لماذا مهرجان الأقصر السينمائى أفريقى فقط؟
بين أحضان مدينة الأقصر، أكبر متحف مفتوح فى العالم، انتهت الدورة الحادية عشرة لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية بفعالياتها وجوائزها وما لها وما عليها، الحقيقة أن الدورة كانت مميّزة بفضل جهود إدارة المهرجان، بداية من رئيسه ومديرته ولجنته العليا نهاية بشباب المركز الإعلامى الذين تفانوا فى جعل كل شىء متميزاً، الندوات، نشرة المهرجان، تنظيم زيارات للضيوف للمعابد والأماكن الأثرية، هذا بخلاف عرض عدد كبير من الأفلام، سواء داخل المسابقات المختلفة، أو التى تُعرض خارج المسابقات.. ولكن تبقى الإشارة إلى عدة نقاط مهمة فى هذا المهرجان وفى هذه الدورة التى عاينتها بنفسى، باعتبارى أحد الضيوف، أولها التمويل، وهذه النقطة بالذات يجب التركيز عليها، فالمهرجان يسعى إلى التميز وإقامة الكثير من المسابقات أسوة بالمهرجانات السينمائية العالمية، خاصة مسابقات تشجيع شباب السينمائيين على الإبداع والابتكار، ولكن تقف عقبة التمويل الضعيف لفعاليات هذا المهرجان عائقاً أمام تقديم الأفضل رغم المحاولات الجادة، وهنا يبرز السؤال الأهم، لماذا لا تقدم وزارة الثقافة الدعم اللازم لخروج المهرجان بصورة أفضل مثلما تفعل مع مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، صحيح أن الوزيرة الدكتورة إيناس عبدالدايم تحاول المساعدة بتقديم دعم مادى محدود بجانب الدعم اللوجيستى، ولكن فى رأيى أن هذا الدعم غير كافٍ على الإطلاق، ويجب أن يزيد هذا الدعم، خاصة (المادى)، إلى الضعف، كما أن وزارة السياحة، التى تدعم المهرجان عن طريق الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحى فى حاجة إلى إعادة النظر فى هذا الدعم، خاصة فى ما يتعلق بحفلى الافتتاح والختام، ويجب أن تسمح بإقامتهما فى الأماكن الأثرية المفتوحة، الذى كان مقرراً بالفعل فى هذه الدورة أن يكون الافتتاح بمعبد الكرنك، ولكن تم الإلغاء فى اللحظات الأخيرة، فإقامة حفلى الافتتاح والختام فى مثل هذه الأماكن الساحرة، سواء معبد الكرنك أو معبد حتشبسوت، سيكون بمثابة نقلة نوعية للمهرجان ولضيوفه ومتابعته من شتى البلدان، كما أن نقل حفلتى الافتتاح والختام وحتى الفعاليات يجب أن يكون عبر قنوات أكثر مشاهدة، بدلاً من الاكتفاء بنقلها على قناة «نايل سينما»، فنحن نرغب فى أن يصل صيت المهرجان إلى كل البشر، سواء فى مصر أو أفريقيا أو حتى العالم، ليس من أجل السينما فقط، ولكن من أجل مدينة الأقصر الساحرة، وآثارها المذهلة، إن فكرة توسيع نقل الفعاليات من البداية إلى النهاية فى هذا المهرجان فكرة مطلوبة ويجب العمل عليها، فهى خير دعاية، وعلى وزير السياحة بالذات التركيز والإصرار على أن تُسند عملية النقل إلى أهم القنوات وأكثرها مشاهدة.. أليس هذا أفضل من صرف ملايين الجنيهات على الدعاية لتنشيط السياحة؟
أقيم حفل الافتتاح فى قاعة المؤتمرات وحفل الختام فى قصر الثقافة وكلا المكانين لا يصلحان، سواء من ناحية تقنيات العرض السينمائى أو من حيث تهيئة المكان وتجهيزه ليكون على مستوى فعاليات هذا المهرجان، لذا يجب أن تُحسم مسألة تقديم حفلى الافتتاح والختام فى الدورات القادمة فى حضن المعابد المصرية، لأن المسألة ستختلف، بدليل ردود الفعل من جانب السينمائيين المصريين والأفارقة وضيوف المهرجان على ندوة النجم حسين فهمى، التى أقيمت بطريق الكباش، كم كانت رائعة، وكم كانت محط أنظار واهتمام الصحفيين والإعلاميين والسينمائيين.. ما بالك لو كان حفل الافتتاح أو حفل الختام أو كلاهما قد أقيم فى مثل هذه الأماكن.
ومن الفعاليات التى لفتت الأنظار فى الدورة الحادية عشرة إقامة عشر ورش فنية لدعم المواهب الفنية لجميع الفئات العمرية ضمن برنامج تنمية الجمهور المحلى ودعم المواهب بصعيد مصر، والتى يحرص المهرجان على تقديمها كل عام، ونذكر منها ورشة سينما الأطفال للمخرجة شويكار خليفة، التى استهدفت طلاب المراحل الابتدائية، حيث تم تدريب طلاب مدرسة جديدة كل يوم، وتعريفهم بسينما الأطفال واستخدام رسوماتهم فى صناعة فيلم قصير، كما أقيمت ورشة بعنوان «الحكى المسرحى لسيدات الجنوب» للفنانة إيمان شاهين، وورشة للإخراج السينمائى، التى تستهدف شباب الأقصر لتعليمهم مفهوم الإخراج السينمائى، بخلاف ورش: «تصنيع المراكب التراثية والفرعونية» للفنان سعيد الباجورى، و«ورشة تدريب الممثل»، التى أقامها الأسعد الجاموسى الدكتور بجامعة صفاقس لمادة المسرح، ويعد من أشهر الفنانين المسرحيين بتونس، بخلاف عدد آخر من الورش المهمة، التى تهدف إلى تعليم وصقل مواهب أبناء الأقصر خاصة، والصعيد عامة، وقد بذل مجهود كبير من أجل إنجاح هذه الورش وتوسيع الاستفادة منها من أبنائنا الشباب المقيمين بصعيد مصر.
ولكن يبقى السؤال الأهم: لماذا الأقصر للسينما الأفريقية فقط؟ إن مقومات مدينة الأقصر تتّسع لأن يكون مهرجانها مهرجاناً عالمياً لا يكتفى بالسينما الأفريقية، تخيل معى أن هذا المهرجان يشارك فيه سينمائيون وأفلام من أوروبا وأمريكا وآسيا، أليس هذا أفضل كثيراً إذا أردنا الترويج والدعاية لآثارنا، تخيل معى أن مارتين سكورسيزى أو توم كروز أو ميريل ستريب ضيوف فى هذا المهرجان، تخيل لو أنهم تجولوا فى أماكن مدينة الأقصر الساحرة، كم يساوى وقتها حجم الدعاية والاهتمام العالمى بهذا المهرجان وهذه الأماكن، فكرة كانت تراودنى وأنا أتجول ما بين معابد الأقصر والكرنك ووادى الملوك وغيرها من الأماكن.
يبقى أن نشيد بمجهود رئيس المهرجان سيد فؤاد، ومديرته الفنانة عزة الحسينى طوال أيام المهرجان، ومعهما باقى فريق العمل بالمهرجان من أجل إخراج دورته الأولى فى العقد الثانى من عمره بصورة مشرفة، ولكن ضعف الإمكانيات المادية والدعم المقدم للمهرجان كان عائقاً أمام رغبتهم فى تقديم مهرجان كبير، ولكن رغم ذلك لم يشعر أىٌّ من ضيوف المهرجان بهذا الأمر.
ولعل موافقة الفنان حسين فهمى على أن يكون عضواً بالهيئة العليا للمهرجان بجانب محمود حميدة، والمخرج مجدى أحمد على، وصبرى فواز، وربما يكون الدعم المقدّم فى الدورات القادمة أكبر، بفضل علاقاته الكبيرة برجال الأعمال الوطنيين، الذين يحتاجون إلى نظرة وطنية وفهم لقيمة وأهمية المهرجان لتقديم دعم أكبر حتى يصبح مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية مهرجاناً عالمياً ينتظره السينمائيون والجمهور كل عام.
وبعيداً عن المهرجان.. فقد نظمت زيارة لمعبد الكرنك للاستمتاع بعرض الصوت والضوء هناك، ولكن كانت الصدمة من المستوى الهزيل لعرض الصوت والضوء الذى بدا كمسلسل إذاعى قديم، الأصوات لعمالقة كبار، منهم يوسف وهبى وجلال الشرقاوى وغيرهما من النجوم، ولكن أجهزة الصوت والإضاءة المستخدَمة تبدو قديمة، والعرض يُقدّم بشكل تقليدى إذاعى لا يليق بمستوى التاريخ الذى يتحدث عنه والملوك الفراعين الذى يروى قصصهم، لذا على وزارة الآثار، بمشاركة وزارة الثقافة، إعادة النظر فى عرض الصوت والضوء، وضرورة الاستعانة بالتقنيات الحديثة، ومعدات الإضاءة وأجهزة الصوت والهيلوجرام وإعادة كتابة وصياغة القصص بشكل أكثر حداثة، فليس من المعقول أن نظل نشاهد عرضاً كان مبهراً قبل أربعين عاماً حتى اليوم دون تجديد أو تطوير، فالعرض ببساطة ليس على مستوى عظمة الآثار وعظمة المكان.