ألوان حرب أوكرانيا الكثيرة
الحمد لله على نعمة الإعلام الذى كنا نظنه فى طريقه للاندثار، لكن شاءت الأقدار والحرب الروسية فى أوكرانيا أن تخبرنا أنه على قيد الحياة وبخير وباقٍ معنا لحين إشعار آخر. أتحدث عن الإعلام فى العالم، والمقصود بأنه «بخير» هو أنه ما زال يعمل وينتج. وهو باقٍ معنا رغم أنف منصات التواصل الاجتماعى وما تحقنه بنا قصراً من كبسولات «تيك توك» سخيفة ومقاطع «يو تيوب» عجيبة وتغريدات غير معلومة المصدر وتدوينات تعتنق مبدأ العنعنة دون سند أو تفنيد.
وكوننا قابعين أمام شاشاتنا نتابع الوجبات الإعلامية العالمية بالغة الثراء لا يعنى أن هذه الوجبات منزهة عن التحيزات وترجيح كفة المصالح وتوجيه الرأى العام وغسل الأدمغة فى الاتجاه المرجو بحسب العقول المدبرة الصانعة للمحتوى.
محتوى التغطيات الإعلامية عن الحرب الدائرة رحاها يستحق التفرغ التام لمن استطاع للتفرغ سبيلاً. كما أنه أحق وأولى من الكبسولات الكهربائية الزاعقة التى نتجرعها عبر منصات التواصل الاجتماعى. الشرط الوحيد لهذه المتابعة أن يتحلى الجالس أمام الشاشة بعقل نقدى ومعرفة يقينية مسبقة أن ما هو مقبل عليه مصبوغ بألوان السياسة والاقتصاد والمصالح، ما ظهر منها وما بطن.
«العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا» و«العملية العسكرية الروسية لحماية دونباس» هما ذاتهما «الغزو الروسى لأوكرانيا» و«اعتداء بوتين الشنيع». و«رغبة روسيا فى شطب أوكرانيا من على الخريطة» و«انجراف بوتين وراء أطماع استعمارية لا تليق بالقرن الـ21» هما «حماية روسيا لمصالحها وأمنها القومى» و«انجراف أوكرانيا فى علاقة مشبوهة مع الغرب والناتو».
و«إجلاء 142 شخصاً من دونباس إلى روسيا منذ منتصف فبراير لإيوائهم» و«تجهيز عشرة آلاف و500 طن مساعدات إنسانية روسية لأوكرانيا» هى «مليون لاجئ أوكرانى يهربون من جحيم الحرب الروسية» و«الاتحاد الأوروبى يتعهد بتقديم 500 مليون دولار مساعدات إنسانية لأوكرانيا». وحتى «تركيا تطالب روسيا بوقف القتال فى أوكرانيا فوراً»، و«تركيا تغلق مضيقى بوسفور والدردنيل لإجبار روسيا على وقف الحرب» هى «تركيا تشجب التحريض الغربى على كراهية الشعب الروسى» و«إسطنبول تؤكد أن مضيقى بوسفور والدردنيل مفتوحان أمام السفن الروسية».
و«موسكو تستدعى سفير إسرائيل لديها وتسأله: لماذا تدعمون النازيين (فى إشارة إلى أوكرانيا)؟» تتحول إلى «إسرائيل تحاول التوازن بين دعم الأوكرانيين وفى الوقت نفسه عدم الإساءة لروسيا». والوضع نفسه ينطبق على الصين فهى هنا «الصين تدعم روسيا وتحمل أمريكا مسئولية ما وصل إليه الوضع فى أوكرانيا» و«الصين ترفص العقوبات المفروضة على روسيا» وهناك «الصين لا تدعم روسيا بالقدر الكافى» و«جفاء الصين تجاه روسيا قد يهيئ الأجواء لتقارب أمريكى صينى».
حتى الحرب العالمية الثالثة التى تلوح فى الأفق فهى سؤال مطروح كاستطلاع رأى هنا فى صيغة «هل يتجه التصعيد بين أمريكا وروسيا حول أوكرانيا إلى حرب عالمية ثالثة نووية الطابع؟» وموضوع الحلقة هناك بأن «تلويح روسيا بورقة الحرب العالمية الثالثة وهم وخيال».
غاية القول أن ما تطالعه هنا ستطالع عكسه تماماً هناك فى وسائل إعلام العالم. وكل منهما معضد بالحجج ومقوى بالبراهين التاريخية والتصريحات الرسمية وتحليلات الخبراء. ما الذى يعنيه هذا؟ يعنى أن على المتابع أن يتحلى بالتلقى النقدى للحرب. هو تدريب مستحق لكيفية استخدام المخ بديلاً عن تعطيله. ويعنى أيضاً أنه -شئنا أم أبينا- فإن فهم وتحليل الحرب الدائرة رحاها الآن يتلونان أممياً بألوان المشاعر والمصالح والانتماءات التاريخية والتحيزات الثقافية.