في ذكرى ميلاد «ابن النيل».. أسرار علاقة شكري سرحان بالأبطال الحقيقيين لأفلامه

كتب: سيد المليجي

في ذكرى ميلاد «ابن النيل».. أسرار علاقة شكري سرحان بالأبطال الحقيقيين لأفلامه

في ذكرى ميلاد «ابن النيل».. أسرار علاقة شكري سرحان بالأبطال الحقيقيين لأفلامه

الأب مدرس حاصل على شهادة أزهرية، والابن قرر أن يلتحق بمعهد التمثيل، وبمجرد إعلانه لهذه الرغبة، كان محكومًا عليه بالطرد من المنزل، فقضى أياما وليالي يتجول في الشوارع، ويبيت في المساجد، ولم ينقذه من حياة التشرد سوى أسرة ثرية منحته غرفة فوق السطوح، وبعد فترة تمكنت والدته من إعادته للمنزل، ووافق والده على دخوله معهد الفنون المسرحية، ليبدأ رحلة البحث عن النجومية، وتقديم أفلام تعرض جزءًا من حياته الحقيقية، وأبرزها فيلما «شباب امرأة، ورد قلبي».

محمد شكري سرحان الشهير بـ شكري سرحان، من مواليد 13 مارس عام 1925، ولد في محافظة الإسكندرية، وتنقل خلال طفولته بين 6 محافظات، الأب ريفي من قرية «الغار» بمحافظة الشرقية، تخرج في المعهد الديني بالزقازيق، والتحق بالأزهر الشريف، ثم حصل على دبلوم المعلمين، وأصبح مدرسًا، وتنقل بحكم مهنته بين محافظات (الإسماعيلية وبورسعيد والسويس والقاهرة)، أما الأشقاء فالأخ الأكبر الفنان صلاح سرحان الذي ظهر في فيلم «الشموع السوداء» بدور فتحي، والأخ الأصغر الفنان سامي سرحان، وأبرز أعماله دور الجد في فيلم «فول الصين العظيم».

وزير التعليم منح شكري سرحان المجانية بسبب التمثيل

كان شكري سرحان في طفولته متعلقًا بشقيقه الأكبر صلاح، كان يلازمه مثل ظله، لعب الملاكمة وانضم لفريق الكشافة مثله، وحين شاهده يشارك بالتمثيل في عرض مسرحي بالمدرسة، قرر الانضمام لفريق التمثيل في مدرسة الإبراهيمية، وأصبح رئيس الفرقة، وحصل على كأس المدارس في التمثيل 4 سنوات متتالية، لكنه قرر الابتعاد عن الفن حين اقتربت امتحانات شهادة «الثقافة» -شهادة تتعلق بالسنة السابقة للثانوية العامة- قرر الانضمام لمدرسة فؤاد الأول بالعباسية، لكن سرعان ما قرر ناظر المدرسة ضمه لفريق التمثيل، وحصلت فرقة المدرسة لأول مرة على كأس المدارس مناصفة مع مدرسته السابقة «الإبراهيمية» وشاهد عروض الفرقة وقتها وزير التعليم العشماوي باشا، فقرر منح الطالب شكري سرحان منحة المجانية في كل مراحل التعليم، تقديرًا لموهبته في التمثيل.

شكري سرحان يتعرض للتنمر بسبب البيجاما

كان والد شكري سرحان نموذجًا للأب الريفي المتدين، وعلاقته بالفنون تقتصر على كونه خطاطًا جيدًا، ويمارس هواية الرسم، وكان يقضي شهور الدراسة في المدينة،  وينتقل مع أسرته خلال شهور الإجازة الصيفية للإقامة في قريته بالشرقية، وخلال هذه الفترة تعرض شكري سرحان للتنمر من أبناء القرية لأنه كان يرتدي «بيجاما»، ووصل الأمر في بعض الأحياء للاعتداء عليه بالضرب، باعتبار أن ما يرتدونه يشبه ملابس النساء، فقرر ارتداء الجلابية والطاقية والتحدث باللهجة الريفية ليتمكن من الاندماج مع مجتمع القرية، وساعده ذلك في تنمية مهاراته التمثيلية، وأدرك بمرور الوقت أن مصيره مرتبط بالفن، ومع الإعلان عن افتتاح المعهد العالي للفنون المسرحية، قرر الالتحاق به، لكنه حين أبلغ والده بهذه الرغبة، رفض بشدة، وخيره بين التراجع عن هذه الرغبة أو طرده من المنزل، فاختار الرحيل، ليجد نفسه يسير في الشوارع ولا يعرف أين يذهب، وبات ليلته الأولى في مسجد السيدة زينب، وفي الليلة التالية استأجر غرفة في لوكاندة شعبية، لكنه لم يستطع النوم فيها، فعاد للمبيت في المسجد، إلى أن التقى أحد زملائه وكان من أسرة ثرية، فسمحوا له بالإقامة في غرفة منزلهما على السطوح، وحظي بمعاملة اعتبرها الأفضل والأكثر راحة في حياته، إلى أن جاء إليه شقيقه صلاح وأبلغه أن ضغوط والدته نجحت في دفع والده للموافقة على التحاقه بمعهد الفنون المسرحية، والمفاجأة أن الشقيقين التحقا بالمعهد وتخرجا فيه عام 1947.

شكري سرحان يوقع أول عقد احتكار

لعبت الصدفة دورًا مؤثرًا في حياة شكري سرحان، ففي آخر سنوات دراسته بالمعهد،  كانت السينما تعاني من غياب عنصر الشباب نظرًا لسيطرة جيل أنور وجدي وحسين صدقي على أدوار البطولة رغم تقدمهما في السن، فأرسلت شركة الفيلم المصري المخرج عبدالفتاح حسن لاختيار وجوه جديدة توقع معها عقود احتكار للعمل في السينما، ووقع الاختيار على 3 طلاب، فاتن حمامة وسميحة أيوب وشكري سرحان، ورفضت فاتن حمامة، ووقعت سميحة وشكري عقدًا مدته 3 سنوات، وكان يحصل في العام الأول على 30 جنيهًا شهريًا، وفي العام الثاني 40 جنيهًا شهريًا ولم يشارك سوى بدور صغير في 3 أفلام هي «نادية، وكرسي الاعتراف، واوعى المحفظة»، فلجأ للمنتج وطلب منه فسخ هذا العقد بالتراضي، وحصل على فرصة التعيين في الفرقة القومية للتمثيل – المسرح القومي- إلى أن جاءت الفرصة الحقيقة عبر شاشة السينما من خلال فيلم «لهاليبو»، وكان المخرج حسين فوزي مقتنعا بموهبته، وقدمه في اول دور كفتى أول أمام الفنانة الاستعراضية نعيمة عاكف.

شكري سرحان يقضي 30 يومًا في منزل يوسف شاهين

كان فيلم «لهاليبو» صاحب الفضل في تقديم موهبة شكري سرحان، لكنه يعتبر المحطة الأهم في حياته هي فيلم «ابن النيل» وفق تصريحات تليفزيونية، لأنه قدم خلاله الدور الأقوى فنيًا، فالدور تضمن مساحات تمثيلية رائعة، وفي وجود فريق قوي من الممثلين مثل يحيى شاهين ومحمود المليجي وماجدة وفردوس محمد، ومخرج رائع اسمه يوسف شاهين، قضي بصحبته 30 يومًا في منزل أهله بالإسكندرية، بهدف التحضير للشخصية، وفهم أبعادها وملامحها، وحقق هذا الفيلم نجاحًا جماهيريًا وفنيًا جعل من بطله حديث وسائل الإعلام المحلية والعالمية.

شكري سرحان يكشف الأبطال الحقيقيين لفيلم شباب امرأة

بلغ رصيد شكري سرحان السينمائي ما يقارب الـ 200 فيلم، وكان يعتبر الرقم كبيرًا جدًا، لدرجة أنه حين كان يخفي عن الصحف الأجنبية هذا الرقم، وكلما سألوه عن عدد أفلامه كان يدعي أنها حوالي 30 فيلمًا، والغريب أنهم كانوا يعتبرون هذا الرقم كبيرًا على أن يقدمه نجم واحد، لذا كان يتحدث معهم عن أهم أفلامه فقط، وليس كل ما قدمه، وواحدة من هذه الأفلام هو «شباب امرأة» الذي رشحه له المخرج صلاح أبوسيف، واستحضر خلاله شخصيات أقاربه ممن كانوا يدرسون في الأزهر، مثل ابن خالته الذي كان يستأجر غرفة ويقيم فيها وحده، وكان يشاهده وهو يذاكر ألفية بن مالك، واستطاع أن يمزج في شخصية «إمام بلتاجي حسنين» بين أقاربه من دارسي الأزهر، وشخصيته الحقيقية حين طرده والده وقت إعلان رغبته في دراسة التمثيل، وهو الجزء المتعلق بارتباطه بعائلة شادية ضمن أحداث الفيلم، وتزامن مع عرض الفيلم أن تقرر الدولة إطلاق جوائز الفنون لأول مرة، فحصل عن دوره في الفيلم على الجائزة الأولى في التمثيل عام 1957. 

أول مواجهة بين شكري سرحان والزعيم جمال عبدالناصر

كان شكري سرحان يعتبر نفسه محظوظًا في السينما، فقد راهن عليه بعض المخرجين في أدوار لم يتوقع أن تكون محطة مهمة في حياته الفنية، وفي تاريخ السينما المصرية، وواحدة من هذه الأفلام «رد قلبي» الذي رشحه له المخرج عز الدين ذو الفقار، وكان جزء من الأحداث مرتبطًا بحياته، لأنه بالفعل حصل على المجانية في التعليم، لكن بفضل التمثيل، بينما كان يمارس الملاكمة لكنه لم يحقق فيها أي بطولة، وقد كانت مشاهد الملاكمة في هذا الفيلم بين أبطال العمل حقيقية، وحصد عنه على الجائزة الأولي في التمثيل، إضافة لتكريمه في عيد العلم سنة 1965، وسلمه الرئيس جمال عبدالناصر وسام الجمهورية، ووقت تسلمه قدم الفنان الموهوب الشكر للزعيم على هذا الاحتفاء، ففوجئ به يقول له «يا شكري انت قدمت دورًا عبر عن شخصية من قيادات الثورة، ونجحت في هذا الدور بتفوق، انت تستاهل، مبروك يا شكري»، وقتها امتلأت عينا النجم الشهير بالدموع، ولم يستطع مشاهدة جمهور الحفل، لكنه كان يسمع صوت التصفيق فقط.

حكاية شكري سرحان مع السفاح وطبيب الكوليرا

عام 1962 عرض المخرج توفيق صالح على شكري سرحان تجربة تحمس لها كثيرًا، طبيب يواجه الجهل والشعوذة والإقطاع، ووافق على الفور، ليقدم دور الطبيب شكري الذي يحارب وباء الكوليرا في فيلم «صراع الأبطال»، واستحضر وقتها الممثل الموهوب ما عاصره من مشاهد لمظاهر هذه الفترة التي عانت خلالها مصر عام 1947 من انتشار وباء الكوليرا في القري، ونجح في حصد جائزة الدولة للتمثيل عن دوره في الفيلم.

وفي العام نفسه قدم النجم الموهوب شخصية «سعيد مهران» اللص أو السفاح كما لقبته بعض الصحف، وقد كان النجم الموهوب يحب متابعة أخباره، قبل أن يعرض عليه المخرج كمال الشيخ تقديم دوره في فيلم «اللص والكلاب» وحقق نجاحًا باهرًا خلال عرضه، كما حصل عنه على جائزة أفضل ممثل.

وكان للبطل الموهوب العديد من الحكايات مع الجوائز عن أفلام تصنف ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما، وكان نصيبه منها 15 فيلمًا، حصل عنها على عدة جوائز، ومنها «البوسطجي، والزوجة الثانية، النداهة، وقنديل أم هاشم».

شكري سرحان يواجه النكسة بـ 6 مسرحيات سياسية

خطفت السينما شكري سرحان من المسرح سريعًا، منحته الأضواء والشهرة، وفرصة المشاركة في 3 أفلام أجنبية، هي: «ابن كليوباترا» للمخرج الإيطالي فيرناندو بلدي، وفيلم «قصة الحضارة» للمخرج الإيطالي روبرتو روسيلليني، أحد رواد الواقعية في السينما الإيطالية، وفيلم «أسد سيناء» للمخرج الإيراني فريد فتح الله منجوري.

 ورغم أن بداية شكري سرحان كانت على خشبة مسرح الدولة، إلا أن إسهاماته الحقيقية في هذا المجال جاءت حين توقف الإنتاج السينمائي عقب نكسة 1967، وهجرة غالبية الفنانين إلى الخارج، بينما قرر هو في هذه الفترة عدم السفر رغم الإغراءات المالية، قدم 6 روايات من أبرز تجارب المسرح السياسي وهي: (آه يا ليل يا قمر، وتحت المظلة، وياسين ولدي، والزعيم، وأيوب الجديد، ورأس العش).

أعمال شكري سرحان التليفزيونية

أدى شكري سرحان فريضة الحج بصحبة زوجته نرمين عوف عام 1984، وحصل بعد عودته على الجائزة الأولى في التمثيل عن دوره في فليم «ليلة القبض على فاطمة»، وقرر بعدها التركيز على الأعمال التليفزيونية، خاصة الدينية، وأبرز إسهاماته في هذا المجال مسلسلات: (دموع الشموع، وعلى هامش السيرة، ومحمد رسول الله، والمشربية، والشاهد والمتهم، وملك اليانصيب، والأنصار، وصاحب الجلالة، وبيار الملح، وأبرياء ولكن).

ابتعد شكري سرحان عن الأضواء في آخر 3 سنوات من عمره، وفارق الدنيا في 19 مارس 1997.


مواضيع متعلقة