في ذكرى وفاة الخواجة «يني».. حكاية جورج يوردانيدس مع المليونير «ملك السبرتو»

كتب: سيد المليجي

في ذكرى وفاة الخواجة «يني».. حكاية جورج يوردانيدس مع المليونير «ملك السبرتو»

في ذكرى وفاة الخواجة «يني».. حكاية جورج يوردانيدس مع المليونير «ملك السبرتو»

جورج يوردانيدس.. بطل أسطورة يونانية «معجونة» بخفة دم المصريين، وأحد رموز الزمن الجميل في الفن والحياة، وأشهر خواجة في السينما المصرية، وملك الشوكولاتة الذي فتح أبواب المجد للصحفي عصفور قمر الدين، وهو الممثل الذي أصبح رمزا للصداقة المصرية اليونانية، وعميد عائلة يفتخر أبناؤها بأنّهم من مواليد القاهرة رغم إقامتهم في أثينا، ويحرصون على إحياء ذكري رحيل والدهم «الخواجة يني».

الجالية اليونانية تحتفي بمئوية جورج يوردانيدس

قبل عامين جاء إلى مصر المخرج إيوانيس يوردانيدس، نجل الفنان الراحل جورج يوردانيدس، ليحيي ذكرى مرور 100 عام على ميلاد والده، وهي المناسبة التي احتفى بها المركز الثقافي اليوناني، واعتبر بطلها نموذجا للتعايش بين الشعبين والصداقة التاريخية التي تجمعهما، وخلال الكلمة التي ألقاها الابن في الحفل، قال إنّه يفضل أن يناديه الناس بـ«يني يوردانيدس»، وهو اسم آخر الشخصيات التي قدّمها والده في العام 1961.

كان اليونانيون هم الأقرب للمصريين في خفة الظل، وظهورهم على شاشة السينما أكد اندماجهم في المجتمع المصري، فكان اليوناني واحدا من أهالي الحارة في فيلم «سلامة في خير» لنيازي مصطفى 1937 في شخصية «جار سلامة أفندي»، وتشارك زوجته مع أهل الحارة في البحث عنه وقت اختفائه، أو صاحب محل البقالة الذي يتعاون مع البطل «شكوكو» في صراعه ضد خصمه في فيلم «عنتر ولبلب» لسيف الدين شوكت 1952، لكن الصورة النمطية التي غلبت على الشخصية اليونانية في السينما انحازت لأشهر مهنة كانوا يزاولونها وهي «بيع الخمور»، ففي فيلم «المليونير» لحلمي رفلة 1950، غنى إسماعيل يس المونولوج الشهير «عيني على يني وخمرة يني»، وكان «يني» محبوب الرجال باعتباره طبيب المزاج، وعدو ربات البيوت باعتباره ناهب حصيلة دخل الأزواج، وهو ما جعل صاحب هذه المهنة في بعض الأحيان مطمعا للمجرمين والطامعين في الاستيلاء على حصيلة البار، على طريقة فيلم «إحنا التلامذة» لعاطف سالم 1959.

قائمة أفلام جورج يوردانيدس

كان المجتمع المصري منفتحا على مختلف الثقافات، وكانت السينما المصرية تسع الموهوبين دون النظر إلى جنسية أو ديانة، فتنوعت الأفلام وتشعّبت مبررات نجاحها وتعاظم أثرها، وقد كان لليونانيين نصيب من البصمات التي لا تنسي في هذا المجال، خاصة صاحب الحضور المميز الفنان والمخرج اليوناني جورج يوردانيدس، الذي ولد في مصر عام 1921، وغادرها في يوليو 1961 بعد تلقيه عروضا مغرية للعمل في اليونان، وكان في قمة توهجه الفني، وشارك في نحو 141 فيلما خلال 14 عاما، لكنه قرر تأسيس فرقة مسرحية باليونان.

ظهر يوردانيس في عشرات الأفلام مع مخرجين مميزين، مثل يوسف شاهين وحسن الصيفي وأحمد بدرخان ومصطفى نيازي ومحمود ذوالفقار، وتنوعت أدواره بين شخصية «ياني» والد العائلة اليونانية في فيلم «كأس العذاب»، و«الجرسون» في فيلم «حب في الظلام» و«قلوب الناس» و«سمارة»، و«خريستو» في فيلم «دليلة»، وظل طوال سنوات عمله الفني بمثابة ملك السبرتو في السينما، وهو لقب حقيقي كان يطلق وقتها على المليونير اليوناني الشهير «تيوخارى كوتسيكا» الذي أنشأ مصنعا للخمور في منطقة مجاورة للمعادي عام 1893 وارتبطت المنطقة السكنية المقامة حول المصنع باسمه، وكذلك محطة المترو الخاصة بالمنطقة فيما بعد «كوتسيكا»، وكان ملك السبرتو الحقيقى من نجوم المجتمع، وصديقا مقربا من الملك فاروق، وعرف عنه مشاركته في الكثير من الأعمال الخيرية، منها التبرع لإنشاء مؤسسة الإسعاف المصري، وتأسيس المستشفي اليوناني في مصر.

آخر ظهور فني لـ جورج يوردانيدس في مصر

واجتهد يوردانيدس في إظهار موهبته الفنية، ونجح في انتزاع إعجاب الجمهور، والفوز بصداقة العديد من النجوم، ومنهم عمر الشريف وإسماعيل ياسين، وفاتن حمامة، وماجدة، وفريد الأطرش، وتحية كاريوكا، ورشدي أباظة، وشكري سرحان، وهند رستم، ولم يتوقف نشاطه عند المشاركة في الأفلام المصرية، بل شارك في أفلام يونانية تم تصوير وإنتاج بعضها في مصر، وكان آخر ظهور له في مسلسل «مع العائلة»، إخراج عباس كامل في دور أساسي لمدة عام تقريبًا، قبل أن يغادر مصر، كما شارك نجله «يني» بالتمثيل في هذا المسلسل كطفل بجوار محمد التابعي. 

كان يوردانيدس يعتبر مصر وطنا حقيقيا يفخر بالانتماء إليه، وكان سعيدا بالمشاركة في أهم أفلام السينما المصرية، رغم أنّ أدواره حبسته في دور الخواجة الذي يتحدث العربية بـ«لكنة أجنبية»، وفي حقيقة الأمر أنّه كان يجيد التحدث باللهجة المصرية، لكن ظهوره بهذا الشكل كان ضرورة درامية، بينما في حياته الخاصة كان يعيش أجواء ولاد البلد، وكان صديقا مقربا لعدد من الفنانين المصريين منهم إسماعيل ياسين، الذي كان يأتي لزيارته في منزله للاستمتاع بالأكلات اليونانية التي تجيد زوجة يوردانيدس طبخها، كما أنّه ظل متواصلا مع عمر الشريف حتي بعد أن غادر مصر، وكان كلاهما يعتز بالفيلم الذي جمعهما معا «إحنا التلامذة»، كما التقيا مرات عديدة في أوروبا، وخلال إحدى زياراته إلى مصر.

جورج يوردانيدس يؤسس المسرح القومي في أثينا

غادر يوردانيدس مصر بعد 40 عاما عاشها في رحاب المحروسة وأهلها، والغريب أنّ رحلة خروجه من مصر واكبت وفاة «ملك السبرتو» الحقيقي الخواجة «كوتسيكا»، وكأنّ القدر يصر على الربط بين صاحبى اللقبين، والفارق أنّ يوردانيدس قرر أن يبدأ رحلة جديدة مع الفن ليؤسس فرقة مسرحية، وقدّم عددا من الأعمال المصرية للجمهور اليوناني، وظل نشيطا في مجال الفنون لمدة 30 عاما في مدينة ثيسالونيكي، وساهم خلال هذه السنوات في تأسيس المسرح القومي باليونان، ثم انتقل في سنواته الأخيرة إلى أثينا، وتم تكريمه في العديد من فعالياتها، وتوفي في العاصمة اليونانية يوم 24 مارس 2005.


مواضيع متعلقة