التحول الديمقراطى.. سلاح الشعب ضد الإرهاب! (2-2)

على السلمى

على السلمى

كاتب صحفي

ذكرنا فى مقال الأسبوع الماضى أن العنصر الأساسى فى تحريك التحول الديمقراطى هو وجود كيان رسمى، يعنى بوضع الخطة الوطنية للتحول فى طريق الديمقراطية وحفز المواطنين والقوى والأحزاب السياسية وكافة منظمات المجتمع المدنى لدعم هذا التحول وتفعيله بالممارسة حتى تتحقق الديمقراطية وتتأكد على مستوى الوطن. والأمر المستغرب أنه ورغم الاهتمام البادى من أحاديث المسئولين بقضية «التحول الديمقراطى»، فإنه ومنذ استقالة حكومة د. عصام شرف فى 22 نوفمبر 2011 التى كانت تضم منصباً لنائب رئيس الوزراء للتنمية السياسية والتحول الديمقراطى، خلت جميع الحكومات التى شكلت منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم من مثل ذلك المنصب. وكان الاستثناء موضع العجب هو الرئيس المعزول محمد مرسى الذى حاول أن يلتف على تعهداته وفق اتفاق «فيرمونت» مع النخبة السياسية من القوى المدنية التى دعمته ضد الفريق شفيق فى مرحلة الإعادة للانتخابات الرئاسية، فاصطنع فريقاً رئاسياً ضم منصب مساعد للرئيس لشئون التحول الديمقراطى شغله الأستاذ سمير مرقص، الذى استقال من المنصب بعد حوالى ثلاثة أشهر، احتجاجاً على تجاهل المعزول لوجوده وكذا كافة المستشارين من غير أعضاء جماعته، كذلك كانت الاستقالة بسبب إصدار المعزول الإعلان الدستورى فى 21 نوفمبر 2012 دون استشارة فريقه الرئاسى. ونعتقد أنه فى ظل الدستور الجديد قد لا تهتم الحكومات الحزبية التى قد تشكل بعد انتخابات مجلس النواب بإيجاد ذلك المنصب، لذلك كان اقتراحنا أن يضم الفريق الرئاسى المعاون لرئيس الجمهورية مستشاراً أو مساعداً للرئيس لشئون التحول الديمقراطى، خاصة وقد جاء فى «رؤية الرئيس السيسى» التى طرحها للشعب وقت الانتخابات الرئاسية أن الثورة قد أنعشت فى شرائح المجتمع الكادحة «روح الأمل والحلم ومنحتها حق السعى لحياة كريمة قائمة على العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل لعوائد التنمية وثروات الوطن، فى ظل حياة ديمقراطية سليمة، مؤسسة على التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات مع ضمان التوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته على الوجه الذى يكفله الدستور المصرى». ولكن ذلك التوجه نحو الديمقراطية الذى عبر عنه الرئيس لم يتم تقنينه وإعلانه للناس فى شكل برنامج عمل تلتزم به الرئاسة والحكومة حتى الآن! أما العنصر الثانى فى التمكين لتحول ديمقراطى حقيقى فهو ضرورة العمل على نشر المعرفة بحقيقة النظام الديمقراطى، وتوضيح المضامين الصادقة لفكرة الديمقراطية، وكونها تؤسس لدولة مدنية وطنية، دولة تؤمن بحياة أساسها الحرية والديمقراطية واحترام كرامة الإنسان وحقوقه ويحكمها دستور ديمقراطى يوافق عليه غالبية المواطنين، ويضمن التغيير الديمقراطى من أجل إقامة وطن حر ومجتمع تسوده الحرية والقانون. دولة تؤمن بتدعيم قيم المواطنة وأن الدين لله والوطن للجميع، وتلتزم بحق المواطنين فى تحسين جودة الحياة باستمرار، وضمان الحق فى حياة حرة كريمة، يأمن فيها المواطن على حاضره ومستقبله. كما تلتزم بتكافؤ الفرص للجميع، وتضمن عدم التمييز وسيادة القانون، ومن ثم فهى دولة تنطلق فيها الفرص والحريات للإبداع الإنسانى فى جميع المجالات. إن التحول الديمقراطى المنشود هو فى الأساس تحول نحو دولة تؤمن باستقلال القضاء وأن يحاكم المصريون أمام قضاتهم الطبيعيين، والمساواة بين الحكام والمحكومين فى الامتثال لحكمه، إلا ما تقضى القوانين بمحاكمة أعمال الإرهاب أمام القضاء العسكرى. إن المصريين يصرون على إقامة مجتمع ديمقراطى يوفر الحرية والمساواة والعدالة لجميع المواطنين من دون تمييز، ويفتح مجالات العمل الوطنى وفرص المشاركة فى الحياة السياسية والمجالات الاقتصادية والاجتماعية لكل المواطنين الشرفاء، الذين يحافظون على ثوابت الوطن ومقدساته ويحترمون دستوره وقوانينه، وهم يدركون أن السبيل الوحيد لتنمية مصر واستعادة مكانتها فى المجتمع العالمى المعاصر وضمان قوتها وعزها لن يكون إلا بتدعيم دولة المؤسسات ونظام الحكم القائم على سيادة القانون وتداول السلطة، وحرية اختيار المواطنين لمن يحكمهم ومن يمثلهم فى المجالس التشريعية والمحلية. إن الديمقراطية سوف تكون الآلية الحقيقية لإطلاق المشروع الوطنى للتنمية الشاملة وتحقيق انطلاقة إنتاجية فى الصناعة والزراعة والخدمات، يتحقق من خلالها للمصريين ما هم جديرون به من مستوى كريم للحياة. إن التحول الديمقراطى الذى يتبناه المصريون كأسلوب حياة سوف يمكنهم من إعادة بناء الوطن وإحداث نقلة نوعية شاملة فى كافة مرافق الحياة ومجالاتها، تنتقل بهم إلى الأحسن والأفضل بالمعايير العالمية، مع احترام وتفعيل مبدأ الرجوع إلى القاعدة الشعبية فى جميع المسائل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المصيرية، وألا ينفرد الحاكم أو السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية بتلك القرارات رغماً عن إرادة المصريين أصحاب الشأن. إن الشعب المصرى مسئول عن حاضره ومستقبله، وعليه التمسك بحقه الدستورى فى الاختيار وتقرير مسار الوطن فى الاتجاه السليم الذى عبرت عنه ديباجة الدستور بأننا «نحن نؤمن بالديمقراطية طريقاً ومستقبلاً وأسلوب حياة، وبالتعددية السياسية، وبالتداول السلمى للسلطة، ونؤكد على حق الشعب فى صنع مستقبله، وهو وحده مصدر السلطات، الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية حق لكل مواطن، ولنا ولأجيالنا المقبلة السيادة فى وطن سيد». إن التحول الديمقراطى ما هو إلا تفعيل تلك الكلمات الرائعة التى أقرها المصريون بموافقتهم على الدستور وضرورة نقلها من حيز الكلام والتعبيرات الإنشائية إلى نطاق الأفعال، بترجمة الدستور إلى تشريعات ونظم وإجراءات تحيله إلى حياة تمشى على الأرض وليس مجرد صفحات فى كتاب! نحن فى انتظار تحرك شرائح الشعب الكادحة التى ذكرها الرئيس السيسى فى رؤيته للمستقبل للعمل على وضع الدستور موضع التنفيذ لا أكثر ولا أقل.