متى تتوقف أخطاء تلاوات الإذاعة المصرية؟

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

الخطأ الذى وقع فيه فضيلة الشيخ «محمد على الطاروطى» فى قرآن الفجر منذ عدة أيام ألقى بظلاله لإعادة طرح الأسئلة المتعلقة بشروط اعتماد قراء الإذاعة المصرية: هل وصلت الوساطة إلى كتاب الله، لتمرير من لا يستحق أن يكون قارئاً معتمداً؟ هل الخطأ وارد، والبعض تحامل على «الطاروطى»؟ هل دولة القرآن مهدّدة؟ هل جيل رفعت والمنشاوى والشعشاعى وزامل والحصرى والبنا انقطع نسله ولم يعد له ذرارى؟

والقصة أن الشيخ محمد الطاروطى كان يقرأ فى قرآن الفجر (فلما رأينه أكبرنه)، قرأها: (رأيناه)، وهذا من اللحن الجلى، أى من الأخطاء الجسيمة جداً، فضلاً عن بعض الأخطاء التى تُعد فى حق المتخصّصين وقُراء الإذاعة من الأخطاء غير المقبولة بالمرة، كالتى تتعلق بأحكام النون الساكنة والتنوين.

الشيخ محمد حشاد نقيب القراء، أكد من قبل أن النقابة سبقت الجميع عندما رأت عدم صلاحية القارئ صلاح الجمل، وناشدت لجنة الاختيار إعادة النظر فى قرار اعتماده، والأمر نفسه تكرر مع الشيخ أنور الشحات، لأسباب أخرى أو متعلقة بالأخطاء.

الإذاعة المصرية قالت إنه «تم وقف الشيخ الطاروطى، بسبب أخطاء تلاوة الفجر لحين الفحص والمراجعة، وعُرض الأمر على لجنة متخصّصة لتكرار أخطاء الشيخ المذكور، وعرض كل المقرئين بلا استثناء على اللجنة، وإجراء مراجعات دورية»، والشيخ اعتذر عن الخطأ، وكان مهذباً حين قال: «أنا أخطأت، ولا بد أن أنال عقابى»، لكن حدث خلط من البعض بين أن (القرآن غالب وليس مغلوباً)، وبين (صيانة المهنة العظيمة من التدهور).

إن القضية ليست متعلقة بقارئ معين، فـ«الطاروطى» له كل الاحترام، وقد يثبت بعد المراجعة أن أخطاءه نادرة يسهل تلافيها، لكن يجب فتح تحقيقات واسعة حول كيفية اعتماد القراء للإذاعة والتليفزيون، مع تكوين لجنة صارمة من الخبراء والمتخصّصين فى علم التجويد وأساتذة الموسيقى لعمل غربلة كاملة ودقيقة لكل القراء، ويدخل فيها للمراجعة وإعادة الاعتماد لكل المشايخ الفضلاء أمثال: عبدالناصر حرك، وأحمد أبوفيوض، والجمل، والنعمانى، ومحمد السيد ضيف، والخشت، وغيرهم، ولا أدرى كيف لهذه الإجراءات أن تتأخر حتى تكثر الأخطاء بهذه الطريقة.

لا يغيب عن الذكر الباحث والكاتب «هيثم أبوزيد» مفجّر هذه المعارك، حتى سماه البعض (بُعبع القراء)، وهو واحد من أهم الكتاب الذين أبانوا عن جمال تلاوات القراء الكبار، كمحمد رفعت، والشعشاعى وشعيشع، لكننى لست معه فى إنكاره على الشيخ الطاروطى فى الصوت نفسه، فالأذواق تختلف، ولست معه فى تتبّع أخطاء الشيخ الكتابية، كما أننى لست مع الذين يزعمون أن معركة الكاتب شخصية، كل المطلوب أن تكون صيحات الكاتب محل اهتمام، لأن الأمر ليس بالهين.

يحدث هذا ويأتى موعد إرسال المقال للجريدة فى ذكرى علمين من أعلام التلاوة، هما: قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت، الذى توفى يوم 9 مارس 1950م، والقارئ الشيخ محمد ساعى نصر الجرزاوى، الذى توفى يوم 9 أبريل 1984م.

إن قُراء القرآن فى مصر يمثلون هوية يجب الحفاظ عليها، وقوة ناعمة غير موجودة فى أى دولة فى العالم كله، ولو طال الإهمال هذا الجانب وتحول الاعتماد فى الإذاعة إلى وساطة ومحسوبية، لسوف تفقد مصر قوتها الناعمة، ويفقد العالم كله الألسنة العظيمة التى نطقت بكتاب الله، ويتدهور حال التلاوة لهذا الكتاب العظيم المحفوظ.