«كوفيد» فى زمن الحرب!
لم تكن الأخبار التى أتت من شمال البحر الأسود مفاجأة أو غريبة على أحد.. فالعالم كله تقريباً كان ينتظر بداية العملية العسكرية الروسية على أراضى أوكرانيا منذ شهور.. بل إن البعض يعتقد أنها تأخرت وأن السبب الرئيسى لهذا التأخير هو تلك الأعوام العجاف التى مر بها العالم بسبب أزمة كوفيد.
هى حرب مؤجلة كانت ستحدث عاجلاً أم آجلاً.. ولكن ينبغى أن يستوعب الجميع أن خسائر الحروب لا تجدها فى ميدان المعركة وحده..!
فى زمن الحرب.. لا أحد بمعزل عن الأذى، حتى إن كان يعيش فى أقاصى هذا الكوكب.. لا حدود للتأثير على الجميع.. بل ربما تغلبنى الفلسفة لأُقرر أنه لا منتصر أو مهزوم.. فالكل خاسر وإن بدا لوهلة أنه ربح معركته قصيرة الأمد، أو حتى نجح فى ما كان يصبو إليه..!
المشكلة أن العالم ما زال يعانى من تبعات «كوفيد» اللعين.. ما زالت الأزمة الاقتصادية التى نتجت عن إغلاق استمر شهوراً تلقى بظلالها على العالم كله.. ما زالت جرعات اللقاح لم تصل إلى أكثر من ثلثى سكان هذا الكوكب.. بل ما زال «كوفيد» نفسه يبحث عن مزيد من القوة أو الانتشار بمتحوراته التى ينتجها كل فترة!!
تصريح مثير للاهتمام صدر من منظمة الصحة العالمية منذ أيام قليلة يفيد بأن معدلات التلقيح المنخفضة نسبياً فى أوكرانيا قد تتسبّب فى كارثة إنسانية إن استمرت الحرب فترة طويلة.. فطبقاً للتقارير الدولية المعلنة، فإن عدد الذين تلقوا اللقاح حتى منتصف شهر فبراير الماضى لم يتجاوز الخمسة عشر مليوناً بنسبة لا تتجاوز ٣٥٪ من تعداد السكان.. معظمهم تلقى لقاح «فايزر» أو «موديرنا» القادمين من الغرب.. فكيف يمكن لدولة يبلغ تعداد سكانها الأربعين مليوناً تقريباً أن تستمر فى برنامج التطعيم؟.. بل كيف ستحصل على نصيبها من اللقاحات فى ظل مقاطعة عالمية متوقعة للدب الروسى وللمنطقة بأسرها؟!
الإجابة أوضح من أن يتم ذكرها.. فكارثة صحية واضحة للجميع تبدو قريبة الحدوث على أراضى أوكرانيا.. كارثة ربما تقترب فى تأثيرها من كارثة ذلك المفاعل النووى الذى انفجر فى ثمانينات القرن الماضى على الأرض نفسها!!
لقد عانى العالم خلال العامين الماضيين كثيراً من هذا الفيروس اللعين.. وانتظر البعض أن تؤدى تلك المعاناة إلى التعاون وتوحّد الجهود للوصول إلى النجاة واستمرار الحياة بالشكل الذى نعرفه.. وقيام حرب عسكرية بهذا الشكل التقليدى سيمنع بكل تأكيد حدوث ذلك بأى شكل!!
لسنا بصدد الحديث عن المصيب والمخطئ فى حرب روسيا - أوكرانيا.. ولكن أصبح فى حكم المؤكد أن ما ستفعله تلك الحرب -التى لن تنتهى سريعاً فى رأيى- هو أنها ستقضى على بقايا الإنسانية التى تبقت بعد أزمة «كوفيد»..!
ستصبح لقاحات «كوفيد» أحد أهم الأسلحة التى يتم استخدامها فى تلك الحرب.. بل ربما تصبح ورقة ضغط شديدة الأهمية على الطرف الروسى إن تفشى بها متحور يعجز معه اللقاح الوطنى «سبوتينيك».. بل إننى أعتقد أن التقارير الصحية القادمة من ميدان المعركة ستحصل على الأهمية نفسها، التى تحصل عليها التقارير العسكرية!!
لقد قامت الحرب بالفعل.. ولا أعتقد أنها ستسلك المسلك التقليدى للحروب، التى نعرفها أو ذكرها لنا التاريخ.. ففى زمن «كوفيد» سنجد معايير مختلفة للتعامل، بل والتحيزات.. فالبقاء على قيد الحياة لم يعد مهمة يسيرة على هذا الكوكب.. أو هكذا أعتقد!