الأحزاب والحوار.. الأزمة.. الفرصة.. الحل!
لا يمكن تخيل أنه من السهل الحصول على أرقام الصادرات المصرية بالدولار وبالعملات الأخرى.. وأنه من الممكن الحصول على آخر إحصائيات التعداد السكانى فى مصر بكل تفاصيلها من البنين والبنات والمحافظات وغيرها.. ومن المتاح الحصول على أرقام الواردات المصرية وكذلك تفاصيل معدلات التضخم العام والسنوى من مصدريه الأساسيين الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء ومن البنك المركزى.. لكن من الصعب أن تجد مصدراً واحداً معتمداً يمكن أن يوفر لنا أو لغيرنا قائمة نهائية وأخيرة بعدد وأسماء الأحزاب المصرية!
هذا الأمر يعكس مشكلة الأحزاب والتعدد الحزبى فى مصر.. منذ عادت التجربة الحزبية فى مصر منتصف السبعينيات وحتى اليوم.. عادت بلا مصداقية ولا إرادة حقيقية لإقامة تجربة جادة.. واستمرت فى الثمانينيات والتسعينيات بمنطق الحزب ليس سوى مقر وصحيفة لا يقدم ولا يؤخر بل جزء من ديكور عام يجمل ويكمل شكل النظام السياسى إلى سنوات الانكشاف الكبير بعد ٢٠١١ ثم حالة تكاثر الأحزاب وانشطار التيارات السياسية إلى عدة أحزاب لا فرق جوهرياً بينها إلى الميراث الثقيل الذى انتقل إلى ما بعد ٢٠١٤!
اليوم أحزاب غير معروفة الاسم، ولو عرفت لا تعرف رئيسها، وإذا عرفته لا تعرف القيادات العليا للحزب ولا هيئاته وتشكيلاته، وإذا عرفتهم لا تعرف صحيفته وإذا عرفتها لا تعرف المقر الرئيسى العام للحزب وبالتالى تبدو الأحزاب كأنها دخان نطارده ونبحث عنه!
وبين كل ذلك هناك أحزاب حقيقية تمتلك برامج ورؤى ولكن تفتقد الإمكانيات التى تؤهلها لممارسة دورها الطبيعى والفاعل والمؤثر فى الحياة السياسية.. فلا قدرة على إصدار صحف ولا حتى مواقع صحفية إلكترونية ولا الإنفاق على مؤتمرات أو طباعة برنامج الحزب ولا قدرة حتى على عمل جماهيرى خدمى كالتشجير أو القوافل الطبية أو المجموعات التعليمية وغيرها!
وفضلاً عن ذلك يوجد عدد من الأحزاب منقسم على نفسه وتجمد قانونياً بفعل ذلك.. وبعضها لا تعرف هل هو مجمد أم غير مجمد بفعل العدد الكبير من القضايا والأحكام أو بفعل وجود أكثر من مقر يمارس كل فريق عمله من مقره وكل منهم يقول إنه الحزب وأنه الممثل الشرعى والقانونى وكل منهم -أحياناً- يمتلك أحكاماً قضائية تعزز موقفه وكل منهم يتلقى دعوات من هنا ومن هناك بالمشاركة فى مناسبة حزبية أو مؤتمر سياسى لأحد الأحزاب الأخرى التى تعترف بجبهة من جبهات الحزب!
وهناك أحزاب تمارس العمل السياسى بشعار رفع أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات فيما سمى «الأمر الواقع» كالحزب الشيوعى المصرى حيث كان ممثلوه يشاركون الأحزاب المصرية كل فعالياتهم بما فيها أحزاب أقصى اليمين التى ليست فقط تختلف مع «الشيوعية» إنما تعاديها.. حيث جلس الراحلان أحمد شرف وإبراهيم بدراوى ممثلا الحزب الشيوعى المصرى جنباً إلى جنب مع ممثلى حزب الوفد وكافة الأحزاب الليبرالية فى مناسبات عديدة على اعتبار أنه آن أوان الاعتراف الديمقراطى بكل القوى السياسية فى مصر دون شروط.. لكن تعود مثل هذه الأحزاب تتصادم فى وجودها الرسمى والقانونى مع لجنة شئون الأحزاب التى ترفض تأسيس أحزاب على أسس عقائدية طبقية وترفض الشيوعى المصرى على أنه حزب للطبقة العاملة وحدها ويدعو للصدام مع باقى الطبقات!
وهناك نوع رابع من الأحزاب فى عداد الأحزاب المفقودة كحزب العمل! لا تعرف هل عاد إلى الحياة السياسية أم لم يعد!
على كل حال.. هذه الصورة التى تبدو سلبية لا ذنب للأحزاب الحالية فيها.. هذه الأوضاع كلها موروثة من عهود سابقة كانت تزعم شيئاً وتمارس شيئاً آخر.. دون مراعاة لمستقبل البلاد وبغير إيمان حقيقى بأهمية وجود معارضة سياسية تقدم كوادر للعمل العام.. وتقدم رؤى للوطن متى احتاجها وجدها.. ولا كونها تراقب لتصحح وليس لتتهجم ولتهدم!
الآن.. نقف أمام فرصة تاريخية لتجاوز كل هذه المشكلات.. والفرص التاريخية أحياناً لا تتكرر وأحياناً يتأخر تكرارها.. والتجربة تقول إن المهام الكبيرة تعرف رجالها وتناديهم.. وإن التحديات الكبرى تفجر الطاقات المكافئة لها.. واليوم الجميع أمام مسئولياته.. واليوم يوم الخبرات والكفاءات.. اليوم يوم الكوادر الحقيقية.. ليس اليوم يوماً للخطابة والميكروفونات.. ولا للتصوير أمام الكاميرات.. وهو قبل كل ذلك يوم للوطن.. يتطلب إنكار الذات.. والتحلى بالتواضع.. ولذلك نقترح طالما لم تتمكن الأحزاب من القيام بالاندماج بين الأحزاب المتشابهة فى الأفكار وتقديم حزب واحد للمجتمع كبير ومؤثر.. فعلى الأقل تنسق هذه الأحزاب فيما بينها ليمثل كل منها عدد محدد من الخبراء.. أحدها نيابة عن كتلة أحزاب متخصص فى التعليم وآخر فى الصحة. وآخر فى الصناعة وهكذا.. أما أن تصر كل الأحزاب وعددها يدور حول التسعين حزباً أن يمثل كل منها واحد أو أكثر لكل مجالات وتخصصات مطلوب الحوار حولها.. أو ربما سيكون مطلوباً الحوار حولها.. سنحتاج إذن إلى سنوات لتلبية شهوات الميكروفونات!
الدعوات الجادة تحتاج إلى جادين للتفاعل معها.. والكرة فى ملعب الأحزاب -وقد قرأنا واقعها- من جديد!