ثمن الاختيار

عماد فؤاد

عماد فؤاد

كاتب صحفي

أتابع مسلسل «الاختيار» فى جزئه الثالث هذا العام بشكل مختلف عما حدث مع الجزءين الأول والثانى خلال العامين الماضيين، فالمسلسل يتناول أحداثاً لم يمر عليها سوى سنوات قليلة لا تتجاوز أصابع اليدين، ويجسّد شخصيات كثيرة تعاملت معها لسنوات طويلة، سواء من خلال عملى الصحفى أو نشاطى السياسى، وكلما ظهرت على الشاشة إحدى هذه الشخصيات أذهب بعقلى إلى الوراء، متذكّراً ما جمعنى بهم من لقاءات أو حوارات أو حتى خلافات ومشاحنات، وأفيق إلى نفسى فجأة وقد مرت أمام عينى عدة مشاهد لكننى لم أرها!، ولم تلتقط أذناى حرفاً من حوارها!، وأحياناً تنتهى الحلقة وعقلى ما زال شارداً، وأضطر لملاحقة الحلقة الواحدة مرة ومرات مؤملاً التركيز فى كل مرة.

أتأمل مع كل شخصية فكرة الاختيار فى حد ذاتها، ولماذا اختار هذا الوطن بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، ولماذا اندفع ذاك نحو الاختيار المعاكس أو المعادى إن شئنا الدقة.

وبين أولئك وهؤلاء أتذكر صنفاً آخر من البشر ممن لم يحسموا اختياراتهم حتى الآن -وما زالوا بيننا- ويرهنون موقفهم انتظاراً للثمن أو المقابل الذى يمكنهم الحصول عليه، وهؤلاء يكشفون عن أنفسهم دون قصد، فعندما يجدك أحدهم مؤيداً للدولة أو النظام الحالى عند خطوة ما أو قرار معين يباغتك بالسؤال: ما استفادتك من هذا التأييد؟ ومهما تعدّدت إجاباتك حول جدوى إعادة بناء الدولة، أو أهمية الخلاص من حكم الجماعة الإرهابية، أو حتى الحديث عن مستقبل أفضل لأولادنا وللأجيال القادمة، يكرر السؤال بشكل أكثر إلحاحاً: ما استفادتك أنت؟

هؤلاء البشر ممن اعتادوا إحراز المكاسب الشخصية مع كل النظم الراحلة، واحترفوا المساومة دائماً مع رموز الحزب الحاكم، سواء كانوا فى الحزب الوطنى أو حزب الحرية والعدالة، والمؤكد أنهم سيستمرون على حالة اللاموقف هذه، لأنهم أسرى الانتهازية السياسية، ولم يدركوا حجم التغيير الهائل والحاد الذى أحدثته ثورة 30 يونيو فى نظام الحكم نفسه، وأن مبدأ المساومة لم يعد مطروحاً، وأن الانتهازية لن تؤتى أكلها الآن كما كانت فى عهود سابقة.

مسلسل «الاختيار» بأجزائه الثلاثة يؤكد أن كل ما فى حياة الإنسان -أى إنسان- هو انعكاس لخياراته وقراراته، وبشكل عام فإن مفهوم الاختيار ليس من المفاهيم الغامضة أو المعقّدة التى تحتاج إلى شرح مفصل أو توضيح مستفيض، فما هو إلا عملية عقلية يقوم بها الإنسان عندما يجد نفسه أمام مفترق طرق، ولهذا لا يستوقفنى من يرمى المسئولية على القدر، أو يلقى باللوم على الآخرين أو يعلق مشكلاته على شماعة الحظ والنصيب، فكلها محاولات يائسة لتبرير الخيارات والقرارات الخاطئة، والكارثة فيمن يختلق الأسباب لتبرير خيانته للوطن.

وخيانة الوطن ليست بالضرورة هى العمالة للخارج، ولكنها قد تكون كلمة أو خطبة أو شعاراً يستهدف تحريض الرأى العام ضد مؤسسات الدولة، أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعى للتشكيك فى أى إنجازات، والتسويق لتوجهات وآراء الأعداء، أو التعاطف المباشر وغير المباشر مع الجماعات والتنظيمات الإرهابية، أو السعى لتشويه صورة الوطن وقادته أمام الرأى العام الداخلى والخارجى. وإذا كانت الخيانة هى الأداة والوسيلة طويلة المدى غير الظاهرة لعرقلة طموحاتنا فى إعادة بناء الدولة، فإن الإرهاب هو الأداة الظاهرة والمباشرة لتنفيذ ذلك، وكلاهما فى خندق واحد، وليس أمامنا سوى الانتباه والمواجهة فى كل الأوقات.