أبو الغيط لمجلس الأمن: التدخل الأجنبي في ليبيا يساعد على تعقيد الأزمة

كتب: محمد حسن عامر

أبو الغيط لمجلس الأمن: التدخل الأجنبي في ليبيا يساعد على تعقيد الأزمة

أبو الغيط لمجلس الأمن: التدخل الأجنبي في ليبيا يساعد على تعقيد الأزمة

ألقى أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، كلمة اليوم، خلال جلسة مجلس الأمن، المنعقدة على المستوى الوزاري؛ لبحث سبل تعزيز التعاون بين الجامعة العربية والمجلس في مجال حفظ السلم والأمن الدولي، وتعزيز الاستقرار بالمنطقة العربية.

وقال أبو الغيط في كلمته: «أهنئ الإمارات العربية المتحدة برئاسة مجلس الأمن لهذا الشهر، وأعبر لكم عن خالص التقدير للدور المهم الذي تلعبه دولة الإمارات بصفتها العضو العربي بالمجلس، ولاهتمامكم بعقد هذه الجلسة وإعداد بعثتكم للورقة المفاهيمية المتميزة».

وتابع: «كما أعبر عن خالص التقدير للأخ العزيز أنطونيو جوتيريش، السكرتير العام للأمم المتحدة على اهتمامه المتواصل بتعزيز التعاون بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، والارتقاء به إلى آفاق أرحب تحقيقاً للسلم والأمن الدولي والإقليمي».

واستطرد الأمين العام لجامعة الدول العربية: «السيد الرئيس.. ينظر مجلسكم الموقر اليوم في موضوع التعاون بين الأمم المتحدة والجامعة العربية، بينما يمر النظام العالمي بمنعطف تاريخي ربما يكون الأخطر منذ انتهاء الحرب الباردة، ويتصاعد الصراع بين القوى العالمية على نحوٍ ينذر بمخاطر عديدة؛ أمنية وسياسية واقتصادية وغيرها، أننا نأسف كثيراً لهذا الوضع.. ونتمنى أن تتمكن القوى الدولية من التوصل إلى حلول وتسويات تحقق مصالح جميع الأطراف بما يحقن الدماء ويحقق متطلبات الأمن للجميع في ظل الالتزام بميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وحسن الجوار، ويقي العالم من تداعيات كارثية على اقتصادات الدول النامية أو المستوردة للغذاء والنفط».

وأضاف أبو الغيط: «كما نتمنى أيضاً ألا يكون لهذا الوضع التصادمي الكبير آثارا سلبية على تناول مجلس الأمن للقضايا والأزمات على مستوى العالم عموما، والمنطقة العربية على وجه الخصوص».

تجاهل أزمات المنطقة العربية

وأكد: «لدينا خشية كبيرة من أن يتم نسيان أو تجاهل أزمات المنطقة العربية في وسط هذا الوضع الدولي المتوتر؛ فهذه الأزمات لن تجد طريقها للحل من تلقاء نفسها، بل ربما يزيدها هذا الوضع الدولي اشتعالاً وتعقيداً، إن المنطقة العربية لا تزال تُعاني من تبعات الهزة الكبرى التي تعرضت لها في عام 2011، وثمة صراعات لا تزال مشتعلة في داخل الدول، مثل سوريا وليبيا واليمن، مع كل ما يفرضه ذلك من كلفة إنسانية، واستنزاف اقتصادي، وتهديد للأمن الإقليمي في منطقتنا».

وأوضح: «التطورات على الساحة الدولية جعلت الكثيرون في المنطقة العربية ينظرون إلى معاناة الشعب الفلسطيني بعينٍ جديدة، إذ امتدت هذه المعاناة لما يزيد على سبعين عاما ما بين القمع واللجوء وانتهاك الحقوق والحريات دون أفق حقيقي للحل، وأقر هذا المجلس مبدأ الأرض مقابل السلام، وصيغة الدولتين كأساس لحل الصراع التاريخي في فلسطين، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة وطن مستقل للفلسطينيين يعيشون فيه بسلام جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل على حدود الرابع من يونيو 1967، ولكن لا يزال الطرف القائم بالاحتلال يراوغ ويرفض الدخول في مفاوضات مباشرة مع الجانب الفلسطيني على أساس المحددات المُقررة دوليا وأمميا، وذلك برغم النداءات التي أطلقها الرئيس الفلسطيني أمام هذا المجلس في الأعوام 2018 و2020 وأمام الجمعية العامة في 2021 ومطالبته السكرتير العام بعقد قمة تحت رعاية الأمم المتحدة لإطلاق المفاوضات المباشرة».

واستطرد أن النظام الدولي، كما نتصوره ونصبو إليه، لا يُمكن أن يقوم على المعايير المزدوجة أو التمييز، ولذلك فإننا نطالب كافة القوى الدولية أن تتحمل مسؤولياتها التي ألزمها بها ميثاق الأمم المتحدة في التعامل مع كافة القضايا والأزمات بمسطرة واحدة من فرض احترام القانون الدولي ومبادئ وأحكام ميثاق الأمم المتحدة.

وأضاف: «في سوريا يمر الوضع بحالة من التجميد مع تعطل المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، وتدهور حاد للوضع الاقتصادي والمعيشي للسوريين في كافة أنحاء البلد؛ سواء في المناطق التي يُسيطر عليها النظام، أو تلك التي تتحكم فيها قوى أخرى، إن هذا الوضع ليس قابلاً للاستمرار، لأنه ينطوي على معاناة غير محدودة للملايين من السوريين، ولدينا تخوف حقيقي من احتمالات تأثير الصدام الدولي الحالي وارتداداته السلبية على الساحة السورية».

الانقسام يعود إلى ليبيا من جديد 

وفي ليبيا، يعود شبح الانقسام ليُطل من جديد، في ظل استمرار تواجد الميلشيات والقوات الأجنبية والمرتزقة التي توافقنا جميعاً على ضرورة رحيلها عن البلاد في مؤتمري برلين 1 و2، وبدعم مجلس الأمن، ونؤكد هنا أن التدخل الأجنبي في الأزمة الليبية يُسهم في تعقيدها وتصلب مواقف أطرافها، وإطالة أمدها، إننا نرغب في رؤية الشعب الليبي قادراً على أن يختار بحرية ممثليه عبر صناديق الاقتراع في انتخابات نزيهة مستعدون للمشاركة في مراقبتها بأقرب وقت ممكن.

وفي اليمن، لا تزال الميلشيات الحوثية ترفض مبدأ التفاوض والتسوية السياسية للأزمة، وتلجأ عوضاً عن ذلك لتهديد الجيران في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بالمسيرات والصواريخ الباليستية، وأشيد في هذا الصدد بقرار مجلس الأمن 2624، الذي جرى اعتماده بجهد واضح من الإمارات العربية المتحدة، الذي فرض المزيد من العقوبات على الحوثيين، مع تصنيفهم كمنظمة إرهابية، ونؤكد أن الحل السياسي يظل السبيل الوحيد لمعالجة الحرب في اليمن، وضمان تكامل التراب الوطني لهذا البلد، وعدم استخدامه كمنصة من قبل قوى إقليمية بعينها لتهديد جيرانه.

إن التدخلات الإيرانية في الشئون الداخلية للدول العربية مستمرة من دون انقطاع منذ أكثر من عقد من الزمان، ولدى الدول العربية العديد من الشواغل حيال السياسة الإيرانية في الإقليم، خاصة في حال توصلها إلى اتفاق مع مجموعة (5+1) حول برنامجها النووي، الذي يُمثل تهديداً للأمن والسلم، في الإقليم والعالم، ونؤكد أنه يتعين دعم كافة الجهود في المؤتمر الاستعراضي القادم هذا العام لمراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وفي المؤتمر الذي يُعقد في الأمم المتحدة بهدف التوصل لاتفاقية لإنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط من خلال المزيد من الالتزام بهذا الهدف من جانب الدول النووية، وخاصة تلك الدول التي تبنت قرار عام 1995 حول الشرق الأوسط في مؤتمر تمديد ومراجعة المعاهدة.

ومن ناحية أخرى، فإن السياسة الإيرانية لا تزال تُمارس تدخلات غير مرحب بها في عدة دول عربية، كما يمثل برنامجها الصاروخي مصدر قلق مشروع للعديد من دول الجامعة، والدول العربية تسعى إلى علاقات حسن جوار مع ايران على أساسٍ من الاحترام المتبادل لسيادة الدول والامتناع عن التدخل في شئونها، وفي إطار يُحقق الأمن للجميع في هذا الإقليم، لكن لا يزال هذا الهدف بعيد المنال.

في الوقت الذي تحرص فيه الجامعة العربية على تعزيز آليات الشراكة مع الأمم المتحدة من خلال اجتماعات التعاون العامة، فإننا نتطلع للمزيد من التعاون المتبادل مع مجلس الأمن في المجالات العديدة المنصوص عليها في البيانات الرئاسية رقم 5 لعام 2019 المعتمد تحت رئاسة دولة الكويت، ورقم 2 لعام 2021 المعتمد تحت رئاسة الجمهورية التونسية، وأتقدم بالشكر بوجه خاص للرئاسة الأيرلندية لمجلس الأمن لشهر سبتمبر 2021 على حرصها على تنفيذ ما تضمنه البيان الرئاسي الأخير، وعقدها جلسة وزارية خاصة ناجحة للمجلس على هامش الشق رفيع المستوى للجمعية العامة مع ترويكا القمة العربية على المستوى الوزاري، وتتطلع الجامعة العربية لاستمرار هذا التقليد مع الرئاسة الفرنسية للمجلس في سبتمبر 2022، وللاستمرار في تنفيذ كل ما ورد في هذه البيانات الرئاسية، بما في ذلك اتمام الزيارات الميدانية لمجلس الأمن إلى جامعة الدول العربية، وإيلاء المزيد من الاهتمام لمشاركة الشباب والمرأة في جهودنا المشتركة لتحقيق السلم والأمن الدوليين، في إطار من الدعم المُقدر من الأمم المتحدة لقدرات الجامعة العربية في هذا المجال الحيوي.

كما تتطلع الجامعة لاعتماد بيان رئاسي جديد نتيجة لهذا النقاش، وبما يكفل المزيد من تعزيز التعاون الدولي والإقليمي للتصدي للتحديات الإقليمية والدولية. 

وأشير في هذا المقام إلى ما نوليه من أهمية بالغة لتدريب الشباب في جامعة الدول العربية والعالم العربي بوجه عام، ولتأهيله لتولي المسئوليات الجسام التي تقع عليه في المستقبل، ونؤيد اقتراح السكرتير العام في أجندتنا المشتركة للارتقاء بوضعية المبعوث الخاص للسكرتير العام للشباب وتعزيز سلطته واختصاصاته، وربما البدء في النظر، حسبما اقترحت بعض الدول، في إقامة وكالة أو منظمة متخصصة للشباب على غرار منظمة الأمم المتحدة للمرأة UN-Women تعزيزاً لدور الشباب الرئيسي في النهوض بمجتمعاتنا العربية، وأحيي في هذا الصدد الأخت رزان العقيل سفيرة الأمم المتحدة للشباب وأول سفيرة لبلادها في مؤتمر الأمم المتحدة للشباب، وأتطلع للاستماع إلى مداخلتها في اجتماعنا اليوم.

وتعهد رؤساء الدول والحكومات في احتفالهم بالذكرى الخامسة والسبعين على تأسيس الأمم المتحدة بأن يفوا بوعودهم للأجيال القادمة، وأن يجعلوا من 2021 عاما للتغيير، وحدد الإعلان اثني عشر مجالاً من مجالات العمل الدولي متعدد الأطراف كمركزٍ لهذا التغيير، جميعها من المجالات التي تقع في قلب محاور التعاون بين مجلس الأمن وجامعة الدول العربية.

وفي جامعة الدول العربية، نرى أن الزخم الإيجابي الذي خلقه تقرير السكرتير العام جوتيريش «أجندتنا المشتركة»، هو السبيل الأوفق للانتقال بالمجتمع الدولي إلى آفاق أرحب من العمل المشترك، إذا ما صدقت النية وتوافرت الإرادة السياسية، وإذا تخلينا عن التمسك بالماضي ونظرنا إلى مصالحنا المشتركة في المستقبل، وهنا أرحب بتشكيل السكرتير العام للمجلس الاستشاري رفيع المستوى المعني بالتعددية الفعالة، ونتطلع إلى توصياته لتعزيز وتطوير العمل الجماعي متعدد الأطراف.

واختتم الأمين العام لجامعة الدول العربية: «إننا في جامعة الدول العربية نتطلع لانعقاد قمة المستقبل التي اقترحها السكرتير العام القادم، ونؤكد على استعدادنا للقيام بدور فاعل في الإعداد لها ضماناً لمستقبل الأجيال القادمة؛ مستقبل مشرق يقوده الشباب مدعوما بخبرة الأجيال السابقة، وبرؤى ذاتية تحقق الأهداف وتحافظ على الخصوصيات الحضارية للمجتمعات العربية، وتضمن المساواة في الحقوق والواجبات، ونظل على عهدنا والتزامنا بالدفع قدما بهذه الشراكة الاستراتيجية بين مجلس الأمن والجامعة العربية وصولاً لأهدافنا المشتركة».

 


مواضيع متعلقة