خديعة «نتفليكس».. ماذا يدور فى الكواليس؟

لطفى سالمان

لطفى سالمان

كاتب صحفي

(1)

«نتفليكس» تتلاعب فى التصنيف العمرى للأفلام.

هذه حقيقة لا تحتمل التأويل أو التهوين. هذا يقين موازٍ ليقين الاعتراف بحرفية المنصة العالمية وقدرتها على إنتاج محتوى جاذب، لكل الفئات.

«نتفليكس» تنتج أفلاماً للرسوم المتحركة موجّهة للأطفال فى عمر 7 سنوات فأكثر (+7)، تمجّد فيها النماذج المثلية وتعتبرها فى كثير من الأحيان مثالية.

ليس شرطاً أن تحتوى هذه الأعمال على مشاهد مباشرة.

فى كثير من الأحيان تصبح دلالات الإشارات أخطر من المباشرة.

النماذج متاحة ومتعدّدة لفئات فى عمر (+7) و(+13). فى أبريل 2020، أصدرت فيلماً مصنّفاً لسن 7 سنوات فأكثر.

ورغم صغر الفئة العمرية المستهدَفة، لم تسلم نسخة الفيلم المطروحة فى دول الشرق الأوسط من الإشارات الصريحة والضمنية للمثلية الجنسية.

الصور الواردة فى الفيلم تربط المثلية فى أذهان الأطفال فى عمر 7 سنوات بالمهام النبيلة.

هذه الصور التى مرت طوال الفيلم، أظهرت المثلية وكأنها الكنز الذى يمكن أن يكون فى نهاية البحث عن المفقود.

هذا الذى تنتهجه «نتفليكس» يمكن تفسيره بوجهة النظر التى يطرحها جان براسكامب، أستاذ مساعد علم النفس فى جامعة ميتشجان. القشرة البصرية فى المخ والمسئولة عن معالجة الصور المرئية، تلعب دوراً كبيراً فى اتخاذ الشخص قراراته، حيث تستطيع التبديل بين تفسيرات الصور دون أى مساعدة من مناطق المخ الأخرى واتخاذ قرارات بناءً على ذلك، هكذا يرى براسكامب فى دراسة له.

يعنى هذا أن الطفل عندما يعتاد ربط هذه التداعيات الإيجابية والطيبة الكامنة فى المثلية حسنة النية، فإنه سيكون أقرب إلى تقبّل الفكرة كمراهق أو شاب، لم يتّخذ خياراته بنفسه، وإنما تم الإيحاء له بها منذ الصغر.

وإذا كانت «نتفليكس» حرة فى ما تطرحة من محتوى للبالغين القادرين على تحديد مواقفهم، فإنها ليست حرة فى طرح الأفكار نفسها لفئات غير قادرة على تحديد خياراتها.

باليقين، هذا توجيه ناعم لفكرة غير مستساغة، لتصبح مقبولة وشعبية بين فئات وليدة.

(2)

هذا التلاعب فى التصنيف يوازيه أيضاً تعتيم متعمّد فى المعلومات.

لا يوجد إحصاء دقيق بعدد البيوت المصرية المشتركة فى المنصة.

ورغم هذا الإخفاء للحقائق، قال لى منتج مصرى عمل معهم، إنه سمع منهم فى عام 2018 أن عدد مشتركيهم فى مصر وصل إلى 300 ألف، لكنه شكك فى دقة هذا الرقم آنذاك، ويعتقد أن عدد من لهم حق الدخول الشرعى على المنصة لم يصل إلى هذا الرقم أيضاً حتى وقتنا هذا.

بمثل هذه الأرقام الافتراضية، مصر من أضعف أسواق الشبكة.

بالمقارنات، نحن لا شىء، بالنسبة لـ221 مليون مشترك على مستوى العالم (آخر رقم متاح فى نوفمبر 2021)، لكن هذا لا يحرمنا من عرض التفاصيل، تحسّباً لرهانات منصة تريد أن يصل عدد مشتركيها إلى نصف مليار حول العالم بحلول 2030.

هذه الأرقام مصدرها شركة Statista، وهى منصة بيانات عالمية متخصّصة فى بيانات السوق والمستهلكين، وكذلك موقع ResearchGate، وهو موقع مجانى متخصص فى مساعدة الباحثين.

(3)

المعلومات تتوالى والشهادات تتزايد.

أطلعنى 5 موظفين فى «نتفليكس»، من خارج مصر، بينهم اثنان فى أمستردام (المقر الذى تخصصه الشبكة للإنتاج العربى) على تفاصيل متعلقة بالترجمة تعكس التوجّه الذى تريد له أن يكون سائداً وشعبياً وترفض الرد على أى أسئلة بخصوصه.

«نتفليكس» تمنع المترجمين من استخدام كلمة «طبيعى»، فى أى سياق له علاقة بالجنس، وترجع ذلك إلى اعتبار أن هذا المصطلح تحقيرى ومهين للمجموعة المقابلة (المثليين)، ويعزّز توصيفهم بأنهم ليسوا أسوياء.

وترفض استخدام تعبير «متشبه بالجنس الآخر»، وتصنّفه على أنه أصبح مصطلحاً قديماً ومهيناً، وأن تعريبه على هذا النحو يقود إلى نص دينى يحرّم ممارسة الشذوذ الجنسى.

كما تحذر استخدام كلمات «مخنث ولوطى وشاذ جنسياً» وتعتبرها أيضاً مهينة لهذه الفئة.

ليس هذا فحسب، بل تمنع أيضاً استخدام تعبيرى «شذوذ جنسى أو انحراف جنسى»، وتصنفهما على أنهما وصفان لـ«البارافيليا»، أى السلوك الجنسى خارج المألوف.

وقبل أن أكمل ما اطلعت عليه، أود أن أشير إلى أننى طرحت على المنصة سؤالى الآتى:

- هل هذا يعنى من وجهة نظر «نتفليكس» أن الشذوذ نمط جنسى مألوف ومقبول وسائد فى العالم كله ولكل المجتمعات؟

لكن لم يأتنى أى رد.

كل هذه الكلمات التى أشرت إليها ممنوعة فى السياق الطبيعى للترجمة فى «نتفليكس»، ولا تُستخدم إلا فى سياق واحد. سياق الحط من قدر من ينطق بها، وإظهاره بمظهر العنصرى أو العدائى أو من يشكل تهديداً لحياة فئة معينة من الناس.

«نتفليكس» تريد أن تمحو من قواميسنا اللغوية أى ترجمة لها دلالاتها فى المجتمعات العربية.

(4)

حين سألت هؤلاء الذين تحدثت إليهم، عن الأسباب التى تدفع الشبكة لرفض الرد على الأسئلة، قالوا لى إنهم بالأساس يريدون الصحافة أن تكون دعائية. جزء من عملية بروباجندا.

هذا الذى قالوه فسرته دلائل أخرى، من بينها أن المنصة تشترط على أى صحفى يريد أن يجرى حواراً مع أىّ من الفنانين المشاركين فى إنتاجها، الذهاب إلى الحوار بـ«لوجو» المحطة أو الجريدة التى يمثلها فقط، على أن يتولوا هم التصوير والمنتجة، ليتحكموا فى ما يجب أن يُقال ويخرج للجمهور.

سلوك استبدادى يعكس حجم التناقض فى ما تطرحه المنصة من آراء وبين مواقفها.

«نتفليكس» لا تريد شهوداً على كواليس ما تقدمه.

تحرم مساعدى الفنانين من الوجود فى أى نطاق للتصوير. لدى شهادتان فى هذا السياق، لن أذكر تفاصيلهما، احتراماً لرغبة المصدرين.

يمكن لمن يتعاطفوا مع المنصة تفسير ذلك من موقف رغبتها فى الحفاظ على خصوصية أعمالها خوفاً من التسريب، لكنه يمكن أن يفسّر أيضاً بأنه رغبة فى تقليل شهود العيان على كواليس، ربما تكون مفيدة فى تحديد الجمهور لمواقفه من أعمالها.