من أدب الجريمة.. فيلم الإرهاب والكباب
فى الثامن والعشرين من شهر فبراير الماضى، وخلال فعالية «المشروع القومى لتنمية الأسرة المصرية» المقامة بالعاصمة الإدارية الجديدة، انتقد الرئيس عبدالفتاح السيسى فيلم «الإرهاب والكباب»، قائلاً إن «فيلم الإرهاب والكباب صور المواطن بيشتكى وخلى البلد تظهر كخصم ومخلاش السلبية خصم، المواطن اللى مبيشتغلش هو اللى خصم، ولما حولت البلد لخصم بعض الناس فى 2011 هدوها». وأضاف الرئيس السيسى أنه: «لولا فضل الله علينا وكرمه كانت هتبقى زى كل البلاد اللى انتوا شايفينها مقامتش تانى، اللى بيروح مبيرجعش، ولكن الله أفاض علينا بكرمه مش معقول نفضل زى ما إحنا بقا بعد كدا!!!».
والواقع أن فيلم «الإرهاب والكباب» يندرج ضمن ما يمكن أن نطلق عليه «أدب الجريمة». ويعود تاريخ عرض هذا الفيلم لأول مرة إلى سنة 1992م، أى منذ ثلاثين عاماً تقريباً، إبان فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وهو من تأليف الكاتب الكبير وحيد حامد، وإخراج شريف عرفة، وبطولة الفنان الكبير عادل إمام والفنانة الجميلة يسرا والفنان الراحل كمال الشناوى. وتدور أحداث الفيلم فى المجمع الحكومى الأشهر فى مصر، ونعنى به مجمع التحرير، حيث يتوجه أحمد (عادل إمام) لنقل طفليه من مدرسة إلى أخرى. ويصطدم هناك بعقبات الروتين، وتتطور الأحداث ليجد نفسه فجأة يحمل سلاحاً مشهراً وسط المواطنين، متخذاً بعض المواطنين المرتادين المجمع كرهائن، وينضم إليه بعض الموجودين، وسرعان ما تأتى قوات الشرطة لتحاصر المكان، وتتم المفاوضات بوجود وزير الداخلية الذى يتابع الموقف، ويفاجأ بأن مطالبهم شخصية بحتة، فيأمر الوزير الخاطفين بإطلاق الرهائن وإلا سيهاجم المكان بكل من فيه بما فى ذلك الرهائن، فيترك أحمد الرهائن ولكنهم يأبون تركه وراءهم ليواجه الموت، فيطلبون منه الخروج معهم هو ومن معه، كأنهم رهائن، وذلك بعد أن شعروا بأن مطلبه كان يمثل مطالبهم جميعاً فى البحث عن الوطن العادل. ويخرج الجميع من المبنى فتدخل الشرطة لكيلا تجد أحداً عدا العسكرى (أشرف عبدالباقى) وملمع الأحذية (أحمد راتب)، وكأن الأرض قد انشقت وابتلعت من كانوا عليها من الإرهابيين، وكأن المكان لم تكن به عملية إرهابية منذ لحظات.
وجدير بالذكر أن الأفلام السينمائية والتليفزيونية والروايات الأدبية يمكن أن تخضع للتحليل والدراسة من زاوية علم الاجتماع وعلم الفلسفة وعلم السياسة وعلم القانون. وهكذا، فإن بعض الكتاب قد اهتموا بدراسة العلاقة بين الأدب والفلسفة، مشيرين فى هذا الصدد إلى أن بعض كبار الأدباء هم من دارسى الفلسفة، كما هو الشأن بالنسبة للأديب المصرى العالمى نجيب محفوظ، وبحيث ظهرت مصطلحات «فلسفة الفن» و«فلسفة الفن والجمال» و«فلسفة الأدب». وانشغل البعض الآخر بدراسة العلاقة بين الأدب والسياسة من خلال ما اصطلح على تسميته «الأدب السياسى» أو «المسرح السياسى». ويركز فريق ثالث على «التحليل الاجتماعى للأدب». وقد ينصرف اهتمام رجال القانون، ولا سيما فقهاء القانون الجنائى، إلى دراسة ما يمكن أن نطلق عليه «أدب الجريمة». بل إن المواطن العادى كثيراً ما يمارس حقه فى التعبير عن رأيه بشأن العديد من الأعمال الفنية، ولا سيما تلك التى تتضمن مساساً بالقيم المجتمعية والدينية من وجهة نظره.
وبالإضافة إلى ما سبق، تجدر الإشارة إلى أن علماء الإجرام قد اهتموا بدراسة العلاقة بين السينما والجريمة، وبحيث ذهب بعضهم إلى أن بعض الأفلام يمكن أن تلعب دوراً إجرامياً من خلال دفع بعض المشاهدين إلى تبنى أفكار شاذة وخلق أو نمو بعض المشاعر والميول العدوانية لديهم. وأهمية هذا النوع من التأثير تبدو فيما يتعلق بالأفلام التى تصور المجرم كضحية للمجتمع، مما يدفع الجمهور إلى التعاطف معه، وربما يكون ذلك على حساب العدالة، على نحو ما حدث فى فيلم «الإرهاب والكباب». وإذا كان الكاتب الكبير الراحل «وحيد حامد» قد أراد التعبير عن فكرة أن طموحات الفقراء والموظفين ليست عالية ولا كبيرة، وأن أقصى أمانيهم هى وجبة غداء جيدة، فإن هذه الفكرة كان يمكن التعبير عنها بطريقة أخرى، وليس من خلال تصوير انزلاق أحد الأشخاص إلى سلوك الإرهاب واختطاف الرهائن حتى لو كان ذلك بدافع نبيل أو تحت تأثير المعاناة التى لاقاها من خلال البيروقراطية الوظيفية، ومن ثم إظهار التعاطف مع المجرم. حفظ الله مصرنا الحبيبة من كل مكروه وسوء.