«التواصل الاجتماعى» والإرهاب

إذا كنت من هؤلاء الذين أتاحت لهم الظروف متابعة أنماط التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعى، فى الآونة الأخيرة، فلعلك لاحظت ميلاً حاداً إلى التحريض على العنف، وإثارة الكراهية، على خلفية الدعوة إلى «ثورة إسلامية» مزعومة فى 28 نوفمبر الحالى. تفيض مئات الصفحات والحسابات الشخصية و«التغريدات» بجرائم كراهية متكاملة الأركان، تتحول معها تلك المواقع، التى يفترض أنها «وسائل للتواصل»، إلى «معاول للهدم وتقويض الاستقرار والسلم الأهلى». يتعاظم الدور الذى تلعبه وسائل التواصل الاجتماعى يوماً بعد يوم، ويتزايد أثرها فى حياة المجتمعات والأفراد، ورغم الفوائد والفرص الكبيرة التى باتت تمنحها تلك الوسائل لمستخدميها، فإن مخاطر وتهديدات متزايدة تنشأ عن سوء استخدامها. مع تصاعد أثر شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) فى تعزيز سبل الاتصال، وإتاحة الفرص لنقل الأفكار، وتسهيل الحصول على السلع والخدمات، برزت فى السنوات الأخيرة تداعيات خطيرة لتلك الشبكة فى ما يتعلق بتسهيل ارتكاب الجرائم، حتى بات هناك ما يعرف بـ«الجرائم الإلكترونية»، التى خصصت لها معظم دول العالم آليات لمكافحتها، كما تم سن قوانين عديدة لمواجهة التهديدات الناشئة عنها. تعطينا مواقع التواصل الاجتماعى، التى يستخدمها نحو 88% من مستخدمى شبكة «الإنترنت»، المثل الأوضح على إمكانية تحول الفرص الكبيرة إلى مخاطر جمة فى بعض الأحيان. ثمة تأكيدات كثيرة تشير إلى اعتماد «تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام» (داعش) على مواقع التواصل الاجتماعى كآلية تجنيد وكسب تعاطف على نطاق واسع. وتمتلك «حركة الشباب المجاهدين» فى الصومال التابعة لتنظيم «القاعدة» حسابات عدة على «تويتر» و«فيس بوك»، تستقطب من خلالها الأتباع، وتحرض على العنف والكراهية. لا يقتصر الدور السلبى الذى تلعبه مواقع التواصل الاجتماعى أحياناً على منطقة الشرق الأوسط فقط، لكنه يمتد ليؤثر فى المجتمعات الغربية المتقدمة أيضاً. وقد أوردت صحيفة «ذا ديلى ميل» البريطانية فى أحد أعدادها الصادرة فى العام 2012 أن ثمة 12300 جريمة مزعومة ارتبطت بموقع «فيس بوك» فى العام 2011، ما يشير إلى «جريمة مفترضة تقع كل 40 دقيقة ارتباطاً بهذا الموقع». تفيد إحصاءات موثوقة أنه تجرى إضافة 250 مليون صورة يومياً على «فيس بوك»، كما تضاف 200 مليون تغريدة إلى «تويتر»، فضلاً عن أربعة مليارات مشاهدة فيديو يومياً عبر «يوتيوب»، وقد تم رصد آلاف الصفحات التى تحوى محتوى ذا صلة بالإرهاب على تلك المواقع. نحن إذن نعيش عصر وسائل التواصل الاجتماعى؛ التى باتت مؤشراً إلى حال التحول السريع فى حياة الناس، كما باتت جزءاً حيوياً رئيسياً من الطريقة التى يفكرون بها، ويكوّنون مواقفهم، ويتخذون قراراتهم، ويرتكبون الجرائم عبرها فى بعض الأحيان. على مدى الشهور الـ12 الماضية، كرست مجموعة من الباحثين التابعين للمركز الدولى لدراسات الحركات الراديكالية (ICSR) نفسها لمتابعة نشاط نحو 190 من المقاتلين الأجانب فى صفوف تنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، وتوصلوا إلى نتائج مهمة فى هذا الصدد. لقد خلص هؤلاء الباحثون إلى أن شبكات التواصل الاجتماعى، خصوصاً «فيس بوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، تمثل «مصدراً أساسياً للتجنيد والإلهام والمعلومات» لهؤلاء المقاتلين المبحوثين. ويعتقد خبراء وباحثون متخصصون أن ثمة 2000 مقاتل أوروبى يقاتلون ضمن صفوف «داعش» فى المناطق التى يحتلها، وأن 80% من هؤلاء تم تجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعى. يستخدم تنظيم «الإخوان» وأنصاره فى مصر تلك المواقع استخداماً شائناً للأسف، ويحولها إلى وسيلة لتنسيق أعمال الإرهاب والعنف والتحريض على ارتكاب الجرائم. علينا أن نحافظ على تلك المواقع حرة ومنفتحة لتعزيز التواصل المجتمعى على النحو الأمثل، وعلينا أيضاً أن نجد الطرق الملائمة لمنع استخدامها من قبل الإرهابيين كمعول لتقويض أركان الدولة والمجتمع.