواكب بجرأة واقع الصحفيين العرب على الأرض.

منذ إنشاء اتحاد الصحفيين العرب عام 1964 حتى اللحظة، ظل «المولود» داخل قالب الأطر والقوانين المحددة لعمله دون أن يتطور نمو هذا الكيان النقابى، الذى اكتفى بدور إدارى لا يخرج عن إطار التواصل الروتينى بين النقابات الصحفية دون أى مبادرة لمواكبة متغيرات نقلت المنطقة من «حال» إلى «أحوال»، أو حتى إعادة نظر فى بعض قوانين فاقدة للصلاحية ارتبطت به كاتحاد عربى معنى بمهنة تقوم على حيوية الحراك الدائم وتأثر طبيعة العمل الصحفى بما يحيطه من أحداث. نصوص قوانين اتحاد الصحفيين العرب التى تقصر عمله بين نقابات الدول الأعضاء لم تعد صالحة للتطبيق فى ظل الواقع الحالى، بل إنها أفقدت الاتحاد آلية القيام بالدور الذى عبر عنه تصريح رئيسه، ولن يترجم إلى واقع إلا بكسر جمود قوانين لم تعد تصلح أمام متغيرات سياسية وأمنية فرضت تبعاتها إعادة توزيع التركيبة السكانية بين عدد من دول المنطقة منذ الغزو الأمريكى للعراق وامتداد مساحة الصراعات إلى عدة دول، ما دفع عدداً كبيراً من الصحفيين والإعلاميين للبحث عن ملاذ آمن فى دول عربية أخرى -على رأسها مصر- يتيح لهم ممارسة المهنة.. إما هرباً من ظروف أمنية متردية أو إصرارهم على التعبير عن آرائهم المستقلة بعيداً عن الترهيب والاغتيال.

الاتحاد اكتفى بتجميد قوانين تأسيسه عند مرحلة الستينات التى ربما كانت موائمة لتلك المرحلة، لكن اعتبار هذه القوانين نصوصاً مقدسة لا يجوز مراجعتها وفق التطور الزمنى لا يبدو موضوعياً.. والسؤال هنا، هل ينتظر الاتحاد المزيد من معاناة آلاف المهاجرين من أبناء المهنة الذين لا يجدون أى مظلة أو مؤسسة تحتويهم وتعترف بهم؟! ألم يحن وقت المراجعة من قيادات حازمة ومهنية لاستحداث آلية منح عضوية الاتحاد لهذه الأعداد الكبيرة شرط التحقق من جدية ممارسة المهنة حتى وإن كان ذلك عبر اشتراك سنوى مقابل بطاقة انتساب تمثِل اعترافاً بمهنة الصحفى فى البلد المضيف. تحول كل التصريحات التى ذكرت فى المؤتمر إلى واقع إيجابى لن يحدث إلا باستحداث بنود مضافة إلى قوانين الاتحاد لخدمة صحفيين فى انتظار مبادرة جريئة تزيل عن اتحاد الصحفيين العرب تراكمات البيروقراطية.

تألق مهنة صاحبة الجلالة ينبع من المرونة فى آلية العمل وحرية التعبير فى إطار الصالح العام الذى يدعو إلى البناء وليس الهدم والفوضى.. إذا كان التغيير هو طبيعة الكون، فهو بمثابة «الأوكسجين» الذى يغذى الدماء فى شرايين المهنة ما يفرض طبيعة خاصة على قوانين أى اتحاد يرتبط بمهنة الصحافة والإعلام. الهدف بالتأكيد لا يمس خرقاً أو تجاوز قوانين، لكن فى إطار كل المبادرات التى تقودها مصر بحكمة بالغة لتقريب المواقف العربية والتحالفات الاقتصادية والأمنية والسياسية الدائرة حالياً، لا يبدو مقبولاً اكتفاء اتحاد الصحفيين العرب بدور المراقبة دون مراجعة تفعيل دوره وفتح الملفات المعنية بشئون الصحفيين العرب المقيمين خارج دولهم، خصوصاً أن بعض النقابات فى دول عربية تعيش فى وادٍ منفصل تماماً عن مواطنيها فى الخارج.