عبدالبارى طاهر لـ«الوطن»: أخشى أن يتحول بلدنا إلى «صومال جديد»
عبدالبارى طاهر لـ«الوطن»: أخشى أن يتحول بلدنا إلى «صومال جديد»
عبر عبدالبارى طاهر، الكاتب والمفكر اليمنى الكبير، رئيس الهيئة العامة للكتاب، نقيب الصحفيين الأسبق، عن تخوفه من تحول اليمن إلى «صومال جديد»، بسبب سيطرة الميليشيات المسلحة التابعة للقوى السياسية على الشارع، فى ظل ضعف الدولة الشديد، محملاً الرئيس عبدربه منصور، المسئولية، متهماً إياه بعدم إصدار قرارات حاسمة تسهم فى حل الأزمة، وإضاعته للفرص الواحدة تلو الأخرى. وقال «طاهر» فى حواره مع «الوطن» إن الحوثيين كانوا بإمكانهم أن يكونوا فى صف الدولة اليمنية، خصوصاً بعدما تمت مساندتهم فى السيطرة على صنعاء وتململ اليمنيين من الإخوان ورغبتهم فى الإطاحة بهم، لكنهم -الحوثيين- أصروا على فرض سيطرتهم بالقوة وعملوا على إضعاف الدولة، وهذا ما أزعج اليمنيين. فيما اعتبر أن التنسيق بين الرئاسة والحكومة الجديدة، والسعى لدستور جديد للبلاد، وبناء جيش قوى بعيد عن تأثيرات القبائل، وحل مشكلة الجنوب على أساس عادل، من شأنه حل الأزمة المستعصية.
■ كيف تقيم المشهد اليمنى بعد أن أصبح مرتبكاً للغاية؟
- الأمور فعلاً مرتبكة، فى إطار العملية السياسية، الحكومة الجديدة تم تعيينها بموجب التوافق بين كافة القوى السياسية وفى إطار اتفاق السلم والمشاركة، لكن هذه الحكومة يحاصرها واقع مسلح يعيق ويهدد كل شىء. نحن أمام إرهاب أنصار الشريعة والقاعدة، وهم يمارسون الإرهاب بكل أشكاله. هذه القوى تنتشر بأكثر من منطقة وكان لها تحالف مع النظام القديم.
■ أى نظام قديم تقصد: على عبدالله صالح، أم حزب الإصلاح الإخوانى؟
- بالأساس، نظام على عبدالله صالح كان يدعمهم وعلى صلات بهم، وأيضاً واصل من بعده حزب الإصلاح الدعم والمساندة. هناك أيضاً ميليشيا أخرى مسلحة تتبع أنصار الله -الحوثيين- وهم مجموعات آتية من «صعدة»، وهى منطقة شنت عليها ست حروب ودفعت ثمناً باهظاً مع نظام «صالح»، وهم حالياً جزء من العملية السياسية، لكنهم للأسف يستخدمون ويعتمدون على القوى المسلحة والعنف، أكثر مما يعتمدون على العملية السياسية، كل ذلك يقابله للأسف الشديد ضعف جهاز الدولة. جهاز الدولة الذى يتولاه الرئيس هادى منصور ضعيف، وقد وقع بين المطرقة والسندان: مطرقة الإصلاح، حزب الإخوان، وسندان المؤتمر الشعبى، الحزب الذى يرأسه الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح. هناك أيضاً طرف ثالث أساسى فى المعادلة، وهو على عبدالله صالح، وما زال له نفوذ كبير، سواء فى أجهزة الأمن أو الحرس الرئاسى، وفى أكثر من مكان ومفصل من مفاصل الدولة. كل هذه العناصر تمثل إعاقة للحكومة وللدولة، خاصة أنهم يحتكمون إلى السلاح وإلى النفوذ القبلى، وهذا يعطل الدولة ويعيقها. هناك أيضاً الجنوب الملتهب، هذه الصراعات كلها تشكل المشهد. صحيح الحكومة الجديدة تعد خطوة، لكنها فى النهاية تظل خطوة مكبلة. الحياة السياسية فى حاجة إلى قرارات، وإلى تحرك حقيقى لإنقاذ الدولة، وللأسف ما زالت قرارات الرئيس منصور بطيئة ومتأخرة.[FirstQuote]
■ تبدو متشائماً، ويبدو الرئيس «منصور» وكأنه محاصر، وكأنه رئيس بلا سلطة؟
- للحقيقة، عبدربه منصور محاصر بقوة النظام القديم، أولاً بالمؤتمر والإصلاح، ثم أنصار الله، وهى قوى تتقاسم الجيش والأمن والمال العام وكل شىء. عبدربه خياراته تضيق، ولكنه هو نفسه والمجموعة المحيطة به ينتابهم العجز والقصور، ومعالجة الوضع تحتاج إلى جسارة ومغامرة، لحلحلة الأزمة. الوضع يزداد صعوبة. مشكلة الجنوب لم تحل كما يجب. مخرجات الحوار جرى الالتفاف عليها ولم تنفذ. هيكلة الجيش لم تتم إعادة صياغتها. نحن أمام وضع لم يعالج كما يجب، ويتحمل الرئيس جزءاً من المشكلة، صحيح هو محاصر، ولكنه أيضاً لم يتحرك ويتخذ قرارات تحد من هذا الانهيار.
■ خصوم الرئيس «منصور» يتهمونه بموالاة الغرب والإذعان، وأنه صار ألعوبة فى يده؟
- هذا غير صحيح، الحوثيون الآتون من «صعدة» من مناطق ريفية عندهم خصومة مبالغ فيها مع العالم، وهذا ناتج عن بداوة وجهل بقوانين العصر وضروراته، وطبيعة الواقع، والوضع العربى وعدائهم للغرب عداء عقائدى أكثر منه سياسياً، وتلك المشكلة.
■ كانت هناك اتهامات موجهة للرئيس بتحالفه مع الحوثيين وإدخالهم إلى صنعاء.. كيف سقطت العاصمة بسهولة فى يد الحوثيين، ومن السبب؟
- من أسقط «صنعاء» بهذه السهولة، أن الناس منذ 3 سنوات يطالبون بتغيير الحكومة، يطالبون بالحد من ميليشيات على محسن وأولاد الأحمر والإصلاح الإخوانية، يطالبون بتحسين الأوضاع. الناس كانت فى حالة من الغضب من المجموعة التى حكمت. الناس نظروا إلى الحوثيين كمنقذين وبفرحة وبقدر كبير من التشفى فى الإصلاح والإخوان وعلى محسن، التابع لهم. كانت هناك كراهية، للذين حكموا لمدة 33 سنة وفسدوا، لذلك كان هناك تعاطف مع الحوثيين. الناس نظرت إليهم كأنهم منقذون، وكانت هناك رغبة شعبية فى التخلص من الإخوان.[SecondQuote]
■ لكن بعد ذلك انقلب الناس على الحوثيين وخرجت بيانات شعبية ضدهم من نقابات وتنظيمات مهنية عدة؟
- صحيح، والسبب أن الحوثيين ساروا فى الاتجاه الخاطئ، وحلوا محل الإصلاح وأولاد على محسن، وقدموا نموذجاً سيئاً، واعتمدوا على غلبتهم العسكرية، وأرادوا إضعاف الدولة، والناس باليمن «حساسين» لإضعاف الدولة، وهناك مخاوف لدىّ من تحويل اليمن إلى «صومال»، وحروب وميليشيات عنف مسلح، وللأسف الحوثيون ساروا فى الطريق الخطأ، ولذا حدث التململ القائم والذى وصل حتى الغضب. هم لم يحسنوا التصرف.
■ فى رأيك.. ماذا يجب أن يحدث الآن لإصلاح الأمور؟
- نحن الآن فى بداية مرحلة جديدة جيدة، رئيس الحكومة شخصية جيدة عليها توافق نسبى، وأعضاء الحكومة فى غالبيتهم عناصر ممتازة. إذن، نحن أمام حكومة توافق مشهود لها بالنزاهة لكن هذا وحده لا يكفى، لأن الوضع القائم بكل مخاطره لا بد أن تكون هناك إرادة قوية للمواجهة وحل المشاكل فى عقل رأس الدولة، ولا بد من تنسيق كبير بين الحكومة الجديدة والرئيس، يجب التسريع بالدستور الجديد ووضعة كهدف قومى، ولا بد من النزول إلى المزاج الشعبى العام الذى يميل إلى الوحدة، لكن أى وحدة؟ ليست تلك الوحدة التى أقامها على عبدالله صالح على الدم والقهر والغلب، لكننا يجب أن ننظر إلى وحدة حقيقية تراعى حقوق ومشاعر الجنوب، الآن الجنوب هو أساس القضية الوطنية، ويجب أن ننظر إلى الوحدة الحقيقية نظرة شاملة منطقية. إهمال على عبدالله صالح للجنوب سبب المشكلة، وإهمال الرئيس منصور وتساهله فى مشاكل الحكومة وحكمه بنفس أدوات سلفه فاقم من المشكلة.
■ رغم أن الرئيس «منصور» جنوبى، وكان الجنوبيون يأملون منه الكثير؟
- نعم، لكنه حكم بنفس أدوات صالح ولم ينصف حتى أبناء جلدته، واعتمد على النخب الفاسدة، التى حكم بها سلفه، وذلك زاد من مشاكل الجنوب.
إن مزاج الجنوبيين مع الوحدة، لكن مع عودة ممتلكات الناس، التى نُهبت ورد الظلم الذى تعرضوا له، والمشكلة أن عبدربه حكم بنفس أدوات صالح، لذلك لم تحل مشاكل الجنوبيين ولا نظر أحد إلى هموم الشمال، وبقيت الأزمات كما هى بكل الدولة. الحقيقة أن الرئيس عبدربه أصبح جزءاً من المشكلة، ورغم أنه الشرعية الوحيدة الباقية بالدولة، لكنه تحول من أن يكون أداة فى الحل إلى سبب فى المشكلة، والحقيقة أنه لم يستغل الشرعية والإرادة الشعبية، التى وقفت وراءه للانتقال للمستقبل، ولم يزل يراوح نفس النخب السياسية الفاسدة المرتبطة بحكم على عبدالله صالح. وفيما يتعلق بالحل أرى أنه يجب أن نتجه إلى التحالفات مع القوى التى غُبنت فى الماضى، كذلك الإسراع فى بناء جيش قوى موحد بعيداً عن تأثيرات القبائل.
■ هل تعتقد أن الرئيس عبدربه منصور مغلوب على أمره؟
- ليس لهذه الدرجة. هو يستطيع الآن أن يتحرك إذا أراد، لقد أضاع فرصاً كثيرة جداً للتحرك، لكنه آثر أن يبقى أسيراً للقيود والأغلال، أعتقد أنه كان يحتاج إلى مزيد من الشجاعة، لو كان استغل الأحداث الأخيرة، التى وقعت، كان سيحل محل الحوثيين الآن، لكنه رجل، للأسف، تنقصه مسألة الحسم اللحظى. الأزمة تحل فى لحظتها، وهو لا يجيد التحرك فى اللحظة المناسبة.