بين عمر الشريف والفرزدق
رمضان كريم، يومان بالتمام والكمال وتهل علينا الذكرى التسعون لميلاد الفنان عمر الشريف، صاحب أفلام «دكتور زيفاجو» و«لورنس العرب». والذى نال فى مسيرته ثلاث جوائز جولدن جلوب وجائزة سيزر. وهو من مواليد 1932، وقد رحل عن عالمنا فى يوليو من عام 2015، بعد ستة أشهر من رحيل سيدة الشاشة العربية «فاتن حمامة»، مما جعل البعض يسارع لإجراء ربط بينهما، غير مراعين لشخص المحترم د. محمد عبدالوهاب، زوج الفنانة وحبيبها لأربعة عقود كاملة، والتى ماتت بين يديه، ومات هو بعدها بثلاث سنوات. هذا الربط الذى يتكرر سنوياً، بين عمر وفاتن، هو ربط تعسفى وباطل فضلاً عن أنه قليل الذوق (أظن جداً أن فاتن ربما لم تكن تطيق عمر من الأصل). عموماً هو ربط مُغرٍ للبعض، فالثنائيات عادة ما ترحل معاً (مثل بيرم التونسى وزكريا أحمد، وأيضاً أحمد رجب ومصطفى حسين وغيرهم). وارتباط مصير الأحباء لا يحتاج إلى جهد كبير لرصده، ولكن ماذا عن الأعداء؟
«مناقضات جرير والفرزدق» هى الأشهر فى تاريخ الشعر العربى، وقد بلغ هجاء جرير من القوة بحيث أجبر كل بنى نمير، وهى قبيلة الفرزدق، على التنصل من نسبهم، فكانوا كلما سُئلوا قالوا: نحن من بنى عامر (الجد الأكبر). السبب يعود لأن جرير كان فى صراع مع الفرزدق فقام «الراعى النميرى» الشاعر، وهو صديق للفرزدق، بهجاء جرير، فاستوقفه هذا الأخير وقال له ما معناه «خليك فى حالك»، فشتم ابن النميرى جريراً، فقرر جرير أن يُشهر بالجميع عبر التاريخ، وقضى ليلته ينظم قصيدة من 97 بيتاً، دوَّت كالقنبلة الزمنية فى سماء الشعر العربى، وجاء فيها البيت الشهير: «فغض الطرف إنك من نُمير، فلا كعباً بلغت ولا كلاباً». ورغم كل ذلك، فحين سمع جرير خبر موت الفرزدق، شعر أن نهايته قد اقتربت، وكتب فى رثاء الفرزدق واحدة من أرق قصائد الرثاء وقال فيها: «لقد غادروا فى اللحد من كان ينتمى، إلى كل نجم فى السماء محلقِ». ومات جرير بعد الفرزدق بأربعين يوماً!
يذكرنا هذا بأمير الشعراء «أحمد شوقى» الذى عاش حياته فى شد وجذب مع شاعر النيل «حافظ إبراهيم»، حتى إن شوقى نظم بيتاً قائلاً: «أودعت إنساناً وكلبه وديعة، فضيعها الإنسان والكلب حافظ». فرد عليه حافظ قائلاً: «يقول الناس إن الشوق نار ولوعة، فما بال شوقى اليوم أصبح بارداً». وعندما مات الأخير، عام 1932، رثاه شوقى بقصيدة مطلعها: «قد كنت أوثر أن تقول رثائى، يا مُنصف الموتى من الأحياء»، وكان أصغر منه بأربع سنوات ومات بعده بأربعة أشهر.
تكرر الأمر بعد نصف قرن بالتمام والكمال؛ فعميد المسرح العربى «يوسف وهبى»، ورائد المسرح العربى «زكى طليمات»، عرف كل منهما الآخر بلقب «الصديق اللدود»، وكانت بينهما خلافات كثيرة طوال حياتيهما، وعندما رحل الأول عام 1982، لحقه الثانى بعد شهرين. والملاحظ أن «يوسف وهبى» كان أصغر من «زكى طليمات» بأربع سنوات أيضاً.. سبحان من له الدوام.