البنك الزراعى المصرى

حاكموا البنك الزراعى المصرى أو كافئوه.. نداء موجه إلى مَن بيدهم أمر إنتاج الغذاء فى دولة تستورد بنحو 160 مليار جنيه أغذية سنوية، لسد الفجوة ما بين الإنتاج الذاتى والاستهلاك الطبيعى.

البنك الزراعى المصرى أنشئ بغرض تسليفى بحت بمرسوم ملكى عام 1931، باسم «بنك التسليف»، حيث كان يقر عملاؤه بسداد فوائد عادية شرعية، بضمان زروع أراضيهم وضروع مواشيهم، وتحول عبر 90 عاماً إلى بنك اقتصادى يملك ما يزيد على 1210 فروع فى القرى والمدن والنجوع، فمن أين له ذلك؟

مليون جنيه، كان رأس مال البنك يوم مولده قبل 90 عاماً، ونمت أصوله وأمواله حتى زادت محفظته الائتمانية على 44.5 مليار جنيه، وودائع بلغت نحو 73.5 مليار جنيه، ما يدعو إلى وضع تجربته على ميزان تقييم عادل، للتأسى بها فى مجالات حكومية أخرى، تآكلت أصولها وتحللت.

أعطنى سنارة وعلمنى الصيد، ولا تعطنى السمكة، تلك كانت القاعدة التى أنشأ عليها البنجلاديشى محمد يونس بنك الفقراء، وحاز بسببه جائزة نوبل للسلام، لأنه لم يقرض الفقراء قرضاً حسناً فحسب، بل وفر لهم فرص استثمار القروض، وكافأ المحسنين منهم بإعفائهم من السداد، بشروط تتعلق بالإحسان للنفس والزوجة والأبناء والوطن، لكن أموال بنك الفقراء كانت تبرعات خيرية وزكوات وصدقات من الموسرين، أى أنها لم تكن مدخرات خاصة لمودعين ومستثمرين فى حسابات ادخار، كما هى الحال فى البنك الزراعى المصرى.

البنك الزراعى المصرى أعلن دون جلبة أوائل 2021، مبادرة فتح «باب رزق»، ليستهدف ملايين الأسر الفقيرة فى أطراف القرى والنجوع، سواء المتاخمة للقاهرة الكبرى، أو المتناثرة فى واحات الصحارى والقفور، وهى مبادرات لم يتجاسر عليها بنك من البنوك الكبرى، حتى أكثرهم وطنية الذى زاد التصاقاً بالطبقات المتوسطة والصغيرة، منذ إعلانه قبل نحو 3 أعوام عن «عودة طلعت حرب».

أمام البنك الزراعى المصرى محطات عديدة أكثر وعورة فى مسيرته التى بلغت 90 عاماً وأكثر، حيث لم تكن قافلته تحمل أكثر من مليون جنيه، تستهدف خدمة أقل من 10 آلاف مزارع عام 1931، لكنها - أى القافلة، تحمل على عاتقها اليوم فى 2021، مسئولية إدارة أصول عملاقة، واستثمار نحو 73.5 مليار جنيه ودائع، والتخطيط لنحو 50 مليون مزارع ومربى ماشية، أى كتيبة خضراء عملاقة، لا تعمل إلا فى مجال إنتاج الغذاء وخامات النماء.

وبوضع تجربة البنك الزراعى المصرى تحت المجهر، تتداعى ملايين الصور فى ألبومات آلاف المؤسسات والمشاريع المالية والصناعية الحكومية، التى تحللت وتهالكت أصولها، تاركة إرثاً عظيماً من الطاقات المعطلة والخبرات الفنية التى قضت عليها أمراض مزمنة، ومات معظم كوادرها كمداً بفعل متلازمة «كسر القلب».

ومع امتلاك البنك الزراعى المصرى 1210 فروع مصرفية حديثة، و4 ملايين متر مربع سعات تخزينية لحبوب مصر الاستراتيجية، وأكثر من 320 شونة مطورة لاستقبال أقماح الفلاحين، فهو ليس أكبر من النصح وعرض المقترحات بضرورة التحول إلى الاستثمار فى تعظيم فوائض الناتج الزراعى المصرى، وذلك بإقامة الصناعات التحويلية، لاستثمار هدر لا يقل عن 30٪، رغم تطوير أساليب التداول والخزن الاستراتيجى، مثل مصانع تجفيف البصل والثوم والبيض والطماطم وتصنيع الصلصة وتعبئة البيض المبستر وهى الخطوة التى تفصل بينه وبين جائزة «الإحسان» التى تفوق «نوبل».