«روح الشرق» وعودة الروح
أشعر أننا جميعاً فى أمسِّ الحاجة لاستراحة.. استراحة نشم فيها أنفاسنا المتلاحقة، إن لم يكن بسبب إطلالة غبية لأيادى «المختلين عقلياً» فى حادث طعن، أو موقعة الكشرى ومنع الأكل قبل المغرب، أو تحت وطأة حرب روسيا فى أوكرانيا وآثارها التى طالت الكوكب كله -ونحن لسنا استثناء- أو بسبب إصرار الوباء اللعين على التعايش معنا حتى وإن كان أغلبنا ألقى بكماماته فى القمامة معلناً انتهاء «كوفيد-19» رغم أنه لم ينته.
استراحة قصيرة ونسمة هواء عليلة وجرعة أمل وبهجة رائعة «اتكعبلت» فيها بالصدفة قبل أيام اسمها «روح الشرق». أعلم أن اكتشافى جاء متأخراً، ولكن أن تأتى متأخراً أفضل من ألا تأتى على الإطلاق، لا سيما حين يتعلق الأمر بقدر من البهجة المطلوبة.
«روح الشرق» كورال شبابى بامتياز، بهجة الاستماع لأغنياتهم الجميلة لا تنافسها سوى روعة التمعن فى هذه الوجوه المصرية الشابة وهى تغنى من القلب لتصل أغنياتها إلى القلب. ابتسامات عفوية على وجوه الشابات والشباب، شغف بما يغنون، ومتعة واضحة بما يفعلون. العدد مفرح، فهم ليسوا خمسة أو عشرة أو عشرين. هم -ربنا يزيد ويبارك- عشرات. مَن هم؟ أصوات جميلة، بهجة لا نهائية، حماسة معدية. وتكمن الروعة فى أنهم «مش شاربين نشا»، بمعنى أنهم -رغم التنظيم والتدريب الرائعين- لكنهم أقرب ما يكونون فى فيديوهاتهم المتاحة على منصات التواصل الاجتماعى إلى مجموعة شباب جامعيين فى رحلة. وما يحدث هو أن أجواء الرحلة تنتقل إلى المتلقى رغماً عنه.
وأتحداك لو تابعت فيديوهاتهم دون أن تتمنى أن تكون جالساً على الأرض بينهم، ودون أن تتسلل هذه الابتسامة العفوية الطبيعية من القلب إلى وجهك. هم أبناؤنا وإخوتنا وشبابنا الذين نراهم فى كل مكان، وربما يشكو البعض منهم ومن تصرفاتهم أو من عدم اكتراثهم إلى آخر قائمة الشكوى. نصيحة خالصة.. تابعوهم. والحقيقة أن متابعتهم هى نصيحة لكل مكتئب أو محبط أو فاقد الأمل أو هرسته الحياة بضغوطها المختلفة. وهى نصيحة لكل من يتسلل إليه اليأس القاتل المتمثل فى «مافيش فايدة». التمعن فى وجوه هؤلاء كفيل بأن يخبرنا أن الأمل وفير. لكنه أيضاً يخبرنا أن ملايين الشباب والشابات فى مصرنا الحبيبة فى حاجة إلى ألف «روح الشرق». ويخبرنا كذلك أن ما تصورنا أنه غير ممكن اتضح أنه ممكن وممكن جداً. وبعد أيام من المتابعة الدقيقة، أجزم أن احتمالات تطرف أو تشدد أى من هؤلاء الرائعين والرائعات شبه مستحيل.
أما قائد الكورال الشاب محمود حسن فقصة بهجة وروعة أخرى. هذا الحماس والشغف وخفة الظل وموهبة القيادة والمودة الواضحة التى تربطه بالشباب والشابات يجب أن تُرى وتُسمع ولا تُحكى. فقط تابعوا وجوه الشباب وملامحهم وهم ينظرون إليه ويتابعون توجيهاته.
وكم كانت سعادتى حين عرفت أن كورال البهجة قدم حفلاً فى أولى ليالى برنامج «هل هلالك» الرمضانى فى نسخته السادسة، الذى تنظمه وزارة الثقافة برعاية الوزيرة إيناس عبدالدايم. تحية خالصة للأوبرا والوزيرة. ومحبة وإعجاب وتصفيق لـ«روح الشرق» التى تذكرنا برائعة توفيق الحكيم «عودة الروح» ليكون الاسم على مسمى وقريباً من المحتوى.