هل تقر الكنائس المصرية الزواج المدنى للمسيحيين؟
ثمة ضوء يلوح فى نهاية النفق فيما يتعلق بالأحوال الشخصية للأقباط (المصريين المسيحيين)، التى كانت تخضع لأحكام اللائحة المنظمة لها، التى أصدرها المجلس الملى العام للأقباط الأرثوذكس فى 9 مايو 1938، وحين يقرر «عبدالناصر» إلغاء المحاكم الشرعية والملية وإحالة قضاياهم إلى القضاء المدنى عام 1955، ويصدر القانون 462 فى السنة ذاتها، ويعتمد تلك اللائحة للعمل بمقتضاها فى تلك القضايا والمنازعات، وعندما يعتلى البابا شنودة الثالث كرسى البطريركية 1971 يقرر عدم الاعتراف بالأسباب الواردة فيها للحكم بالطلاق، ويقصرها على سببين؛ الزنا والخروج من الدين، لكن محكمة النقض تصدر حكماً عام 1973 يقضى بأن أحكام لائحة 38 هى الواجبة التطبيق دون غيرها، فيعود قداسة البابا ليصدر فى 20 مايو 2008 بصفته رئيساً للمجلس الملى قراراً يؤكد فيه ما ذهب إليه سابقاً فى تضييق أسباب الطلاق، يُنشر بالوقائع الرسمية وقتها، بعد تعثر محاولات استصدار لائحة جديدة عبر القنوات التشريعية لأسباب متعددة.
وتتفاقم الأزمات على مدى أكثر من 40 سنة وتتزايد حالات العالقين بين المحاكم والكنيسة، وتنفجر بعضها فى وجه المجتمع، حتى تجرى مياه جديدة فى نهر الأزمة، وتتوافق الكنائس مجدداً على مشروع قانون موحد للأحوال الشخصية يقدمونه لوزارة العدالة الانتقالية للدفع به فى مسار التشريع، التى تدرسه وتبدى عليه ملاحظاتها وتعيده للكنائس لاعتماده فى صورته الأخيرة تمهيداً لإصداره من الجهات الرسمية.
وهو فى مجمله يمثل نقلة جادة تسعى لأن توفق بين الالتزام بالقراءات السائدة للنصوص الكتابية الإنجيلية وبين متغيرات وتشابكات العصر، ومن الغريب أن تدور الأسئلة فى دوائر المهتمين بهذا الأمر حول ما ورد بشأن الطلاق وإنهاء العلاقة الزوجية، بينما فى المجتمعات السوية يكون الاهتمام منصباً على دعم استقرار الأسرة وتعميق جذور مؤسسة الزواج، تأسيساً على أن استمرار الزواج هو الأصل وانحلاله يرد استثناءً.
وبين هذا وذاك أتوقف عند ما ورد بالمشروع متعلقاً بالزواج المدنى، غير الكنسى (المواد من 127 وحتى 138)، وأظنه سيكون محل جدل فى القراءة الكنسية الأخيرة؛ لأنه يصطدم مع الذهنية التقليدية الحاضرة بقوة حول مائدة النقاش، رغم أنه يعود بنا إلى أصل الزواج باعتباره فعلاً مجتمعياً أزلياً قبل الأديان التى أقرته وباركته ولم تنشئه، والمشروع أكد أنه «لا إلزام على الكنائس المسيحية فى مصر بالاعتراف بالزواج المدنى غير الكنسى ولا بإجراء مراسم زواج دينى مسيحى صحيح على زواج مدنى غير كنسى، مادة 128»، فيما أقر مشروعيته فى مواجهة المجتمع (حفاظاً على استقرار العلاقات الاجتماعية داخل الدولة، مادة 129)، يلجأ اليه من حكم بتطليقه بحكم نهائى بات وامتنعت الكنيسة عن تمكينه من الزواج الدينى، ورغم ذلك فللكنيسة فى الحالات التى تراها موافقة لقواعدها أن تسمح بتحويله إلى زواج دينى (مادة 136 فقرة 5) ويعد هنا زواجاً دينياً مسيحياً صحيحاً من تاريخ إتمام المراسم الدينية اللازمة له.
وفى كل الأحوال لا ينعقد الزواج المدنى إلا بتوافر شروط وضوابط أوردها مشروع القانون، بين رجل واحد وامرأة واحدة، ولا يجوز لكليهما أن يتزوج زواجاً مدنياً غير كنسى دون انحلال علاقته الزوجية الدينية السابقة انحلالاً دينياً وفقاً للقواعد التى أقرها هذا القانون.
ويخضع هذا الزواج لقواعد محددة فى انحلاله (مادة 136)، هى فى مجملها وردت بلائحة 38، ومن إيجابياته الاعتراف بشرعية الأولاد الذين ينتجهم، وحقهم فى انضمامهم للكنيسة دون والديهم (مادة 135)، حتى لا نطبق قاعدة «الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون».
نحن أمام مشروع أكثر اقتراباً من احتياجات المخاطبين به، فهل تجيزه الكنائس؟