«القرار».. يلبى دعوة «الاختيار» الشعبى (2)

لينا مظلوم

لينا مظلوم

كاتب صحفي

أكثر العناصر تحدياً أمام صناع وفنانى مسلسل «الاختيار» التى وضعتهم أمام اختيار آخر هو عنصر الأداء والابتعاد عن المنطقة التقليدية، تحديداً الأدوار التى جسدت شخصيات معروفة والعديد منها يُغرى الممثل بالاستسهال فى نمط الأداء.

القدير صبرى فواز تلافى تماماً بأدائه المفاتيح النمطية المعروفة عن شخصية محمد مرسى لينطلق إبداعه إلى مساحات أعمق فى إيصال سذاجة وضعف شخصية مرسى الحقيقية معتمداً على التعبير المتقن بملامح بسيطة، لكنها حققت هدف إيصال مفاتيح شخصية دمية وضعتها الجماعة داخل القصر الرئاسى، بعيداً عن المبالغات التى يعرفها المشاهد جيداً عن نمط أسلوب تصرفات وتعبيرات «مرسى» الغريبة التى تدل على جهل قائلها كما ظهر فى حواراته مع المسئولين، مثل وزراء الدفاع والداخلية والنائب العام، بالإضافة إلى ملامح الانسياق والخنوع خلال الاستماع إلى تعليمات مكتب الإرشاد.

تحدٍّ أخطر نجح الفنان ياسر جلال فى اجتيازه بجدارة، حين وظّف كل مهارات الماكيير أحمد مصطفى التى رسمت الانطباع الأول عن شخصية قائد التف حوله الشارع وقرار مواجهة التحديات لإنقاذ مصر أثناء أخطر لحظات مرت عليها.. قائد سيكشف لنا التاريخ المزيد عن حجم وخطورة التضحية التى اختارها مع قادة الجيش فى سبيل إنقاذ الوطن ودعم إرادة شعبه. إجادة نبرة صوت وتعبيرات الرئيس عبدالفتاح السيسى أيضاً شكلت مدخلاً لانطلاق مساحة الإبداع إلى صدق التعبير عن روح شخصية الرئيس. «ياسر» لم يظهر كممثل بماكياج أو لمسات التقطها من دراسة مشاهد للرئيس.. لكنه أبدع فى إظهار روح شخصية مقاتل وطنى لم يجد فى لحظة ما يقدمه أغلى من حياته لإنقاذ وطنه من كابوس اقتتال داخلى كانت تسعى لإشعاله جماعة لفظها الشعب. ياسر جلال اعتصر سمات شخصية الرئيس السيسى وتدرجها مع كل منصب تولى رئاسته. هذا التجسيد المتكامل أحدث عبر وصوله للوجدان حالة من التصديق عند المشاهد.

حرفية وخبرة القديرين أحمد بدير وخالد الصاوى أطلقت حالة إبداع من التجسيد السلس الطبيعى.. «بدير» وظف كل أدوات تعبيره فى الكشف عن الكثير من جوانب الدور البطولى للمشير طنطاوى بعدما نال قامته الوطنية نصيب من التشويه الممنهج الذى شنته الجماعة ضد الجيش وقادته.. فى كل مشهد كانت قسمات وجه بدير تنقل عذابات المشير طنطاوى وهو يدير دفة الوطن فى أحلك ظروف.

أستاذ التمثيل خالد الصاوى لم يغره نمط المبالغة فى إظهار إجرام خيرت الشاطر، لكنه بحرفية اقتنص كل ملامح الشر من عمق الشخصية. الثالوث المتألق الذى جمع كريم عبدالعزيز، أحمد السقا، أحمد عز، شكّل مجموعة أداء متناغم عكست طبيعة التعاون بين الأجهزة الأمنية المختلفة، كما عكست طبيعة العلاقة الإنسانية التى ربطتهم شق التنسيق المهنى بينهم، كلٌّ وفق طبيعة عمله.

الماكيير أحمد مصطفى هو بامتياز أحد أبرز نجوم «الاختيار»، وقد لخص أسباب تكامل ملامح كل شخصية فى أن هدفه الأول كان الوصول إلى روح وسمات الشخصية بعمق يتجاوز مجرد الملامح الخارجية كى يستطيع إقناع المشاهد.. بالتالى وضع الممثل على أعتاب الحدث ليسهل عليه عملية التعايش.

إبداع المؤلف هانى سرحان والمخرج بيتر ميمى لم يكتفِ بتوثيق السرد الدرامى، بل تجاوز فى تحقيق المصداقية إلى رسم صورة واقعية للشخصيات بكل المشاعر المتضاربة التى ولّدتها حالة استقطاب حاولت الجماعة زرعها بين أبناء الوطن الواحد.

ظهر ذلك واضحاً بالتوازى بين رجل الشارع البسيط وبعض رجال الأجهزة الأمنية.. تم تصويرهم كبشر من لحم ودم تنتابهم فى لحظات مريرة مخاوف وإحباط الشارع.

واقعية السرد خدمت الأجزاء الموثّقة للأحداث.. فى مقابل التأكيد على حقيقة أن الأجهزة الأمنية - رغم هذه المشاعر العابرة - ظلت تعمل بكامل كفاءتها لصالح الوطن فقط وليس الأشخاص.

المخرج بيتر ميمى وكاميرا مدير التصوير حسين عسر وظفت إيقاع حركة الكاميرا لمواكبة سرعة التنقل بين الأحداث الحاسمة والشخصيات الرئيسية، وقد عاشت مصر الكثير منها، ثم الانتقال إلى إيقاع أهدأ فى المشاهد التى تنقل رسائل مهمة للمشاهد، أيضاً يُذكر للمخرج بيتر ميمى الحرفية الشديدة فى انتقاء الفنانين ما جعل المشاهد شريكاً مع انفعالاتهم خلال تلك اللحظات الفاصلة.