إلقاء الحجارة على مواقع التواصل

رامى جلال

رامى جلال

كاتب صحفي

أصبحت الشائعات والتحليلات اللوذعية والكلام الفارغ سمة من سمات وسائل التواصل الاجتماعى، فى إغراق طوفانى لأى محتوى جيد. وهو ما لخّصه الأديب والفيلسوف الإيطالى «إمبرتو إيكو»، الذى توفى منذ ستة أعوام بعد أن عاش على الكوكب لثمانية عقود ونصف، حين قال إن: «وسائل التواصل الاجتماعى تمنح حق الكلام لفيالق الحمقى... إنه غزو البلهاء».

أعداء الحياة والمنطق، عشاق الظلام، يحاولون السطو على عقولنا. ولكى يسطو اللص المحترف على منزل ما، عليه فعل أحد أمرين: إما أن يضع مع عصابته خطة محكمة ومتقنة لاقتحام المكان، وإما أن يطرق الباب ببساطة مراعياً فقط أن تكون طرقاته قوية ومتتالية ومتسارعة ومُلحة بحيث تُجبر مَن بالداخل على إيقاف عقله واستخدام عضلاته فحسب والنهوض لفتح الباب بسرعة للعصابة فتقع الواقعة. التقنية الثانية كثيراً ما يستخدمها مطلقو الشائعات فى الوطن العربى، حيث يغلّفون هراءهم بغطاء دينى لكى يتوقف العقل وتعمل العاطفة فتنتشر الشائعة، وهذه إحدى تقنيات التجهيل عندنا.

انتشرت بمصر فى القرن العشرين عادة «إعلامية» شعبية تتلخص فى أن شخصاً ما يوزع ورقة مكتوبة باليد، تحتوى على رسالة ما ختامها يطلب من المتلقى أن ينسخ منها عشر نسخ ويوزعها على قراء جدد، مع تحذير مفاده بأنه إن امتنع عن دوره الصحفى، من تحرير وطباعة وتوزيع، فستلاحقه المصائب وتصيبه الكوارث وتحاصره المآسى وتصير حياته بلا نبض ومستقبله بلا أمل!

مثل هذه الأوراق كانت تُوزع فى متتابعة هندسية أساسها العشرة، فتنتشر فى نمط عنقودى سرطانى وتصل لآلاف البشر ممن يتداولون ما بها من «معلومات» وأخبار ونميمة وقصص وحواديت.

لم تحتوِ تلك الأوراق أبداً، على أى محتوى علمى أو أدبى أو ابتكارى، بل كلها حكايات تبث الخزعبلات أو تمجد الخرافة أو تُعلى من قيمة الأسطورة أو كل ما سبق معاً.

هذه الورقة هى مجرد صورة قديمة لمنشورات ورسائل مواقع التواصل الاجتماعى، والتى يمكن لقرائها مشاركتها مع متابعيهم ليشاركها متابعوهم معاً بدورهم وهكذا. وقد حافظنا على العادة نفسها كما احتفظنا بالمحتوى الفارغ ذاته، حتى إن موضوع التهديد بالتعرض للخطر فى حال عدم إعادة نشر المنشورات وإرسال الرسائل ما زال متعارفاً عليه حتى الآن. فنحن نستخدم التكنولوجيات الحديثة فى تطبيق عمليات قديمة لا تتوافق مع حداثة الوسائل المستخدمة.

الكلام الفارغ هو كلام بلا فائدة حتى لو تنكر فى شكل له قيمة واستعار مصطلحات مقعّرة رنانة، وهو أمر منتشر على مواقع التواصل الاجتماعى. أما حفلات السباب التى يطلقها البعض ضد البعض، وإطلاق العنان للتحليلات غير المدروسة وغير المنضبطة، فكل هذا يشبه إلقاء أطفال بعض القرى للحجارة على القطارات السريعة التى تمر من أمامهم. الحجارة ستكسر شبابيك القطار، وقد تصيب بعض الركاب بجروح جسيمة، ولكن ورغم كل ذلك، فإن مَن يلقى الحجارة يضمن تماماً أن أحداً لن يُوقف القطار لينتقم.

المهم الآن، عزيزى القارئ، أن ترسل هذا المقال لعشرة أشخاص لينتشر أكثر فتأخذ أنت ثواب أكثر لأنى سأدعو لك حين أحصل على أجر أكبر!