على طاولة «الوطن»
أوائل شهر مارس 2012 التأمت المجموعة الأولى التى أطلقت تجربة «الوطن» على «طاولة التأسيس»، فجمعت مجدى الجلاد، ومحمود الكردوسى، ومحمود مسلم، وأحمد محمود، ومحمد البرغوثى، وعلاء الغطريفى والعبد لله. مجموعة متجايلة إلى حد كبير كان لها سابقة مهنية فارقة، حين استطاعت أن تسهم فى إعادة القارئ مرة ثانية إلى قراءة الصحيفة اليومية، عبر تجاربها فى عدد من الصحف الخاصة أو المستقلة -سمِّها ما شئت- خلال عقد التسعينات والعقد الأول من الألفية الجديدة.
مجدى الجلاد أحد فراودة الصناعة، لم أبالغ حين وصفته ذات يوم بـ«جواهرجى الصحافة المصرية»، بسبب ما يمتلكه من قدرة خاصة على تثمين المواهب، وبراعة فى التمييز بين العملات الحقيقية والمزيفة فى المهنة، وإليه يعود الفضل فى الميلاد الأول لجريدة الوطن وما حققته من حضور طاغٍ خلال أسابيع قليلة من صدورها داخل السوق الصحفية المصرية.
محمود الكردوسى رجل يعرف كيف يمسك بمغزل اللغة لينتج كتابة آسرة للعقول، وهو صاحب فضل كبير فى إكساب «الوطن» شخصيتها الأسلوبية التى جعلتها استثناء داخل سوق الصحف اليومية. تغمده الله بواسع رحمته.. حزنى عليه كبير وإحساسى بفقده كصديق يوجع قلبى.
محمود مسلم رجل ثقيل مهنياً، فقد كان السبق الخبرى ولم يزل جوهر التميز فى المهنة التى نعمل فيها، ولـ«مسلّم» قدرة خاصة على سبق غيره فى الوصول إلى أخطر المانشيتات الصحفية التى زلزلت الشارع المصرى، وعلاوة على ذلك فهو يملك مفاتيح الصناعة وإدارى متميز، وقد سجل باسمه «الميلاد الثانى» لجريدة الوطن بدءاً من عام 2016.
أحمد محمود صديق عمرى فنان مبتكر تمكن من إحداث ثورة فى الإخراج الصحفى فى مصر، وتجربته فى هذا المجال تحتاج إلى رصد متأنٍّ، لأن هذا الرجل جندى مجهول يقف وراء العديد من الإضافات المهمة لصناعة المطبوع فى مصر.
أما علاء الغطريفى فشاب طموح مولع بالجديد فى المهنة وقادر على استيعابه وترجمته فى فن صحفى مبدع، وهو يواصل إبداعاته حتى اللحظة.. ومحمد البرغوثى -وما أدراك ما البرغوثى- فعلاوة على قدراته المهنية الفائقة، تجده أديباً وشاعراً ومثقفاً كبيراً أضاف -ولم يزل- الكثير إلى تجربة «الوطن». «البرغوثى» يمثل نموذجاً لمهنى ومبدع كبير لم يأخذ ما يستحقه رغم كل ما حققه من إنجازات.
وسط هذه المجموعة المتميزة شاركت فى تجربة إصدار «الوطن» مدفوعاً بحلم بـ«جريدة مليونية». ما أكثر ما تعجبت وأنا أقرأ عن صحف توزع مليون نسخة فى دول عربية لا يشكل سكانها أكثر من ربع سكان من يسعون فوق أرض بلادى. نعم كان «أهرام الجمعة» وكذلك «أخبار اليوم» تصل إلى سقف المليون فى بعض الأحيان، لكننى حلمت بجريدة تبيع كل يوم مليون نسخة، ولا أنسى أبداً الحوارات الخصبة والثرية التى دارت بينى وبين مجموعة التأسيس قبل صدور الجريدة وبعد صدورها الحلم الممكن تحقيقه بالسبق الخبرى، والموضوعات الحصرية، والتحقيقات الاستقصائية، واللون الأسلوبى المختلف، وبناء المطبوع على مفاهيم إلكترونية، والاشتباك الحر المستقل مع قضايا الوطن وهموم المواطن.
تجربة المشاركة فى تأسيس «الوطن» وسنوات العمل فيها والكتابة على صفحاتها ستظل من أكثر تجاربى المهنية قرباً إلى عقلى وقلبى. فبالنسبة لى لم يكن «الوطن» مجرد اسم لجريدة، بل «فكرة» نبتت فى زخم أحداث كبرى شهدتها مصر بدءاً من يناير 2011، وحلم بتجربة مهنية جديدة تليق بوطن كانت ملامحه آخذة فى التشكل منذ يناير 2011. وما زلت أؤمن بأن قدر هذه التجربة منذ انطلاقها عام 2012 ارتبط بأقدار الوطن الأكبر وتحولاته بصورة تثير فى النفس الإعجاب بقدر ما تثير العجب.