في ذكرى ميلاد «برنس الشر».. مغامرات عادل أدهم مع ملك القطن فرغلي باشا

كتب: سيد المليجي

في ذكرى ميلاد «برنس الشر».. مغامرات عادل أدهم مع ملك القطن فرغلي باشا

في ذكرى ميلاد «برنس الشر».. مغامرات عادل أدهم مع ملك القطن فرغلي باشا

كان مع أصدقاءه على الشاطئ حين سمع جملة «تشتغل في السينما يا خواجه».. كان عايش حياته بالطول والعرض، شاب رياضي، يتحدث 4 لغات، ويجيد 4 رقصات، ملامحه خواجاتي، يمارس السباحة والجمباز والملاكمة، موظف بدرجة خبير، ومرتبه 15 جنيه، وصاحب مغامرات في البورصة، جعلته يحظى باهتمام فرغلي باشا ملك القطن، هكذا كان يعيش عادل أدهم، قبل أن يسمع جملة «تيجي تمثل يا خواجة».

أول عقاب لـ عادل أدهم

الاسم عادل محمد حسن أدهم، مولود بحي الجمرك في 8 مارس 1928، الأب موظف، والأم ربة منزل من أصول تركية، التحق بمدرسة إبراهيم باشا، كان غاوي رياضة من يومه، واهتمامه بالسباحة والجمباز وألعاب القوى والملاكمة، تسبب في رسوبه في الصف الثالث الابتدائي، وقتها تلقى أول صفعة من والده، لكن كان نتيجتها أنه عاد السنة 3 مرات، ولم يعينه على النجاح والحصول على الباكالوريا، سوى والدته «خديجة»، كان يحبها ويعتبرها أهم شيء في حياته، وكانت هي تدرك أنه بحاجة للتدليل، حين يأتيها ليؤدي لها دور «البلياتشو».. تدرك أنه يحتاج ريال فضة لزوم الفسحة مع أصدقاءه.

طوى عادل أدهم صفحة الدراسة، وبدأ حياته العملية من داخل محالج القن في الإسكندرية، إلى أن اصبح موظفا بدرجة خبير في القطن، وفق تصريحاته التليفزيونية، وهي مهنة أصدقاءه الأجانب، وساعده على النبوغ فيها إجادته لـ4 لغات «الإنجليزية، الفرنسية، الإسبانية، التركية»، مثلما يجيد رقصات التانجو والفالس والرومبا، كان مطلوب منه أن يكون اجتماعيا، يجيد التعامل مع مختلف الطبقات، بحكم تنوع الأدوار والمسؤوليات في هذه المهنة، أدني مراتب العاملين في القطن، يحمل أصحابها لقب «القن» ومعناها العبد وظل هذا اللفظ مستخدما في هذه عالم القطن، رغم انتهاء العبودية في مصر منذ أيام الخديوي إسماعيل، المرتبة التالية في تصنيف العاملين هي «نفر»، وتنطبق على العمال، ثم تأتي مرتبة رئيس العمال، وهو المسؤول عن تنفيذ المهام التي يتلقاها من رئيسه الذي يحمل لقب «خبير»، يليه «الخواجة»، وهو المدير الأجنبي للشركة، وصاحب أعلى رتبة هو صاحب الشركة، وفي حال عادل أدهم كان رئيس الشركة هو فرغلي باشا ملك القطن.

كان عادل أدهم، يتعامل مع فرغلي باشا بإعجاب شديد، كان يراه مايسترو يقود شبكة علاقات تجمع الشامي والمغربي، أهل الفن والسياسة، ولاد البلد والأجانب، فهو أول مصري ينهي سيطرة الخواجات على المناصب القيادية في بورصة القطن، ونجح في انتخابات 1935، أن أصبح وكيلاً لبورصة مينا البصل، وحياته كانت نموذجا لحال البورصة، عاش تقلبات بما تحمله من خسائر وأرباحا خيالية، وكان من كبار المساهمين في شركات وبنوك كثيرة، ووصلت أرباح شركته السنوية إلى ما يزيد على مليون جنيه في منتصف الأربعينيات.

أول فرصة لظهور عادل أدهم على شاشة السينما

كان عادل أدهم، يجلس على شاطئ الإسكندرية مع أصدقاءه، ووجد الكاتب الكبير بديع خيري، والمخرج عبدالفتاح حسن، يقولان له «تيجي تمثل يا خواجة»، فذهب لهما معترضا على لفظ «خواجة»، وحين أدركا أنه مصري عرضا عليه التمثيل في السينما، وكانا وقتها يصوران فيلم «ابن الفلاح» بطولة محمد الكحلاوي وتحية كاريوكا، لكن عادل أهم حين وقف أمام الكاميرا لم يستطع الحديث، وغادر المكان عائدا لأصدقائه، وحكي لهم ما حدث، فطلبوا منه أن يعود للتصوير ويحاول مرة أخري، فرفض، معتبرا أن الأمر مجهد وغير مجدي.

عادل أدهم يلجأ للسينما بسبب مشاكل ملك القطن

أول تجارب عادل أدهم في السينما كانت قاسية، لكن اضطراب بورصة القطن، وتراجع نشاط شركة فرغلي باشا، بدرجة جعلتها قريبة من الإفلاس عام 1948، دفعه لطرق أبواب رزق جديدة، فظهر بين عامي 1948 و1951 في عدد من الأفلام بدور كومبارس أو راقص، أبرزها «ليلي في الظلام، جواهر، البيت الكبير، ماكانش على البال»، ومع قيام ثورة يوليو 1952 وعودة شركة ملك القطن لقيادة البورصة، تراجع الممثل الصاعد عن قرار احتراف الفن، واكتفي بأداء الهاوي، إلى أن جاء قرار تأميم الشركة عام 1961، وسفر فرغلي باشا بعدها إلى إنجلترا للعمل كمستشار لأحد البنوك، فأدرك عادل أدهم أن مشواره مع بورصة القطن أنتهي، وقرر تنفيذ نصيحة أصدقاء بأن يتفرغ للتمثيل.

«تاكسي» نور الدمرداش ينقذ عادل أدهم

قرر عادل أدهم، أن يحترف التمثيل، وأتيحت له فرصة المشاركة في فيلم تليفزيوني يحمل اسم «تاكسي»، مع المخرج نور الدمرداش، ووقتها ذهب إليه في مكتبه بالتليفزيون، وفق تصريحات تليفزيونية، وقرر أن يهدي له عصا صغيرة، وقال له «أنا معرفش في التمثيل، كل ما أغلط اضربني بالعصاية، بس خليك حنين في الضرب».

عادل أدهم يقاطع المسرح بعد أول تجربة

تجربة العمل في التليفزيون، منحت الممثل الصاعد فرصة تعلم الصبر والتمثيل، لأنه كان يعتبر تكرار التصوير داخل بلاتوهات مغلقة أمر ممل ومرهق، وسرعان ما تلقى وسيلة إنقاذ من تكرار هذه التجربة، حين منحه صديقه السيناريست محمد عثمان، فرصة المشاركة في فيلم «هل أنا مجنونة» عام 1964، بعدها شارك في 4 أفلام في نفس العام، وتوالت عليه العروض إلى أن جاءت الفرصة التي يعتبرها التجربة الأكثر قسوة في حياته، حين أسند اليه المنتج عباس حلمي، بطولة مسرحية «وداد الغازية» عام 1966 أمام هدى سلطان، واضطرا خلال هذه الفترة، للعمل في المسرح ليلا، وفي السينما نهارا، واستمر الأمر على هذه الحال لمدة سنة، شعر خلالها بأن كل يوم بمثابة حادثة، وعلقة أنهكته جسديا وذهنيا، وانتهت بقرار ألا يعمل في المسرح مرة أخرى.

أفلام عادل أدهم في تركيا وإيطاليا ولبنان

تفرغ عادل أدهم للسينما، لكن نكسة 1967 أربكت حساباته مع الشاشة الذهبية، فحجم الإنتاج تراجع في أفضل سنوات توهجه الفني، ولم يعوضه سوى عروض المشاركة في أفلام أجنبية، فسافر إلى إيطاليا، وكان أبرز أفلامه هناك «كيف تسرق القنبلة الذرية»، وسافر إلى تركيا، وكان أبرز أفلامهم هناك «لصوص الصحراء»، كما شارك فيما بعد في فيلم مصري أمريكي، يحمل اسم «فلاتفوت على النيل».

بعدها تلقى عرضا للمشاركة في الفيلم اللبناني «أفراح» مع نجلاء فتحي، بعدها قرر الإقامة في بيروت، بحكم توقف السينما تماما في مصر، إلى أن فوجىء برئيس مؤسسة السينما المصرية في ذلك الوقت، عبدالحميد جودة السحار يأتي إلى بيروت عام 1969، ويعقد لقاءً مع الفنانين المصريين، ويطالبهم بالعودة إلى القاهرة، لأن السينما المصرية بما لها من دور مؤثر في الوطن العربي، لا يمكن أن تتوقف، وبالفعل قرر الجميع العودة.

عادل أدهم عاد إلى مصر، لأنه كان يحلم خلال هذه الفترة بالعمل مع المخرج نيازي مصطفي، فهو أكثر من يعتبرهم أصحاب فضل عليه في التمثيل، لأنه كان يؤمن بموهبته منذ البداية، منحه فرصا كثيرة ومتنوعة، راهن على نجاحه، في أدوار تراجيد

ية، مثل قيصر روما في فيلم «فارس بني حمدان»، ودور كوميدي في «جناب السفير»، وكان يمنحه من وقته الكثير ليدربه على التمثيل، والتخطيط لملامح الشخصية من أسلوب التفكير لطريقة الكلام ونوعية الملابس.

بلغ رصيد عادل أدهم من الأفلام 280 فيلما، أبرزها «سارق الملايين، القرش، الفرن، حافية على جسر من الذهب»، وآخرها «علاقات مشبوهة» 1996م، وضمت قائمة أفضل 100 فيلم سينما، أربعة من أفلامه، وهي «السمان والخريف، ثرثرة فوق النيل، المذنبون، وسوبر ماركت».

طقوس عادل أدهم وتفاصيل مملكته الخاصة

حفر عادل أدهم لنفسه صورة مميزة في ذاكرة محبي السينما، لكن حياته الشخصية بعيدة تماما عن هذه الصورة، فهو مثلا لا يحب النظر في المرآة، ولا يعلق أي صور له في منزله، يحب الموسيقي الهادئة، ولا يسمع الأغاني، ولا يشاهد التليفزيون، اعتاد أن يقضي وقته في قرأت سيناريوهات أعماله، وبعدها يركب حصان قليلا ليشعر بالراحة، وحين يرغب في الحصول على إجازة يهرب إلى الغردقة ليصطاد السمك.

هكذا كان يقضي عادل أدهم أيامه، وقائمة أولوياته تبدأ بوالدته ثم السينما، وحين رحلت الأم، عاش لأجل السينما فقط، لكن السينما أعطته درسا قاسيا، بعد أن انتهى من تصوير مشهد نهاية فيلم «ثمن الغربة»، مع المخرج نادر عام 1987، فخلال رحلة عودته للمنزل تعرض لحادث سيارة، وأجرى جراحة خطيرة، بعدها خضعت زوجته لعملية جراحية، وخلال هذه الفترة، لم يطرق بابه أحد من الفنانين، وظل لعامين يشعر بأن السينما وصناعها هجروه، وفق تصريحات تليفزيونية، كانت سببا في عودته مرة أخرى بفيلم «جحيم تحت الماء»، وتوالت بعدها العروض.

جوائز عادل أدهم

حصل عادل أدهم على العديد من الجوائز، منها أحسن ممثل عن أفلام: طائر الليل الحزين عام 1977، والمجهول عام 1981، والسلخانة عام 1982، والشيطان يعظ عام 1983، والسيد قشطة عام 1984، واتنين على الطريق عام 1984م، وآه يا ليل يا زمن عام 1987، وجائزة مهرجان الإسماعيلية للأفلام الروائية كأحسن ممثل عن دوره في فيلم «بذور الشيطان»، وجائزة من عمدة لوس أنجلوس عن مجمل أعماله السينمائية، وجائزة الجمعية المصرية لفن السينما عام 1982، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة عن دوره في فيلم «سواق الهانم»، من مهرجان الإسكندرية السينمائي، وآخر جائزة أحسن ممثل من المركز الكاثوليكي عن دوره في فيلم «سواق الهانم».

أُصيب عادل أدهم بمرض السرطان، وسافر للعلاج على نفقة الدولة في المستشفى الأمريكي بفرنسا عام 1995م، وتوفى في 8 فبراير عام 1996 بعد عودته بعشرة أيام، داخل مستشفى الجلاء العسكري.


مواضيع متعلقة