«الطيب».. الإمام الأكبر

هناك بعض الشخصيات جعل الله لها من اسمها نصيباً، ومن هؤلاء فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رغم أننى لست أزهرياً ولم أتشرف إطلاقاً بلقاء فضيلته، فإننى أشعر بطيبته وأفتخر بهذه الشخصية التى تحظى باحترام وتقدير كبير دولى ومحلى، وهو بالفعل واجهة مشرفة لمصر وللمؤسسة الدينية المرموقة التى يمثلها.

صديقى د. محمد المهدى، أستاذ الطب النفسى الشهير، له تحليل رائع فى شخصية الإمام لن أجد أفضل من كلماته التى وصف فيها «الطيب» بأنه يحمل خصالاً وأفعالاً راقية ونبيلة كالحزم والذكاء وعلو الهمة، والكرم ونصرة الضعيف والمظلوم، والزهد والتجرد والورع والتسامح والإعراض عن الجاهلين وعن سفاسف الأمور، ويتميز بالهدوء والتواضع وعمق التفكير والقوة فى الحق والثبات على المبدأ ورفض الدنية، حين تطالع وجهه تلمح عينين واسعتين خاشعتين قانعتين راضيتين ناعستين ثاقبتين، مع مسحة حزن نبيل تعبر عنها هاتان العينان مع قسمات الوجه، وطيبة وسماحة، وهو كثير الصمت، ولكن إذا تحدث انهمرت كلماته قوية وهادئة وحازمة ومؤكدة وقليلة ومركزة ومهذبة وموجهة نحو الهدف مباشرة.

وعلى الرغم من طيبته وسماحته وهدوئه وتواضعه، فإنه شديد الصلابة فى الحق، ويفعل ذلك بهدوء دون عنترية أو استعراضية وبأدب جم يفرض احترامه حتى على أشد مناوئيه.

وهو لا يحب الظهور الإعلامى أو الظهور عموماً، ولهذا تجده مقلاً فى أحاديثه رغم علمه الغزير والعميق، ويفضل العمل أكثر من الكلام، وخاصة العمل المؤسسى المنظم والمؤثر.

زاهد متجرد لا تعنيه المناصب رغم أنه نال منها الكثير، وكانت تسعى إليه سعياً دون تطلع منه، ورغم تقلده العديد من المناصب، ما زال «الطيب» يقيم فى شقته بالقاهرة بمفرده تاركاً الأسرة فى مسقط رأسه بالقرية، ويواظب على زيارتها حتى لا تنقطع صلته بجذوره، ويرتدى الجلباب والكوفية الصعيدية فى بساطة وهدوء وتواضع.

ويقيم نجلاه المهندس محمود والابنة زينب بالأقصر، كما يتابع الشيخ بنفسه، وبواسطة أبناء العائلة، ساحة الطيب بالأقصر التى يجتمع فيها شيخ الأزهر بأهل قريته والقرى المجاورة، وتقدم فيها واجبات الضيافة الكاملة، ويمارس فيها «الطيب» دوره كمحكِّم عرفى لحل الخلافات والنزاعات بين العائلات، كما يستقبل فيها ضيوفه من المصريين والعرب وبعض السياح الأجانب المتوافدين على الأقصر.

وقد تعرض شيخ الأزهر لحملات هجوم من جهات متعددة، فهاجمه العلمانيون والمتطرفون والإخوان المسلمون، وقد صمد أمام كل ذلك وحافظ على هدوئه واتزانه وأدبه الجم.

فضيلة الإمام الأكبر واسع المعرفة والاطلاع، وشخصية منفتحة على ثقافات عديدة، ويجيد أكثر من لغة ويتمتع بعلاقات جيدة مع بابا الفاتيكان، ويحظى باستقبال الرؤساء والزعماء والملوك، ليس فقط لمكانته الدينية أو منصبه الوظيفى، ولكن لشخصه المحترم، وهو امتداد لشيوخ الأزهر الخالدين مثل عبدالحليم محمود وجاد الحق.

ومن حسن الطالع أن يأتى هذا المقال عن الإمام تزامناً مع المناسبة الدينية العظيمة عيد الفطر المبارك، وكل عام وفضيلته «طيب»، وبلدنا بخير، والله حافظه من كل سوء.