أزمة التشريعات الإعلامية
المؤكد أن صياغة التشريعات الإعلامية الجديدة، وفقاً للدستور، تمثل جوهر الأزمة المتفجرة فى الوسط الصحفى الآن مهما ادعى كل طرف نفياً أو إنكاراً، ومهما حاول كل طرف أن يقدم من مبررات لقبول فكرة تأسيس غرفة صناعة الصحافة الخاصة أو رفضها.
ولنكن صرحاء ونحن نفرض على الرأى العام أزمة جديدة وكأنه فى ترف من قلة الأزمات التى يواجهها، فالحقيقة أن صراع القوى الجديدة الطامحة للنفوذ مع القديمة الراغبة فى استمرار السيطرة كان لا بد أن ينفجر فى لحظة ما تأخرت كثيراً حتى آن أوانها.
لقد ارتكبت نقابة الصحفيين خطأ جسيماً وهى تعلن: «أنا الحكومة»، وتختطف حق صياغة التشريعات الصحفية بمفردها تحت مسميات وهمية مثل الممثل الشرعى الوحيد، والتستر خلف المجلس الأعلى ومجموعة إعلاميين انتقوا أنفسهم واعتبروا أنهم أيضاً الممثل الشرعى الوحيد للإعلاميين، فى ظل غياب كامل لأصحاب المصلحة الحقيقيين فى صياغة التشريعات الصحفية والإعلامية إن جازت التفرقة.
وفى المقابل تقدم أصحاب الصحف الخاصة وهم يملكون مؤسساتهم الإعلامية أيضاً ليطرحوا أنفسهم بديلاً، راغبين فى فرض سطوتهم ونفوذهم ولمَ لا وهم يمثلون الأغلبية العددية فى المطبوعات اليومية ويشاركون فى صدارة التوزيع أحياناً، بل ولا يعانون كما تعانى الصحف القومية والحزبية المتراجعة، كما يملكون شاشات الفضائيات المتفوقة والمتحكمة بعد تراجع الإعلام الحكومى بوضوح عن المنافسة، فكانت الخطوة غير الموفقة بانعقاد اجتماع رؤساء التحرير للدعوة لتأسيس غرفة صناعة الصحافة الخاصة، التى ما كان لهم التصدى لها لأسباب قانونية ومهنية فى آن، وذلك رغبة فى تأكيد الوجود المزدوج الصحفى التليفزيونى لرجال الأعمال.
أخطر ما نمر به الآن هو صراع «الأنا» واحتكار المسئولية بين الطرفين، فقد منح ائتلاف النقابة والإعلاميين «المنتقين» أنفسهم سلطات وصلاحيات احتكارية جائرة تقصى الآخرين وتحتكر التشريع لنفسها مهما كانت المسميات والأدوات التى سوف تستخدمها.
ولا تقل رغبة أصحاب الصحف فى تعديل موازين القوة، خصوصاً وهى تبحث عن الأدوات الفنية من مطابع وشركات توزيع وأساطيل نقل وأنشطة تجارية عديدة التى احتكرتها المؤسسات القومية لفترة طويلة وسيطرت بها على السوق الصحفية.
والشاهد أننا لا نستطيع فصل الأزمة الحاصلة عن التداعيات المنتظرة كون مصر مقبلة على تشريعات ستضيق الفروق بين الجوانب المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية من الناحية التشريعية والرقابية، الأمر الذى يخلق بيئة تدفع كل طرف إلى تحسس مسدسه.
اللافت أن الصراع يدور ويتصاعد وسط رأى عام لا يملك من أمره شيئاً، وحكومة صامتة رغم أنها، وفقاً للدستور، المؤسسة المعنية بتقديم التشريعات بالشراكة مع رئيس الجمهورية لحين انتخاب برلمان، لكن التشريعات الإعلامية الديمقراطية تتعارض مع انفراد الحكومة بها، وأخيراً مع أصحاب مصلحة أكاديميين وقانونيين ومؤسسات صامتين متابعين لما يحدث مفتقدين لأدوات التدخل أو التأثير.
العودة للحق فضيلة، وتشريعات الإعلام ليست كأى تشريعات، وإنما هى تشريعات تتصل مباشرة بحقوق المجتمع وحرياته أكثر من أى شىء آخر، ويجب ألا تقوم عليها مؤسسة واحدة حتى بعراقة ونضالية نقابة الصحفيين، وإنما يجب أن يقوم عليها برلمان منتخب ممثل لكل فئات الشعب وتياراته وتكويناته الاجتماعية والفكرية والسياسية، ولا يمكن أبداً الاعتداد بمخاوف من شكل البرلمان المقبل، أو قدرة الناخبين على الاختيار كمبرر للانتهاء من التشريع قبل الانتخابات البرلمانية.
البرلمان هو الحل لأزمة التشريعات الإعلامية، فالوطن لا يحتمل أزمات إضافية.